لو كشف لي الغطاء ما ازددت وطنية
جاسم المعموري
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
جاسم المعموري
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
أن الوطنية في معنى من معانيها أن تؤسس , او تنتمي الى وطن , وتحبه , وتتكفل بحمايته والتضحية من اجله , وتصنع له ومن اجله التاريخ , وهذا ما لا يتسنى الا للعظماء النجباء من مؤسسي الاوطان , وصناع التاريخ , ولأن الوطنية ثقافة مفزعة للطغاة والمحتلين والمفسدين , عمدوا الى طمس معالمها الاساسية , وتغيير مساراتها الصحيحة , باتباع مختلف الخطط والاساليب المعروفة , والتي تؤتي أكلها كل حين , فالقتل والسجن والتشريد والحرمان لم يكن اقسى واكثر تاثيرا من التعتيم , والاخفاء المتعمد للتراث الوطني للشخصيات الوطنية العراقية الكبيرة , كشخصية السيد نور السيد عزيز الياسري , الذي كان لسان حاله يقول لو كشف لي الغطاء ماازددت وطنية , ولو كانت الدنيا كلها تعاديني ما ارتعش لي قلب , ولا ضعفت لي يد , ولا اهتز لي جفن.
كنت اسمع في فترة طفولتي الكثير عن الشخصيات الوطنية الكبرى من والدي رحمهما الله تعالى , عن شجاعتهم ومروئتهم وتفانيهم وكرمهم , ولكني لم اعرف الكثير عن سيدهم , سيد الثورة وقائدها , وزعيم المجاهدين , وشيخ المهاجرين السيد نور السيد عزيز الياسري , حتى التقيت بحفيده البار السيد النجيب عادل الياسري الذي اضاء لي بفكره الثاقب , وعلمه الجم , وادبه الفذ , الكثير من النقاط الهامة حول ثورة العشرين عموما , وحول زعيمها خصوصا.
كانت الوطنية عقيدته التي لم ينظـّر لها بكلمات او كتاب , وانما نظـّر لها فعلا من خلال مواقفه في ميادين الدعوة الى الثورة , وساحات القتال التي كان راس الرمح فيها , ومن ثم هجرته الى الحجاز, ليعود وبيده وطن شامخ , حمله معه في ذهابه حلما ينزف من اجله دما ودموعا , وعاد به عزيزا منتصرا , حيث اسس له دولة هي الاولى في التاريخ ضمن مفهوم العصر الحديث .
لم يكن السيد نور بحاجة الى جاه او مال او سمعة , بل كان يريد معينا وفيا , وناصرا شجاعا , ووطنيا مؤمنا , فلقد كان ذو مال وفير سخره قبل الثورة في اعمال الخير , وفي سبيلها عندما انطلقت , وتجهيزا لها قبل انطلاقها , واثناء هجرته الى الحجاز اقرض ملكها من الليرات الذهبية ما يعادل اليوم خزينة دولة , وكان ذو جاه قل نظيره , فهو السيد النجيب بلا منازع , واما سمعته فلقد ملئت الافاق , واقلقت مضاجع الطغاة والمحتلين , وأرعبت الخائنين الغادرين , وشجعت الخائفين المستضعفين. وكان باستطاعته ان يكون هو الملك على العراق , لو اراد ذلك وسعى له , ولكنه اثر الوطن على ذلك , وكان نضاله وكرمه وشجاعته ووطنيته في سبيل الله والمستضعفين , لانه اراد ان يرى الوطن حرا كريما , مستقلا شامخا.
لقد انشأ هذا الزعيم وطنا , واسس دولة , وبنى تراثا وطنيا خالدا , الا ان الظالمين ظلموه , والطغاة قللوا من شأنه , والمحتلين حاربوه , والخائنين طعنوه في ظهره , الا ان الجرح الاكثر ايلاما هو تقصير وتهاون المهتمين بتاريخ العراق بهذه الشخصية الفذة , لاسيما والعراق اليوم شعبا ونظاما , بحاجة ماسة الى الدروس الوطنية التي كتبها السيد نور بصبره ونضاله, وشجاعته وسخاءه , وها نحن اليوم على اعتاب الذكرى المئوية لتلك الثورة الخالدة التي توجب على العراق بكل مؤسساته الحكومية والشعبية , لاسيما الثقافية منها والسياسية والاجتماعية ان تستعد لاحياء هذه الذكرى , وتخليد زعيمها ان كانت وفية لشعبها ووطنها واخلاقها وتاريخها .
جاسم المعموري
26\11\2015
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat