المغزى القرآني في اﻷمر بالمعروف والنهي عن المنكر
السيد ابراهيم سرور العاملي
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
السيد ابراهيم سرور العاملي

🔮بسم الله الرحمن الرحيم🔮
✨ إن موضوع الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر موضوع عظيم، جدير بالعناية؛ لأن في تحقيقه مصلحة الأمة ونجاتها، وفي إهماله الخطر العظيم والفساد الكبير، واختفاء الفضائل، وطهور الرذائل. وقد أوضح الله جل وعلا في كتابه العظيم منزلته في الإسلام، وبين سبحانه أن منزلته عظيمة، حتى إنه سبحانه في بعض الآياتت قدمه على الإيمان، الذي هو أصل الدين وأساس الإسلام، كما في قوله تعالى: { كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ } [آل عمران:110].
🔹وفي آية أخرى حصر سبحانه الفلاح في الدعاة إلى الخير، والآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر، فقال عز وجل: { وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ } [آل عمران:104]. فأبان سبحانه أن هؤلاء الذين هذه صفاتهم وهي: الدعوة إلى الخير، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر - هم المفلحون، والمعنى أنهم هم المفلحون على الكمال والتمام، وإن كان غيرهم من المؤمنين مفلحا، إذا تخلى عن بعض هذه الصفات لعذر شرعي، لكن المفلحون على الكمال والتمام هم هؤلاء الذين دعوا إلى الخير، وأمروا بالمعروف وبادروا إليه، ونهوا عن المنكر وابتعدوا عنه. أما الذين يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر لأغراض أخرى: كرياء وسمعة، أو حظ عاجل أو أسباب أخرى، أو يتخلفون عن فعل المعروف، ويرتكبون المنكر، فهؤلاء من أخبث الناس، ومن أسوئهم عاقبة.
🔹جميع الرسل بعثوا يدعون الناس إلى توحيد الله، الذي هو أعظم المعروف، وينهون الناس عن الشرك بالله، الذي هو أعظم المنكر. ولما فرط بنوا إسرائيل في ذلك وأضاعوه، قال الله جل وعلا في حقهم: { لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ } [المائدة:78]. ثم فسر هذا العصيان فقال سبحانه: { كَانُوا لا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ } [المائدة:79]. فجعل هذا من أكبر عصيانهم واعتدائهم، وجعله التفسير لهذه الآية { ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ كَانُوا لا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ } [المائدة:78-79]. وما ذلك إلا لعظم الخطر في ترك هذا الواجب. وأثنى الله جل وعلا على أمة منهم في ذلك فقال سبحانه في سورة آل عمران: { مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَائِمَةٌ يَتْلُونَ آيَاتِ اللَّهِ آنَاءَ اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَأُولَئِكَ مِنَ الصَّالِحِينَ وَمَا يَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَلَنْ يُكْفَرُوهُ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ } [آل عمران:113-115]. هذه طائفة من أهل الكتاب لم يصبها ما أصاب الذين ضيعوه، فأثنى الله عليهم سبحانه وتعالى في ذلك. وفي آية أخرى من كتاب الله عز وجل في سورة التوبة قدم سبحانه الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر على إقام الصلاة وإيتاء الزكاة، وما ذلك إلا لعظم شأنه.
🔹وقد حدَّدت الشريعة ثلاثة مراحل لهذا النهي عن المنكر:الأول: الإنكار بالقلب فعن الإمام علي(ع):" أدنى الإنكار أن يلقى أهل المعاصي بوجوه مكفهرّة " .إنّ أقل ما يمكن أن يواجه المؤمن به من يحمل كأس خمر يشربه, أو يتناول الطعام دون عذر في نهار شهر رمضان, أو يغتاب الآخرين, أو نحو ذلك, أن يظهر علائم السخط على وجهه من عمله القبيح.الثاني: الإنكار باللسان إنَّ الكلمة الناهية عن المنكر قد تغيِّر مصير الناهي والمنهيّ من قعر جهنّم إلى عوالي الجنة .وأفضل كلمة ناهية عن المنكر هي تلك التي تنطلق بوجه سلطان جائر, فعن الرسول الأكرم(ص):" إنّ أفضل الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر" .ومن مصاديق هذه الكلمة ما جرى مع العبد الصالح عبد الله بن عفيف الأزدي فقد ورد أنه بعد ملحمة عاشوراء صعد ابن زياد المنبر فحمد الله وأثنى عليه ، وقال في بعض كلامه الحمد لله الذي أظهر الحق وأهله ، ونصر أمير المؤمنين وأشياعه ، وقتل الكذاب ابن الكذاب فما زاد على هذا الكلام شيئا حتى قام إليه عبد الله بن عفيف الأزدي وكان من خيار الشيعة وزهادها وكانت عينه اليسرى ذهبت في يوم الجمل ، والأخرى في يوم صفين ، وكان يلازم المسجد الأعظم ، فيصلي فيه إلى الليل ، فقال : يا ابن مرجانة إن الكذاب ابن الكذاب أنت وأبوك ، ومن استعملك وأبوه ، ياعدو الله أتقتلون أبناء النبيين ، وتتكلمون بهذا الكلام على منابر المؤمنين ؟ قال : فغضب ابن زياد ثم قال : من هذا المتكلم ؟ فقال : أنا المتكلم يا عدو الله تقتل الذرية الطاهرة التي قد أذهب الله عنهم الرجس ، وتزعم أنك على دين الاسلام ؟ وا غوثاه أين أولاد المهاجرين والأنصار لا ينتقمون من طاغيتك اللعين ابن اللعين على لسان محمد رسول رب العالمين؟ فازداد غضب ابن زياد حتى انتفخت أوداجه وقال : علي به ، فبادر إليه الجلاوزة من كل ناحية ليأخذوه, فحمته قبيلته, لكن بعد ذلكاستطاع جند ابن زياد أن يأسروه, عقب مقاومة شديدة منه, وأوتي به إلى ابن زياد, فما أن كان منعبد الله بن عفيف الأزدي إلا أن قال:"الحمد لله رب العالمين أما إني قد كنت أسأل الله ربي أن يرزقني الشهادة قبل أن تلدك أمك وسألت الله أن يجعل ذلك على يدي ألعن خلقه وأبغضهم إليه ، فلما كف بصري يئست من الشهادة ،والآن الحمد لله الذي رزقنيها بعد اليأس منها ، وعرفني الإجابة منه في قديم دعائي فقال ابن زياد :اضربوا عنقه ! فضربت عنقه وصلب في السبخة
3- الإنكار باليدّ عن الإمام علي(ع):" من رأى عدوانا يعمل به, ومنكراً يدعى إليه, فأنكره بقلبه فقد سلم وبرئ ،ومن أنكره بلسانه فقد أجر ، وهو أفضل من صاحبه ، ومن أنكره بالسيف لتكون كلمة الله العليا وكلمة الظالمين السفلى فذلك الذي أصاب سبيل الهدى ، وقام على الطريق ، ونوّر في قلبه اليقين " .وهذا الإنكار هو الذي قام به الإمام الحسين(ع) في أعلى مشهد إنكار ليس فقط باليد, بل ليس فقط بالسيف, بل كان بالدم المقدّس, لأنّ الإمام(ع) واجه أعلى منكر, وهو محاولة حرف قافلة البشرية عن مسارها عبر إماتة الدين, وهو ما بيّنه الإمام الحسين(ع) بعدّة كلمات منها:- "إن السنّة قد أميتت وإن البدعة قد أحييت"- "وعلى الإسلام السلام إذ قد بليت الأمة براع مثل يزيد " .ومع ذلك سكتت الأمَّة ولم تقم بواجبها بل كان موقفها الذي عبَّر عنه الإمام(ع):"ألا ترون إلى الحقّ لا يعمل به وإلى الباطل لا يتناهى عنه" .لقد رأى الإمام الحسين(ع) أن مواجهة ذلك المنكر, وأن المحافظة على الإسلام هوالمعروف الأول الذي لا تنفع فيه مجرد اكفهرار الوجوه, وإعلان المواقف الخطابية, بل لا بُدَّ من مواجهة مسلَّحة يقدّم فيها نفسه وأهل بيته وأصحابه, لتكون النتيجة كما كانت انتصار الدم على السيف.
🔘والحمد لله رب العالمين🔘
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat