الدور الرسالي لعلماء الدين
السيد ابراهيم سرور العاملي
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
السيد ابراهيم سرور العاملي

🔻بسم الله الرّحمن الرّحيم قال الله تعالى﴿إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ﴾ [1] صدق الله العليّ العظيم إنّ مَنْ تأمّل في سياق الآية المباركة - وكما يقول المفسّرون: بملاحظة مناسبة المحمول للموضوع - استطاع أنْ يدرك أنّ المقصود بالعلماء في الآية المباركة هم العلماء الرّبّانيّون، فالعلماء الرّبّانيّون هم الذين يخشون الله، وهم الذين أشار إليهم الإمامُ أميرُ المؤمنين عليٌ عليه السّلام في قوله: ”الناس ثلاثة: عالمٌ ربّانيٌ، ومتعلمٌ على سبيل نجاةٍ، وهمجٌ رعاع“، والعالم الرّبّاني هو العالم الذي يكون هدفه الانتصار لمبادئه ولدينه، فهو الذي لا يراعي في مساره ولا في مشاريعه الأهداف الماديّة أو الدّنيويّة أو الحصول على الألقاب أو العناوين أو المواقع الاجتماعيّة وإنّما يكون هدفه الأصيل والأوّل هو الانتصار لمبادئه وقيمه ودينه، وهذا ما يسمّى بالعالم الرّبّاني.
فالعلماءُ الربانيُّون هم صِمامُ أمان الأمَّة؛ فهم حمَلَةُ الدِّين, والذَّائدون عن حِماه, والمدافعون عن بيضتِه, يَستمدُّ منهم غيرُهم قوةً في زمن الأزمات, ويستنير الناسُ بهديهم في أوقات الملمَّات, ويتَّبعون آراءَهم, ويَصدُرون عن أقوالهم.وقد مرَّت بهذه الأمَّة كثيرٌ من الأحداث الِعظام, والأمور الجِسام، كان للعلماء فيها الدَّور الأكبر في تثبيت الأمَّة وإرشادها, وقيادة دَفَّتها.
قال رسولُ الله صلَّى الله عليه وآله وسلَّم : ((...وَإِنَّ الْعُلَمَاءَ وَرَثَةُ الأَنْبِيَاءِ وَإِنَّ الأَنْبِيَاءَ لَمْ يُوَرِّثُوا دِينَارًا وَلاَ دِرْهَمًا وَرَّثُوا الْعِلْمَ فَمَنْ أَخَذَهُ أَخَذَ بِحَظٍّ وَافِرٍ)) .وقال تعالى :{هُوَ الَّذِيَ أَنزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ في قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاء الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاء تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُواْ الألْبَابِ}[آل عمران : 7] .
🔻دَورُ العلماءِ الرَّبانيينَ الرِّساليُّ نحو الأُمَّة:
ِ مَنْ تأمَّلَ نصوصَ الكتابِ والسنةِ ، وجالَ ببصرهِ في سيرةِ العلماءِ الرَّبانيينَ من سلفِ هذه الأُمَّة ، لاح له أنَّ دورَ العلماءِ الرَّبانيينَ يُعدُّ-بحقٍّ- أعظمَ رسالةٍ تُوجَّهُ للمجتمعاتِ البشريةِ ، وهو ماثلٌ فيما يلي 1- بيانُ الحقِّ ، وتبليغهُ للنَّاسِ ، وعدمُ كتمانهِ عنهم ؛ وفي هذا المعنى العظيم يقولُ اللهُ تعالى : {وَإِذَ أَخَذَ اللهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلاَ تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَرَاء ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْاْ بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ }[آل عمران : 187] .وقال تعالى : {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِن بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَـئِكَ يَلعَنُهُمُ اللهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ }[البقرة : 159].وقالَ جلَّ وعلا :{وَمَا عَلَيْنَا إِلاَّ الْبَلاَغُ الْمُبِينُ }[يس : 17].
2- تصفيةُ العلمِ مِنْ لوثاتِ التحريف ، وتنقيتهُ مِنْ شوائبِ التزييف ؛ عملاً بحديثِ رسولِ الله صلَّى الله عليه وآله وسلم : ((يحمل هَذَا الْعلمَ منْ كُلِّ خلفٍ عدوله، ينفون عَنهُ تَحْرِيف الغالينَ ، وانتحال المبطلينَ وَتَأْويل الْجَاهِلين).
3- تعليمُ النَّاس ما يحتاجونَ إليه من علومِ الكتابِ والسُّنةِ ، وتَزْكيتُهم منْ منطلقِ هذا العلمِ الصحيحِ ؛ كما قال تعالى : { لَقَدْ مَنَّ اللهُ عَلَى الْمُؤمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْ أَنفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُواْ مِن قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُّبِينٍ }.
4- بيانُ أحكامِ الشَّريعةِ للناس فِيما يُشكلُ عليهم منْ مسائلَ في حياتهم؛ كما قال تعالى : { فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ *بِالْبَيِّنَاتِ وَالزُّبُرِ}[النحل : 43-44].
5- الدَّعوةُ إلى اللهِ ؛ و إحياءُ شعيرةِ الأمرُ بالمعروفِ والنَّهيِ عن المنكر ؛ كما قال تعالى : {وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِّمَّن دَعَا إِلَى اللهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ}[فصلت : 33] .وقالَ-جلَّ وعلا- :{قُلْ هَـذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللّهِ وَمَا أَنَاْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ }[يوسف : 108].
وقال-سبحانه- :{وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ }[آل عمران : 104].وقالَ تعالى : {فَلَوْلاَ كَانَ مِنَ الْقُرُونِ مِن قَبْلِكُمْ أُوْلُواْ بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ فِي الأَرْضِ إِلاَّ قَلِيلاً مِّمَّنْ أَنجَيْنَا مِنْهُمْ وَاتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُواْ مَا أُتْرِفُواْ فِيهِ وَكَانُواْ مُجْرِمِينَ}[هود : 116].وقالَ-عَزَّ مِنْ قائلٍ- :{لَوْلاَ يَنْهَاهُمُ الرَّبَّانِيُّونَ وَالأَحْبَارُ عَن قَوْلِهِمُ الإِثْمَ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ لَبِئْسَ مَا كَانُواْ يَصْنَعُونَ }[المائدة : 63].
كذلك كانت التربية التي رباها الله ورسوله لهذه الأمة ممثلة في جيلها الأول المتفرد لكي تكتسب هذه السمة التي تجعلها جديرةً بالتمكين في الأرض؛ ﴿ الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ﴾ [الحج: 41]، وتجعلها جديرة بقيادة البشرية والشهادة عليها يوم القيامة.
والحمد لله رب العالمين
للتواصل؛
Email:ebrahimsrur@gmail.com
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat