الأساليب البلاغية في دعاء الصباح .....2
علي حسين الجابري
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
نعود لنرشف من رحيق كلام امير المؤمنين فكلماته شفاء للنفوس فقال في دعاء الصباح : (و أتقن صنع الفلك الدوار في مقادير تبرجه ) الإتقان هو إتمام عمل الشيء بدقة وحرفة وكمال, وهو هنا ليعبر عن قدرة الله في خلق الفلك وقد ذكر أمير المؤمنين كلمتي (الفلك الدوار) ليعبر عن إن الأجرام السماوية تعمل بنظام دائري ليكون أول تصريح منه سلام الله عليه بكيفية عمل الكون والكواكب , وكيف لا وهو القائل سلوني عن طرق السماء فاني اعلم بها من طرق الأرض , ولكن للأسف الشديد لم تقبل البشرية أن تستقي من هذا النبع الصافي لتكتشف بعد مئات السنين إن حركة الأرض وغيرها دائرية .
(التبرج) هو إظهار المرأة زينتها أمام الرجال كما في قول ((ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى)) ، والمعنى الإجمالي أن الفلك الدوار قد زينه الله عز وجل بدقة ومن ذلك قوله تعالى {وَلَقَدْ جَعَلْنَا فِي السَّمَاء بُرُوجاً وَزَيَّنَّاهَا لِلنَّاظِرِينَ }.
(وشعشع ضياء الشمس بنور تأججه) الشعاع هو الضوء السائر بخط مستقيم وهو نور الأفق , ومعناه هنا أي أطال ومد ليعٌبر عن بزوغ نور الأفق وامتداده عند ولادة الصبح الجديد ولعله هنا داعماً لما رجحنا في الفكرة الأولى لما قلنا المقصود بالصباح بداية ظهور نور الأفق في السماء .
وأما التأجج فهو لهب النيران وهنا لعلة إيماء منه عليه السلام بان الشمس جسم ناري يضيء لباقي الكوكب وهنا وصف يصل للأذهان بان استعار من السراج الذي هو نار مشتعلة في قنديل تضيء لما حولها كذلك الشمس, وهي استعارة بالكناية , و أما الضمير في تأججه فهو عائد على نور الشمس فيكون المعنى العام من هذا التعبير الغاية في الروعة هو يا من منح الشمس هذا اللهب المتأجج لينير للعالم نوراً وهاجاً وكل ذلك بقدرة الله .
( يا من دل على ذاته بذاته) دل أي أرشد وأما ذاته فهي تأنيث( ذو) وتستخدم مجازية للدلالة على حقيقة الشيء وكنهه أو جوهره , ودلالة الله على ذاته بذاته هي إحدى الطرق لمعرفة الله وهو طريق أهل البيت عليهم السلام ومن شواهدها قول الإمام زين العابدين عليه السلام ) الهي بك عرفتك، وأنت دللتني عليك ولولا أنت لم أدر ما أنت) .
(وتنزه على مجانسة مخلوقاته ) التنزيه هو الابتعاد في اللغة ولعله من الخطأ القول إني أتنزه لما أريد الخروج للماء والزرع فمعناه الصحيح هو الخروج من الماء والزرع لحياة البادية كما أشار صاحب كتاب القاموس المحيط , ولما كان معناه الإبعاد كان مجمل الكلام أي انه بعيد عن مشابهة المخلوق لأنه هو الخالق وهو ليس كمثله شيء فلا يمكن تصنيفه بجنس ويقول صاحب العين إن الجنس هو ضرب من الشيء والناس والطير وهذا المعنى يؤيد ما أسلفنا من انه المقصود من المقطع في الدعاء هو نفي أن يكون الله شيء أو جسم أو يوصف بشيء جل عن ذلك علواً كبيراً .
إن هذه العبارات وغيرها من كلام أمير المؤمنين هي لا زالت تتناول المدح والثناء لرب الجلالة بان تصفه لنا وتصف قدرته وجلالته , وتثني عليه بما هو أهلٌ له إنما هي من أدب الدعاء أيضاً لأنك حينما تريد أن تطلب من الله فعليك الحمد والثناء أولا وكيف يكون المدح سوى بوصفه سبحانه وتنزيهه عن كل ما يفتريه عليه الخارجين عن طاعته سبحانه والحمد لله رب العالمين وصلاته على الهادي الأمين واله الطاهرين وللحديث تتمة ..
قناتنا على التلغرام :
https://t.me/kitabat
علي حسين الجابري

قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat