العقل و دوره في اكتساب المعرفة
الشيخ ليث عبد الحسين العتابي
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
الشيخ ليث عبد الحسين العتابي

العقل هو أفضل , و أكمل , و أرقى أدوات اكتساب المعرفة التي منحها الله سبحانه و تعالى للإنسان , و هو أفضل مخلوقات عالم الملكوت التي حلت على الأرض , و قد جعله الله سبحانه و تعالى أساسياً في خلقة الإنسان , و هو خاضع لعملية التطور , و الإرتقاء حتى يصل إلى مرحلة الأكتمال , بل و حتى الوصول إلى ( الكمال ) ( Perfect ) .
فالعقل هو السيد , و هو القائد , و هو الموجه , و لولاه لما وصل الإنسان إلى ما وصل إليه من تطور و تقدم و إزدهار , كما و إن إنحطاط الإنسان و خسرانه و تعاسته سببها إغفال دور العقل , و عدم إستثماره بالشكل الصحيح .
و القرآن الكريم يشير إلى المقام السامي للعقل في آيات كثيرة , و كذلك الأحاديث الواردة عن المعصومين ( صلوات الله عليهم ) قد أعطت للعقل نفس المكانة , و فصلت و وضحت الكثير من الأمور المتعلقة بالعقل .
و العقل ـ بما هو أداة معرفية ـ هو المسيطر , و المهيمن , و المتحكم بكل الأدوات المعرفية الآخرى , و هو الموجه لها , و هو الموضح و المبين لفائدتها , بل هو المخترع لكثيرٍ منها , و إن هذه الأدوات لا يمكن إستخدامها و لا يمكن الإستفادة منها بغير العقل , و هنا نذكر بعض الأحاديث المؤيدة لما ذكرنا .
قال رسول الله ( صلى الله عليه و آله و سلم ) : (( قوام المرء عقله , و لا دين لمن لا عقل له )) .
و قال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) : (( العقل مُصلح كل أمرٍ )) .
فكيف نحافظ على هذه ( الثروة ) التي لدينا , و كيف نعززها , و نقويها , و نطورها ؟
في الحقيقة الجواب كل الجواب موجود في أحاديث أهل البيت ( عليهم السلام ) , فالأمام علي ( عليه السلام ) يقول : (( العقل غريزة تزيد بالعلم و التجارب )) .
و نجده ( عليه السلام ) يقول : (( بترك ما لا يعنيك يتم لك العقل )) .
و نجد الأمام الصادق ( عليه السلام ) يقول : (( كثرة النظر في العلم يفتح العقل )) .
فالعقل هو الأداة الأهم في سلسلة أدوات إكتساب المعرفة كونه المسيطر , و المهيمن على باقي الأدوات المعرفية .
لكن لابد من الوقوف عند ملاحظة مهمة جداً , ألا و هي : إننا و بمراجعتنا لكلمات الباحثين , و المفكرين نجد تشويشاً واضحاً في مفهوم العقل لديهم , و إلى ذلك يشير الكاتب ( برهان غليون ) بقوله : ( لعل أكثر المصطلحات تشويشاً اليوم هو مصطلح العقل نفسه الذي نريد أن نستخدمه كأداة رئيسية في أعادة تنظيم ساحتنا الفكرية و العقائدية , و أكثر الناس أنغماساً في هذا التشويش هم المثقفون أنفسهم . للأسف لقد أصبحت كلمة العقل تستخدم بكل المعاني كرديف لكلمة الثقافة أحياناً , و الفكر أحياناً أخرى , و الأثنين معاً , أو ببساطة لكلمة المنطق أحياناً ثالثة , و غالباً ما يكون الهدف من أستخدامها في العديد من الكتابات اليوم إضفاء طابع الجدة و التجديد على أفكار قديمة . و قد أدى هذا التشويش الحاصل في اللغة المفهومية إلى اعاقة التقدم في البحث العلمي , و تعثر التجربة النظرية , و ليس من قبيل الصدفة أن الفكر لم يستطع في العقود الأخيرة أن يكون رديفاً قوياً للتجربة الأجتماعية في التنبيه إلى المشاكل التي كانت تفضي المزيد من التعمق و التدقيق , و بقي من أجل ذلك كله الأعتماد على المعارف و المناهج الغربية التي يطبقها على واقع مختلف , و هذا أبعد ما يكون عن التقدم , أو تحقيق شروطه , بل هو عكس التقدم تماماً ) .
فلابد من رفع هذا اللبس , و هذا التشويش من خلال تحديد المفاهيم التي نعمل عليها , فالإشكال هو إشكال مفهومي بحت , إذ أن أكثر إشكالاتنا هي بسبب ( الأختلاف في المفهوم ) , فلو أستطعنا أن نجد الحل لـ( إشكال المفهوم ) لأستطعنا حل جميع الخلافات , و فض جميع النزاعات , و لقد عبر البعض عن هذا الإشكال و سماه بـ( حرب المفاهيم ) , أو ( حرب المصطلحات ) .
فـ( بقدر ما كانت المفاهيم سبباً في تطور العلم فإنها كانت في أحيان عديدة سبباً في تضليل المجتمعات و تفككها و خراب الدول و أندثارها ... ) .
أما في قضية العقل و التي وقع فيها الخلاف نرى بعض الكتاب يحتج على صدق قضيةٍ ما بقوله ( و هذا ما يراه العقلاء ) , أو ( و هذا مقبول عقلاً ) , و ما شاكلها من عبارات .
فأي عقلٍ هذا الذي يقصدونه في كلامهم ؟ و من هم العقلاء المقصودون ؟ و كيف نحددهم أو كيف نعرفهم ؟
لقد ذكرنا بأن للعقل أكثر من قسم , و أكثر من معنى يختلف و يتعدد بتعدد المراد منه من حيث المورد , و الأستعمال كـ( العقل الشرعي , و العقل الفلسفي , و العقل الإجتماعي , و العقل الخلقي , و العقل النظري , و العقل العملي ) .
أما عن العقلاء فقد ذكر القرآن الكريم صفاتٍ لهم ختمها بـ( أولي الألباب ) و ما يدور في فلكها من ألفاظ , و كذلك قد وضحت الأحاديث المباركة صفات العقلاء .
أما كيف نعرفهم , أي كيف نطبق الصفات , أو كيف نطبق المفاهيم على المصاديق فهذا يأتي من طرق عديدة و التي منها على سبيل المثال : ( المعاشرة , و التجربة , و الشياع , و الأستشارة ) .
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat