الرياضيات ومعرفة امير المؤمنين علي (عليه السلام)
اسعد الحلفي
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
اسعد الحلفي

في فلسفة علم الحقائق أن الحقيقة لها وحدة قائمة بذاتها لكن ليس الجميع يراها بمقدار واحدٍ ثابت وإنما تظهر بأشكال مختلفة ومظاهر متعددة تناسب حجم إدراك الخلق لها بتباين عقولهم واختلاف استعداداتهم وكمالاتهم لان المعرفة لا تكون إلّا عن عقل ، (والعقل هنا ليس ما يعتقده عامة الناس وانما العقل بحقيقته السامية بالمفهوم القرآني) ، وكلما كان المطلوب معرفتهُ يفوقُ حدود الادراك الحسي حينها يجب ان تكون حدود الادراك العقلي لذلك الواعي تتناسب طرديا مع ما مطلوب ادراكه، أي ان ادراك أمراً بسيطاً لا يحتاج الى مستويات عالية من الوعي الادراكي، ولكن الوعي بحقيقة الله يحتاج الى عقل إدراكي يتناسب وتلك الحقيقة، من هنا سنعي ونفهم أنّ إدراك عقل الامام علي عليه السلام للحقيقة الالهية انما تمثل وعياً مطلقاً بتلك الحقيقة وهو القائل : ((لو كُشف لي الغطاء ما ازددتُ يقينا)) إذ أن يقينه (ع) تجاوز الغطاء وبلغ اللامنتهى ببلوغه اعلى مراتب الكمال إذ أن المحدود لا يحتوي اللامحدود فوازت معرفتهُ معرفة الرسول الخاتم (صلوات الله عليه وآله ) بحقيقة الخالق والتي تمثل حقيقة الحقيقة، فإذا استوعبنا كل ذلك حينها ستقرع الحقيقة أذهاننا وتعصف بأفكارنا لتدرك عقولنا صغر حجمها وضيق إدراكها الذي يُقارب العدم أمام قول الرسول المصطفى (ص) وهو يُخاطب أمير المؤمنين علي عليه السلام: " ياعلي: لا يعرف الله إلا أنا وأنت، ولا يعرفني، إلا الله وأنت، ولا يعرفك إلا الله وأنا " واللامحدود لا يدركه إلّا من كان مطلقاً لا حد له فوجب ان يكون علياً كذلك ومن إدعى معرفة الوصي معرفة تامة فليُعرّف لنا الله لأن مَن يعرف علياً (ع) وجب ان يكون عارفاً بالله ومدركاً لحقيقته التي هي حقيقة الحقيقة وإلّا فهو لا يخرج عن كونه واهم، وهذا ما ستثبته الرياضيات والتي هي ام العلوم وعليه لا بد مِن تعريف وجيز بهذا العلم الواسع.
مِن المعلوم ان العلوم تنقسم الى قسمين (علومٌ ذاتية وعلوم آلية) فالعلوم الذاتية هي العلوم التي تُقصد لذاتها وهي كثيرة ، أما العلوم الآلية فهي العلوم التي تُقصد لغيرها كالمنطق والرياضيات، لذلك تم تعريف المنطق على أنه: (( آلة قانونية تعصم مراعاتها الذهن عن الخطأ في التفكير)) ، فأهمية هذا العلم الآلي قد حددها هذا التعريف والحق أن هناك علاقة كبيرة بين علمي المنطق والرياضيات لذلك نجد حقلاً واسعاً في الرياضيات يُدعى بالمنطق الرياضي ، أما علمُ الرياضيات كما عرفهُ بعضهم: (هو علم تراكمي البنيان يتعامل مع العقل البشري بصورة مباشرة وغير مباشرة ويتكون من أسس ومفاهيم - قواعد ونظريات – عمليات – حل مسائل ( حل مشكلات ) وبرهان يتعامل مع الأرقام والرموز ويعتبر رياضة للعقل البشري ) فهو علم الانماط ومنطلق الالهام والابداع ولم اجد احداً قد عرف الرياضيات كمثل غاليولو الذي قال : (( الرياضيات هي اللغة التي كتب بها اللهُ الكون )) واليوم لا نجد احداً لا يؤمن بأن الرياضيات هي ام العلوم ومفتاحها إذ لا نجد حقلاً من حقول المعرفة يخلو من الرياضيات واليوم نشاهد الرياضيات في جميع جداول طلاب العلم إذ يعدونه مادةً اسياسية لا يمكن الاستغناء عنها لفهم العلوم الاخرى..
وانطلاقاً مِن هذا المفهوم يحق لنا ان نستخدم الرياضيات في إثبات بعض الحقائق العقدية التي نؤمن بها ، إذ أن من خلال بعض الحقائق الرياضية يمكننا ان نُبرهن بعض الحقائق العقدية في الدين الاسلامي الخالص، فنعود لقول الرسول الخاتم صلوات الله عليه وآله : (( ياعلي: لا يعرف الله إلا أنا وأنت، ولا يعرفني، إلا الله وأنت، ولا يعرفك إلا الله وأنا ))
وقد أشرنا في المقدمة أن علياً صلوات الله عليه قد بلغ اللامنتهى بمعرفته المطلقة وهذا ما يُدركه العقل المنصف الواعي إذ أن الامحدود مُحالٌ أن يدركه المحدود ومُحال ان تكون معرفة الله منتهية بحد ليدركها علي (ع) إذا كان محدوداً وبنص الحديث الشريف أن امير المؤمنين علي (ع) يعرف الله حق معرفته وعليه لا بد ان تكون معرفة الوصي مطلقة لا منتهية، وهو بأبي واُمي مَن بين ذلك بحديثه لسلمان وأبا ذر (رضوان الله عليهما) يوم قصداه ليسألانه عن معرفته بالنورانية ومما قاله لهما هو : (( لاتجعلونا أرباباً وقولوا في فضلنا ما شئتم فإنكم لا تبلغون كُنه ما فينا ولا نهايته )) (بحار الانوار 26/2) والجميل بالأمر هو مفهوم اللانهاية الواسع في علوم الرياضيات هو مَن سيساهم في تفسير ما تقدم لتكون حجةً اخرى على مَن انكر الوصي وجحد حقه ، وقبل ذلك سنتعرف على مفهوم اللانهاية في الرياضيات بشكل بسيط .
كلمة لانهاية (بالإنجليزية: infinity) تدل على "ما لا حدود له" أو "اللامنتهي" أو "المطلق اللا محدود" وتستخدم بعدة مفاهيم مختلفة لكن يجمع بينها جميعا فكرة واحدة هي "عدم وجود نهاية". مِن هذا المنطلق نجدها ترتبط بالفلسفة والرياضيات والإلهيات والحياة اليومية أيضا، فتمت الاشارة إليها برمز مُعين وهو المعروف اليوم برمز اللانهاية (∞) وأوّل من استعمله كان جون والّيس سنة 1655 في كتابيه:
١: De Sectionibus Conicis
٢: Arithmetica Infinitorum
ففي الرياضيات، تستخدم اللانهاية كعدد للإشارة به لكميات غير محدودة ، وينبغي معرفة ان الـ (∞) كيان مختلف عن أي كيان عددي آخر في خاصياته وسلوكه، واللانهاية ليست بالمفهوم الجديد حيث كان القدماء لديهم تصورات ومفاهيم متعددة حول طبيعتها إذ لم يكن قدماء الهنود، والإغريق قادرين على التعبير عنها في صورة رياضية أكثر منها فلسفية، فحظي هذا المصطلح باهتمام الكثير من علماء الرياضيات كزينون واقليدس، وكلٌّ له قصته مع اللانهاية.
في النتيجة نفهم أن اللانهاية عبارة عن "مصطلح" لربما يصعب فهمه حيث محدودية العقل البشري لدى العامة سيما العاجز عن إدراك اللامحدود بمبدأ الجزء لا يحتوي الكل او المحدود لا يحتوي اللامحدود ، لكن يبقى مصداق اللانهاية قائم في حياتنا اليومية، حيث هناك العديد من الأمور من حولنا يمكن ان ينطبق عليها مفهوم اللانهاية ، فالكون وتوسعه وامتداده هو أكبر دليل على وجود اللانهاية في حياتنا ، انطلاقاً من قول الله عزوجل: ((والسماء بنيناها بأيدِ وإنا لموّسعون ، الذاريات(56) ))، ورياضياً هناك العديد من امثلة اللانهاية، كمجموعة الأعداد الطبيعية ، فهل يمكن لأحد ان يُعطي اخر عدد فيها!! الجواب لا !واستخداماً لها فإنّ هناك حقيقة رياضية لا يمكن انكارها وهي إذا كان هناك عدداً ما وليكن x فإن نسبة أي عدد (x) او غيره - كَبُرَ أو صَغُر - الى قيمة غير مُعرّفة (مالانهاية) (invinte) والتي يرمز لها (∞) سيكون الناتج صفر.
(( x/∞ = 0 )) :أي
كذلك معرفة علي (عليه السلام) فهي غير معرّفة (invinte) اي غير منتهية كما أشرنا لذلك سابقاً ، وعليه فان نسبة اي مقدار من معرفة حقّ عليٍ "ع" لدى الخلق بأجمعهم -ما سوى الآل- الى معرفته التامة المطلقة اللامنتهية التي يعرفهُ اللهُ ورسوله بها سيكون الناتج صفر.
((ياعلي لا يعرفك إلّا الله وأنا)) فلو جمعنا معرفة العالم اجمع وأخرجنا نسبتها الى المعرفة الحقة له ، فان الناتج سيكون صفراً ، أي ان العالمين لم ولن يعرفوا علياً ابداً .
وهذا برهان كلام الرسول (ص) لعلي (ع) :
((ياعلي لا يعرفك إلّا الله وأنا)) أي مهما حاولوا فلن يصلوا الى كنه معرفتك ... ومقدار ما سيعرفونه سيكون بمنزلة اللاشيء اذا قورن بكُنه معرفتك ياعلي، فطوبى لِمن عرف أمير المؤمنين هكذا فإنهُ مِن الفائزين ، فهو القائل : (( يا ابا ذر أنا عبد الله وخليفته على عباده ، لاتجعلونا أرباباً وقولوا في فضلنا ما شئتم فإنكم لا تبلغون كُنه ما فينا ولا نهايته ، فإن الله عز وجل قد أعطانا أكبر مما يصفه واصفكم أو يخطر على قلب أحدكم ، فإذا عرفتمونا هكذا فأنتم المؤمنون )) بحار الانوار 26/2
اللهم اجعلنا ممن عرفوا حقه ومن المرضيين عنده ، والسلام على امير المؤمنين يوم ولد ويوم استشهد ويوم يُبعثُ حيا.
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat