إن اعلان الامام الحسين عليه السلام بهذا الكلام عند خروجه من مكه المكرمه يوم التروية وهو اليوم الذي تبدأ به اول مناسك الحج للجموع الداخلة الى مكة المكرمة متوجها الى العراق ، الكوفة . قالها لعشيرته و أهل بيته ومواليه وبعد ذلك عم القول لكل المسلمين المتوجهين لحج البيت الحرام . فلم تخرج من هذه الالاف إلا 73 أدركوا في حينه معنى الاعلان الكبير والخطير ، الكبير للملتحق والخطير للمتخلف .
وعندما يأتي الباحث أو الكاتب وحتى القارئ بصورة عامة ، ليدخل الى صلب الاعلام والبيان الحسيني هذا وذو الابعاد المتشعبة المعاني والقيم والتي تأثيرها مازال مستمرا الى يومنا هذا ، ومصداق استمرارها 1400 عام له دلالة على عمق كلمة المعصوم و إدراكه التام لما جرى في حينه من استشهاده وصحبه وما سيكون بعد ذلك الى يومنا هذا .
وبدأ قوله العظيم ( من لحقني ) اي أنه لم يأمر أو يجبر أحد على اللحاق بل خيرهم ، واللحاق باللغة العربية ، ادراك الشيء او الوصول اليه او الالتصاق ( لصق به ولزمه) وهذا واضح في كتب اللغة والمعاجم . والرغبة الداخلية الصادقة والحب هي الدافع الاساسي للالتصاق بالإنسان وإدراكه ، فلذلك الذين لحقوا بالإمام الحسين عليه السلام هم النخبة الحقيقة التي تشبعت قلبا وروحا بحب الحسين عليه السلام وإنها استرخصت الارواح و الدنيا بكل مباهجها وزينتها من مال وبنون من أجل الامام الحسين عليه السلام .
ثم يكمل الامام الحسين عليه السلام فيقول ( استشهد ) . والشهادة في اللغة و أصلها هو الاخبار عن الحقيقة بالقول والفعل ، أو الاحتجاج بقول او عمل ، الاية 282 البقرة [ واستشهدوا شهيدين من رجالكم ] ، ومنه جاء الشهيد على المقتول في سبيل الله عز وجل لأنه يخبر بالفعل بصدق كلمة ( لا إله الا الله ، محمد رسول الله ) فيقتل ليكون شاهدا بقتله في سبيل الله عز وجل . وهذه ثورة الامام الحسين عليه السلام كانت من أجل اعادة المسار الحقيقي لرسالة الاسلام المحمدي العلوي التي حرفتها بني امية ابناء آكلة الاكباد والرايات الحمر و سليلهم الخمار و ملاعب القرود و أتباعهم من جيش الظلام .
ثم يقول الامام الحسين عليه السلام (( لم يدرك الفتح )) والادراك النضج المتكامل ، او أحاط به أو بلغ علمه أقصى شيء وهذا واضح ولا يحتاج الى ايضاح .
والفتح في اللغة في قاموس ( المعاني لكل رسم معنى ) يقول الفتح : أنار بصيرته ، علمه وهداه و أرشده .
يوم الفتح : يوم القيامة
الفتح : النصر المبين ...... وعند جمع المعاني والتمعن في كلام الامام عليه السلام يتوضح لنا إن الفتح هو انكشاف الحجب و الهداية المطلقة ونصر الشهداء يوم الطف و بصرهم الخارق لعالم الاخرة ومنازلهم العالية والمشاهدة الفعلية للدرجات الرفيعه التي يتبوؤها أصحاب الامام الحسين عليه السلام .
إن كلمة الامام الحسين عليه السلام باعتقادي لم ولن تتوقف الى يوم القيامة لأنه يقول من لحقني ، هي دعوة مستمرة ، ومن سار في ركبه ىو إتبع مبادئه سيكون معه ، فليس الامر مجرد ثورة ومعركة لساعات نهار واحد وانتهت ثورة الامام الحسين عليه السلام بل هي قيم ومبادئ و أخلاق وتصرفات وسلوك انساني ومسيرة اللحاق مستمرة لكل ذي لب لبيب ، والهدف الاسمى في هذا اللحاق هو كسب الرضا الألهي ، وهذا الكسب استشهد من أجله شهداء كربلاء وشيخهم الامام الحسين عليهم السلام .
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat