صفحة الكاتب : ادريس هاني

بماذا نفسر جنون المنطقة؟
ادريس هاني

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
ليس ثمة ما يؤشّر على حلول شاملة لمشاكل العالم..لقد صمّم النظام العالمي لكي لا ينهي جوهر النزال، بل فقط هناك حلول جزئية يقتضيها السياق الدولي والإقليمي.. ولكي تنطفيء نار هنا لا بد من إشعالها هناك لأنّ النظام العالمي غير العادل يعمل على جدل التناقض غير المنتج للحلول..تتعايش السياسات الدولية مع النزاع بشكل يكشف عن الطبيعة البنيوية للنزاع الدّولي. ذلك لأنّ الحل الشامل فضلا عن أنه أمر بالغ التعقيد إلاّ أنه غير مرغوب فيه نظرا لما ينتج عن ديمومة الصراع من مصالح إمبريالية على أساس ضمانها قام النظام الدولي ورسمت سياساته. ليس من الهيّن أنّ نضمن استمرار احتكار وامتلاك 20 في المائة من القوة العالمية لـ 80 في المائة من الثروة العالمية من دون حروب وأزمات. نحن أمام وظيفة للأمم المتحدة لا تتعدّى دور الإطفائي الذي وجد ليكون على أهبة الذهاب لإطفاء حرائق موضعية هنا أو هناك ، ولكن لا بدّ أن يتمّ ذلك بعد أن يؤذن له بهذه العملية ويوفر له المناخ الدولي للقيام بذلك. النظام الدولي يعمل على واجهتين : ظاهرة وباطنة. فأمّا الظاهري منه فهو التصريف القانوني الذي تتولّاه المؤسسات المعنية وهو أشبه ما يكون بحالة بروباغوندا تمنح النظام العالمي بين الفينة والأخرى شرعية الوجود وجدوى البقاء، بينما تنشط المنظّمات الباطنية على تحريك الملفّات الساخنة ضمن نمط آخر وقوانين أخرى لا علاقة لها بالقانون الدولي ولكنها قادرة أن تجعل من القانون الدولي نفسه جزء من أدواتها ولعبتها. إنّ لعبة الأمم التي تديرها المنظمة الباطنية للنظام العالمي تخضع لقواعد ألعاب غير معنية بمبادئ السلم العالمي. بل إنّ لعبة الحرب هي واحدة من الإلعاب التي تستعمل لضبط إيقاع العلاقات غير المتكافئة بين الدول الكبرى والدول الصغرى. ثمة مقاومة ضدّ العدالة الدولية لا زالت تعمل جلّ مؤسسات النظام الدولي على تكريسها. ويلعب النظام الاقتصادي الدولي منذ الحرب العالمية الثانية دورا أساسيا في تكريس هذه اللاّعدالة الدولية. ذلك لأنّ ما يسمّى بعالم الأطراف المنتج للمواد الخام واليد العاملة هو منبع الموارد الطبيعية والبشرية التي تؤمّن الثروة والرفاهية للعالم المتقدّم. وقد كانت جلّ الحروب تنشأ على خلفية الاقتصاد السياسي للإمبريالية التي هي النمط العريق والمستمر للنظام العالمي. فالحديث عن نظام عالمي جديد لا يتناول سوى الجانب السياسي للعبة الأمم أي إعادة توزيع قواعد اللعبة ولكن مع استمرار تمكين الإمبريالية من مساحات جديدة بكر للاستنزاف والهيمنة. وعند كل محطّة تتحرك المنظمة الباطنية للنظام الدولي لخلق خداع سياسي جديد وفوضى خلاّقة تربك الأنظمة الهشّة لفتح الطريق نحو بعد آخر من لعبة الأمم. من ذلك على سبيل المثال أنّنا في مفتتح الربيع العربي فوجئنا بتسريبات الويكيليكس لكن حينما بدأ التوجه نحو طي ملف الربيع العربي اسيقظنا على خبر تسريبات بنك بنما. نذكّر أنّ الأمر ليس مصادفة إذ ليس ثمة مصادفات في لعبة الأمم التي تهتم بأنفاس الناس وليس فقط الدّول. لكن في انتظار ما سيترتب على ذلك من سياسات، نذكّر أنّ لكل فعل في اللعبة الدولية آثار ومنعطفات. ترى، أين تتجه البوصلة اليوم في لعبة الأمم؟ وهل ثمة ما يؤكّد على أنّ الأمر مجرد ضغط على بعض النظم لكي تتذكّر أنّ لا أحد يستطيع ان يفلت من عقاب القوة الناعمة للولايات المتحدة الأمريكية التي تعاقب حلفاءها أو تذكرهم بين الفينة والأخرى بأنّ لا أحد يملك ان يخرج من بيت الطاعة الأمريكي حتى من دون الحاجة إلى التدخل. هناك فشل ذريع في مشروع الشرق الأوسط الجديد أدركت الدول العظمى أنه لا بدّ من تغيير قواعد اللعبة والإبقاء على الحد الأدنى من النفوذ، غير أنّ ثمة محاور لم تقتنع بعد وتحاول أن تفتعل أزمات لفرض الأمر الواقع على الولايات المتحدة الأمريكية التي باتت ترفض أن تستنزف في مشاريع فاشلة. هناك محاور إقليمية لا زالت تشتعل على النمط التقليدي بحيث تعتقد أنّ الموقف الأمريكي هو نابع من ترجيح خيار معين ينسج داخل البيت الأبيض بينما من الممكن الرهان على جناح آخر لتغيير السياسات. والواضح هنا أنّ الموقف الأمريكي هو موقف الدولة الأمريكية العميقة وليس موقف أوباما الذي لا يمثل سوى مايسترو بالغ اللياقة في معزوفة تمّ تأليفها مسبقا.لم يعد هناك داخل أمريكا أجنحة للرهان عليها ولو انتخابيا. ذلك لأنّ الأمر له علاقة بمسارات تموقع الثروة العالمية، وهو الأمر الذي يجعل أمريكا نفسها تنسج أحلافا بديلة ولكن على المدى المتوسط لن تجد الجدوى الاقتصاد- سياسية في استمرار تحالفها مع بعض القوى الإقليمية، وعلى المدى البعيد قد ينفرط عقد العلاقة الاستراتيجية حتى مع إسرائيل التي ستجد نفسها بخلاف الأحلاف الآخرين معنية بالتمدد ناحية المجال الأوراسي في أفق تراجع القوة التحالفية مع الولايات المتحدة الأمريكية. فالمساعي الإسرائيلية حثيثة في اتجاه الصين وروسيا وهي تجد في البوابة التركية منفذا لتحقيق هذا النفوذ، حيث تبيّن أنّ هناك اكتمال في ترتيب العلاقات بين تل أبيب وأنقرة تحت إشراف أوردوغان. الرصيد الإسرائيلي الذي يمكنها من النفوذ داخل المجال الأوراسي شعور إسرائيل نفسها بحاجة الصين وروسيا إلى التقنية الإسرائيلية، وهو ما ستسعى لاستعماله لإيجاد منافذ في المجال الأوراسي الذي كان ولا زال منذ ماكندر حنى بريجينسكي المجال الذي يعتبر الهيمنة عليه هي هيمنة على العالم. سيستمر النفوذ إلى حين في الشرق الأوسط هدفا للإمبريالية الغربية ولكنه لن يكون هو الرهان المستقبلي حيث كل الكيانات التي توقف وجودها واستمرارها على النفوذ الأمريكي والغربي ستجد نفسها في حالة يتم وشعور حاد بالخطر، وعلى هذا الأساس نفسّر طبيعة الجنون الذي تعيشه المنطقة منذ أن بدأت واشنطن تبرهن على أنّ أولوياتها الجيوستراتيجية بدأت تتغيّر..

قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


ادريس هاني
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2016/04/09



كتابة تعليق لموضوع : بماذا نفسر جنون المنطقة؟
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net