ذكرى حرب أكتوبر 73، نصر الجندي العربي ونكبة رجل الدولة
سفيان بن حسن
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
سفيان بن حسن

أكثر من أربعة عقود على آخر مواجهة نظامية بين الجيوش العربية وجيش الكيان الصهيوني، ربما لم يدر في خلد عبد الناصر بأن العرب سيتوقفون عن تصويب بنادقهم تجاه المحتل وسيتخلون بعد سنوات قليلة من رحيله عن حلم تحرير الأرض، وربما آخر التوقعات التي كانت يمكن أن تراوده في حياته هو أن تكون بلاده أول من يعترف بشرعية الوجود الصهيوني وأن يلقي خليفته ورفيق دربه خطابا في الكنيست ويوقع إتفاقية سلام شامل مع العدو، كان الرجل يحلم بتحرير فلسطين من رأس الناقورة إلى أم الرشراش وكان يرى النصر فقط في أن لا تبقى إسرائيل ولو رمزا في قرية عربية. لو أنه بيننا اليوم هل سيكون سعيدا حقا بنصر أكتوبر أم أنه سيشعر بمرارة لم يعرفها سنة 67 ؟
لا يختلف عاقلان بأن حرب أكتوبر حطمت الغطرسة الصهيونية إلى حين، وأثبت الجندي العربي خلالها زيف إدعاءات الصهاينة والعالم بأن جيش الإحتلال لا يقهر ولا ينكسر، ولا نملك اليوم إلا أن نحيّي الأحياء من أبطال الملحمة ونترحم على من رحل منهم، و على ذلك الزمن الجميل الذي كان فيه الجندي العربي يصوب سلاحه خارج الوطن لا داخله، لم تكن هناك أصوات تعلو فوق صوت المعركة ولم تكن من المعارك سوى معركة تحرير الأرض العربية من براثن الصهاينة، كان الزمن جميلا رغم إنكساراته وكانت البوصلة ثابتة رغم الهزات والأزمات وكان الجيش والشعب في خندق واحد تحركهما مصالح الوطن والأمة. بذرة النصر زرعها فكر عبد الناصر وثلة من الأحرار في الوطن العربي وكانت من ثمارها دك خطَي بارليف وآلون و سقوط أكذوبة الجيش الذي لا يعرف الهزيمة ولا التراجع. اثبتت الحرب قدرة العرب على إدارة الحروب و أضاءت شعلة من أمل إستعادة كل الحقوق السليبة، كما كشفت حقيقة أن العالم لا يعترف إلا بحقوق الأقوياء والثابتين على الموقف. هذه الإنجازات التي نفخر بها إلى اليوم كانت وليدة العبقرية العسكرية التي جسدها اللواء باقي زكي يوسف ووليدة التصميم الذي جسده الجندي البسيط بتضحياته وثباته، كان الجميع في ذروة الملحمة يدرك أن النصر في المعركة لا يعني نهاية الحرب وأن الهزيمة فيها لن تقود إلى إلقاء السلاح، الجميع يرى المعركة جولة ستتلوها جولات أخرى، الجميع بإستثناء الهرَم السياسي.
لم يتعلم رجل الدولة والقائد الأعلى للقوات المسلة من دروس التاريخ شيئا ولم يدرك بأن الحروب الكبرى قد تدوم مائة عام واكثر وأن كثيرا من الشعوب زرعت الرغبة في إستمرار القتال في أجيالها المتلاحقة من أجل أن لا تضيع ثقافة الصراع وأن لا تتآكل الحقوق بمرور الزمن، فرمى بالبندقية جانبا وإنقاد خلف التفاوض في مرحلة أولى ثم خلف السلام الشامل والتطبيع في مرحلة أخيرة ليرفرف علم الدولة العدو في قلب عاصمة المواجهة، وليتحول الجيش المنتصر وحامل شعلة الأمل إلى حام للحدود ولتصبح مصر بعد سنوات شريكا إقتصاديا وسياسيا لمن كان بالأمس القريب عدوا لا مجال لمحاورته إلا بالرصاص. بعد عقود من ترك السلاح وبنظرة خاطفة على الخارطة العربية سندرك كم كان السلام كارثيا على الأمة وعلى فلسطين، وكم من الحقوق ضاعت في منذ الرصاصة الأخيرة، وسندرك حقيقة أن النكبة الكبرى هي ما تلى نصر أكتوبر ، وأن النكسة لم تكن في واقع الأمر كارثية على الأمة بل لم تكن أكثر من جولة خسرناها لنعود سريعا لساحة المواجهة، حرب 67 لم تكسر إرادة التحرر والإنعتاق بينما تحطمت هذه الإرادة على يد رجل الدولة إثر تجاوز خطوط العدو.
اليوم بعد أربعة عقود لم يعد سلاح الدولة يوجه نحو المحتل، فقد صنع السلام غير العادل أوضاعا جديدة وأنشأ أجيالا لم تنهل من معين الصمود والإرادة ، وتحول الصراع العربي الصهيوني إلى خلاف حدودي وغابت رسائل التهديد والوعيد لتحل محلها رسائل التهاني والمعايدات وفي أفضل الحالات وأشرسها رسائل عتاب على الإنتهاكات المتكررة والمجازر في حق أهلنا في فلسطين.
ليت النصر كان نكسة ثانية تقودنا لمواجهة تلو أخرى في سبيل فلسطين، ليتنا لم ننتصر قبل أن نتعلم أن النصر الكامل يبدأ بالرصاص وبالرصاص ينتهي
سفيان بنحسن كاتب تونسي
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat