أصالة اﻷخلاق في المجتمع اﻹسلامي
السيد ابراهيم سرور العاملي
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
السيد ابراهيم سرور العاملي

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخلاق.. مشترك إنساني عام من القيم والفضائل التي جبل الله الناس عليها، فأصناف البشرية كلها تعترف بالمعاني الفاضلة والأخلاق العالية، وأصول هذه الأخلاق قدر متفق عليه، بل هناك فلسفة خاصة للأخلاق والفضائل في كل أمة وتراث وعصر وثقافة، فالصدق والكرم والوفاء والعدل والصبر والتسامح معانٍ محمودة في كل القيم الإنسانية، وفي مقابل ذلك معانٍ مذمومة فيها: كالكذب والظلم والزور والعقوق والبخل وغيرها.وهذا معنى أصالة الأخلاق وعظمتها وقوتها وسيادتها الفعلية على منظومة القيم الإنسانية، وذلك معنى فطرية الأخلاق، فالفطرة فيها أصول الأخلاق التي يحتاجها الإنسان، حتى إن الجاهلية الأولى كان العرب فيها يمتدحون مكارم الأخلاق، ويعدونها دليلاً على عقل الرجل وسيادته، فكانوا يمدحون الصدق والأمانة والكرم والشجاعة وغيرها، ولو قرأت في تراث كل أمة فستجد عندها قدراً معروفاً من أصول الأخلاق لا تختلف فيه لبقاء الفطرة في عناصرها، ولقد جاءت الرسالات السماوية لتذكي المعاني الفطرية، وتؤكد القيم المشتركة بين بني الإنسان، وتزيدها وضوحاً، وتحث الناس على فعلها، وتعدهم بالأجر والثواب، وتحذرهم من تركها بالوعيد والعقاب، وجاءت أيضا هذه الشرائع السماوية لتضع الأطر المحددة لتطبيقات هذه الأخلاق. فحقيقة الأخلاق في داخل النفس، وإنما السلوك العملي تعبير مباشر عن ذلك، ونتيجة له، ولذلك إذا كان القلب فاسداً لا يستطيع الإنسان أن يستمر في التظاهر والمجادلة بالأخلاق السطحية، فبعض الناس قد يتكلفون الأخلاق، لكن ذلك لن يدوم إن لم يكن ذلك نابعاً من اعتراف داخلي بقيمة هذه الأخلاق وحب لها، ومثل ذلك الخلق المؤقت، يعني أن في النفس ضعفاً أخلاقياً تنكشف النفس فيه لأدنى امتحان.
وقد جاءت الرسالة الإسلامية الخاتمة لهداية الإنسان، وتحريره من جميع ألوان الانحراف في فكره وسلوكه، وتحريره من ضلال الأوهام ومن عبادة الآلهة المصطنعة، وتحريره من الانسياق وراء الشهوات والمطامع، وتهذيب نفسه من بواعث الأنانية والحقد والعدوان، وتحرير سلوكه من الرذيلة والانحطاط.وقد اختصر رسول الله (صلى الله عليه وآله) الهدف الأساسي من البعثة بقوله المشهور: (إنّما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق).تجسيد الإمام الحسين عليه السلام للمفاهيم والقيم الأخلاقية الصالحة:وقد واصل الأوصياء والأئمة من أهل البيت عليه السلام هذه المهمة لتترجم في الواقع في أعمال وممارسات وعلاقات، ولهذا كانت القيم الأخلاقية هي المحور الأساسي في حركاتهم، وقد جسد الإمام الحسين عليه السلام في نهضته المباركة المفاهيم والقيم الأخلاقية الصالحة، وضرب لنا وأصحابه وأهل بيته أروع الأمثلة في درجات التكامل الخلقي.والإسلام، ثورة فكرية وأخلاقية، ثورة قيمية أبرزت حقائق وأقرت تعاليم. وهو ثورة إنسانية إذا ما قيست بهمجية الحياة العربية الغابرة، وضيق الايديولوجيات الدينية السابقة مثل الوثنية واليهودية. وهذه الثورة الإسلامية الإنسانية تتميز بأنها ثورة مستمرة ومستجدة، آية ذلك إقرارها قيماً إنسانية تضع الإنسان في أسمى منزلة على الأرض وتحله مرتبة منفردة لا يضاهيها سواها لدى سائر الكائنات الحية.أن الثورات والحركات المقدسة، قد ابتدأت في الحقيقة بالأنبياء العظام، وقد ورد ذكر تلك الثورات، والحركات المقدسة، وجهاد الأنبياء المقدس في سورة الشعراء إذ يذكر القرآن الكريم قصص موسى وإبراهيم ونوح وهود ولوط وصالح وشعيب وخاتم الأنبياء محمد (صلوات الله عليهم جميعاً)، بأنهم قاموا في سبيل مكافحة عبادة الأصنام والنضال ضد الظلم والاستبداد والجهل والتعصب والإسراف والتبذير والإفساد في الأرض والفحشاء والامتيازات الاجتماعية الوهمية.
هناك عناصر ثلاثة لا بد أن تتواجد في سلوك المؤمن واخلاقه :العنصر الأول:عنصر الجذب، المتدين إنسان جذاب وليس إنسان منفراً للآخرين، المتدين إنسان جذاب للآخرين، يقبل عليه الناس، لا أن ينفر عليه الناس، عنصر الجذب عنصر أساس في شخصية المتدين، جذاب بسلامه وجذاب بتحيته وجذاب بابتسامته وجذاب حتى بلباسه وحتى بشكله وحتى بمظهره، عنصر الجذب عنصراً أساس في شخصية الإنسان المتدين.القرآن الكريم يقول: ﴿خُذُواْ زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ﴾الزينة مظهر للجذب ومظهر للتقارب بين أبناء المجتمع البشري.الإمام الصادق كان يطوف بالكعبة وهناك عباد البصري وهو أحد المتصوفة يصلي عند مقام إبراهيم، مر عليه الإمام الصادق وهو يطوف فأمسك بثياب الإمام الصادق وجذبها وقال يا جعفر لقد كان جدك أمير المؤمنين يلبس النعل المخصب والثوب البالي وأنت تلبس القهوي المروي. يعني ثياب كانت أنيقة أو جميلة كان يلبسها الإمام الصادق وأنت تلبس القهوي المروي أينك عن جدك أمير المؤمنين؟، ألتفت عليه الأمام الصادق وقال له: «لقد كان جدي أمير المؤمنين في زمان بؤس وفقر فواسى أهل زمانه وإذا تحسنت أحوال الزمان فأبراره أولى به من فجاره». المسألة ليست مسألة لباس، التدين ليس شكل، التدين ليس شكلاً، التدين ليس مظاهر وطقوس، الإمام الصادق يريد أن يبين أن التدين وراء ذالك كله، التدين عنصر جذب، الشخصية المتدينة شخصية جذابة للآخرين نحو التدين، فإذا كان من عنصر الجذب طريقة اللباس فليكن لباس المتدين لباساً ينسجم مع أهل زمانه حتى يكون عنصراً جذاباً.العنصر الثاني:عنصر الألفة، المتدين كثير الأصدقاء لا أنه قليل الأصدقاء، المتدين كما ورد عن النبي محمد قال: «أفاضلكم، أحاسنكم أخلاقا، الموطئون أكنافا الذين يألفون ويتألفون، المؤمن يألف ويُألف» إنسان جذاب، إنسان اجتماعي، إنسان مألوف بين الناس يألف ويُألف.وورد عنه : «إنكم لن تسعوا الناس بأموالكم» ليست الأموال التي تأتي بالناس، لا «إنكم لن تسعوا الناس بأموالكم، فسعوهم بأخلاقكم» الخلق هو عنصر التدين، وهو مظهر التدين الذي يحقق الألفة لهذا الإنسان المتدين.قال تعالى: ﴿وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ﴾ الجارية التي كانت تصب الماء على يد الإمام الحسين كما في بعض الروايات فنفلت منها الإبريق فشجت رأس الإمام ورفع طرفه إليها، قالت: ﴿وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ﴾قال: كتمت غيظي، قالت: ﴿وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ﴾، قال: عفوت عنكِ، قالت: ﴿وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ﴾، قال: أنتِ حرة لوجه الله.العنصر الثالث:عنصر الانفتاح، المتدين ليس منغلقاً على فئة دون فئة، ولا على جماعة دون جماعة، ولا على لون دون لون، المتدين منفتح على مختلف الفئات، مختلف الشرائح، ومختلف ألوان المجتمع، الانفتاح عنصراً أساس في خلق المتدين وهذا ما يعبر عنه بالمروءة.المتدين منفتح حتى على أعدائه، قد يكون الإنسان عاصياً، وقد يكون فاسقاً لكن بسمة من المتدين تجذبه نحو الهدى، تعاملاً حسن من المتدين يجذب هذا العاصي، يجذب هذا الفاسق، يجذب هذا المصر على الذنوب والرذائل يجذبه إلى الدين ببسمة من المتدين، بتواضع من المتدين، باهتمام من التدين، نعم لو بلغ من الفسق والمعصية إلى حد لا يرتدع ولا يتوب ولا يئوب، ربما يرى المتدين أن مقتضى النهي عن المنكر أن يقطب في وجهه ولكن مادامت البسمة ومادام التواضع ومادام حسن التعامل معه قد يكون وسيلة لجذبة نحو التدين، فمقتضى التدين التعامل الحسن حتى مع الفساق وحتى مع العصاه، مقتضى التدين جذب هؤلاء.ورد عن الإمام الصادق : «كونوا دعاه لنا بغير ألسنتكم». وورد عن النبي : «الدين المعاملة»، الدين ليس صلاة وصوماً فقط، الدين المعاملة.وورد عن الإمام زين العابدين : «لا تغتروا بكثرة صلاتهم، ولا بكثرة صيامهم، فأن الرجل ربما لهج بالصلاة والصوم حتى لو تركهما استوحش ولكن اختبروهم عند صدق الحديث وأداء الأمانة» اختبروهم في حسن المعاملة واختبروهم في الخلق، الخلق هو العلامة المضيئة الواضحة البارزة في سلوك الفرد المؤمن حيث أنه يمتلك قوة اﻷخلاق في نفسه وذاته فيسيطر من خلالها على مظاهر التفكك اﻹجتماعي ويحرر نفسه من مستنقع الرذائل ليتحلى
بكل فضيلة تبعثه على مواصلة السير في طريق اﻷنبياء والاولياء.
اللهم ارزقنا اﻷخلاق الفاضلة ببركات العترة الطاهرة والحمد لله رب العالمين.
Email:ebrahimsrur@hotmail.com
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat