صفحة الكاتب : الشيخ ليث عبد الحسين العتابي

المصطلحات مفاتيح العلوم
الشيخ ليث عبد الحسين العتابي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

    إن المصطلحات تعد مفاتيح العلوم , و من أهم الأدوات المعرفية في مجال إيصال المعلومات , فقد قيل إن فهم المصطلحات نصف العلم , لأن المصطلح  هو لفظ يعبر عن مفهوم , و المعرفة ما هي إلا مجموعة من المفاهيم المترابطة و التي تتشكل منها المنظومة المعرفية .
و قد وصل الحال في التأكيد على أهمية المصطلح إلى أن الشبكة العالمية للمصطلحات في فينا بالنمسا  أتخذت شعاراً لها هو : ( لا معرفة بلا مصطلح )  .
و المصطلح هو عبارة عن أختصار , و إجمال لقضية ما مع عنصر الموافقة , و مراعاة السياقات اللغوية , و الوصول للمراد بأدق العبارات , و أقل الكلمات .
و نحن نستخدم المفاهيم التي نعبر عنها بالمصطلحات , و الرموز أساساً لتنظيم الأفكار العلمية , و جميع المعلومات الأخرى  .
و ( المصطلح ) ( Term ) ليس شيء جديداً , أو إنه مختص بالغرب , أو جاء منهم , إنما هو شيء موجود بالتراث الإسلامي , فإن كلمتي ( مصطلح ) , و ( إصطلاح ) مترادفتان في اللغة العربية , و هما مشتقتان من ( إصطلح ) , و جذره ( صلح ) بمعنى ( أتفق ) , لأن المصطلح , أو الأصطلاح يدل على أتفاق أصحاب تخصص ما على إستخدامه للتعبير عن مفهوم محدد .
و عند رجوعنا لكتب التراث العربي نجد أن لمفهوم ( مصطلح ) , و ( إصطلاح ) أستخدام   ينم عن أهتمام بهذا المفهوم بشكل خاص .
فنجد أن الجاحظ  ( ت 255 هـ ) يقول : (( و هم تخيروا تلك الألفاظ لتلك المعاني , و هم اشتقوا لها من كلام العرب تلك الأسماء , و هم اصطلحوا على تسمية ما لم يكن له في لغة العرب اسم , فصاروا في ذلك سلفاً لكل خلف , و قدوة لكل تابع ))  .
كما و نجد الخوارزمي  ( ت 380 هـ ) يقول في وصفه لكتابه مفاتيح العلوم : إنه جعله (( جامعاً لمفاتيح العلوم و أوائل الصناعات , مضمناً ما بين كل طبقة من العلماء من الموضوعات و الاصطلاحات ))  .
و نجد أبن فارس ( ت 395 هـ ) يقول : (( حتى لا يكون شيء منه مصطلحاً عليه ... ))  .
كما و نجد التهانوي  ( ت 1158 هـ ) صاحب كتاب كشاف اصطلاحات الفنون يقول : (( ... فإن لكل علم اصطلاحاً خاصاً به ... ))  .
أما القلقشندي المتوفى سنة ( 821 هـ ) فيقول في كتابه ( صبح الأعشى ) : ( على أن معرفة المصطلح هي الللازم المحتم , و المهم المقدم , لعموم الحاجة إليه , و إقتصار القاصر عليه ... )  .
و نجد كتب و مؤلفات أعتنت بذلك و ذكرته كـ( كتاب التعريف بالمصطلح الشريف ) للقاضي أبن فضل الله العمري ( ت 749 هـ ) , و كتاب ( بلغة الغريب في مصطلح آثار الحبيب ) للشيخ محمد مرتضى الزبيدي ( ت 1205 هـ ) .
و يقول ( الجرجاني ) في تعريفه للاصطلاح : (( عبارة عن اتفاق قوم على تسمية الشيء باسم ما يُنقل عن موضعه الأول , و إخراج اللفظ من معنى لغوي إلى آخر لمناسبة بينهما .
و قيل : الاصطلاح : اتفاق طائفة على وضع اللفظ بازاء المعنى .
و قيل : الاصطلاح : إخراج الشيء عن معنى لغوي إلى آخر , لبيان المراد .
و قيل : الاصطلاح : لفظ معين بين قوم معينين ))  .
و عرفه أبو البقاء الكفوي المتوفى ( 1094 هـ ) في كتابه ( الكليات ) : ( الأصطلاح هو أتفاق القوم على وضع الشيء , و قيل : إخراج الشيء عن المعنى اللغوي إلى معنى آخر لبيان المراد )  .
و عرفه مرتضى الزبيدي المتوفى ( 1205 هـ ) في معجمه ( تاج العروس ) : ( إتفاق طائفة مخصوصة على أمر مخصوص )  .
و المستفاد من كل ما تقدم وجود الاصطلاح , و المصطلح في التراث العربي و الإسلامي , و أن هناك كتب عديدة ألفت حوله , و بحثت فيه , و أشارت أليه .
أما في الدراسات العربية الحديثة فتستخدم عدة مترادفات للدلالة على دراسة المصطلحات , و توثيقها , مثل : المصطلحية , و علم المصطلح , و علم الأصطلاح , و علم المصطلحات , و المصطلحاتية .
و أما في الدراسات الغربية نجد أنها تفرق بين فرعين من هذه الدراسة :
الأول : ( Terminology / Terminologie  ) و هو العلم الذي يبحث في العلاقة بين المفاهيم العلمية و المصطلحات اللغوية .
و الثاني : ( Terminography  / Terminorgaphie  ) و هو العمل الذي ينصب على توثيق المصطلحات , و توثيق مصادرها , و المعلومات المتعلقة بها , و نشرها في شكل معاجم مختصة إلكترونية , أو ورقية . و الراجح أن المعجمي و المصطلحي و القاموسي الفرنسي ( آلان راي )  ( Alain Rey ) هو في مقدمة الذين أشاروا إلى هذا الفرق , و من الذين أكدوه  .
إن العالم يشهد تطوراً هائلاً في كل جوانب الحياة , خصوصاً مع زيادة الطلب على الحاجات , و كثرة المتطلبات , و بالتالي ظهور الكثير من الكلمات , و المستجدات , و المستحدثات التي تملاء حياة الإنسان , و التي تزداد يوماً بعد يوم مع زيادة المتطلبات . و إن هذه المتطلبات , و المستجدات تحتاج إلى أسماء تكون قوالب لها , و علامات تدل عليها , لو أردنا التطرق لها , أو ذكرها , فلا يمكن أن نأتي بشيء يكون خارجاً عن اللغة , فإن الجهة المسئولة عن وضع القوالب لتلك المستجدات و العلامات هي ( اللغة ) , كونها أشبه بالخلايا الدفاعية التي تستجيب لكل طارئ , و بالتالي إما أن تتقبل , أو ترفض هذا الطارئ بحسب مقتضى الحال . لذا فما على اللغة إلا أن تضع القالب المناسب لذلك ( المستجد ) ( Newcomer ) بما يتوافق مع خصوصياتها , و قواعدها , و بما يتلاءم مع الذوق السليم , و الحاجة الحقيقية .
إن التطور العلمي و التقني سريع جداً , بل إن سرعته هائلة أدت إلى صعوبةٍ في مواكبة المستجدات , و توفير المصطلحات الملائمة لها لتغطي الحاجة المعرفية لدى الإنسان .
فما كان من اللغات إلا أن تلجئ إلى ( الإستحداث ) (Development  ) بما يلائم  شكل , أو عمل ذلك ( الوافد الجديد ) , أو قد تلجئ للتركيب منه و من شيء معلوم قريب منه , أو قد تلجئ إلى الأشتراك اللفظي المحفوف بالقرينة الصارفة .
و من جراء كل ذلك و ما يحيط به , و من تداعياته , و إلتباساته , و ما أحاطت به من مشاكل , و تسأولات نشأ ( علم المصطلح ) ( Terminology )  فهو يعتبر من العلوم الحديثة التي ظهرت في القرن العشرين , هدفه تحقيق المطلوب منه , و ذلك من خلال مواكبة التطور العلمي و التقني الذي يشهده العالم , و من أجل تحقيق الفهم الصحيح لكل وافدٍ جديد بما يلائم اللغة , و الحاجة , و فهم المتلقي .
و قد عرفوا ( علم المصطلح ) بإنه : ( حقل المعرفة الذي يعالج تكوين التصورات , و تسميتها سواء في موضوع حقل خاص , أو في جملة حقول المواضيع )  .
أو هو : ( العلم الذي يبحث في العلاقة بين المفاهيم العلمية , و الألفاظ اللغوية التي تعبر عنها )  .
و من البداهة أن يتسبب التطور الهائل بظهور مفاهيم و كلمات جديدة ليس لها ما يقابلها في اللغة  , مما أدى بالمعنيين و المختصين باللغة إلى وضع ألفاظ تتلائم مع المفاهيم الجديدة , و هم عادةً يلتمسون ذلك من ألفاظ لغتهم حتى لا تخرج من دائرتها , و أن تكون قريبة إلى فهم أبنائها , و في سبيل إغناء تلك اللغة , و لجعلها تملك المرونة اللازمة لمواكبة التطور .
لقد أصبح ( المصطلح ) أداة ربط , و وسيلة تفاهم بين الأمم , فهو اللغة المشتركة التي تجمع بين الكل , و هو نموذج على حيوية اللغة في تحقيق خاصية التواصل , خصوصاً أن الحاجة إلى المصطلح لا تنتهي , و دائرته لا يمكن إغلاقها , و مجالاته كثيرة لا يمكن الوقوف عند حدودها , كونه علم متجدد غايته , و هدفه مواكبة كل جديد لإنه مرتبط بالمعرفة الإنسانية الدائمة النمو , و متصل بالغريزة الإنسانية التي تسعى لمعرفة الأشياء , و وضع الأسماء لها .
إن تأسيس ( المجامع اللغوية )  كان من أجل وضع المصطلحات العلمية التي تفتقر إليها اللغة العربية , و دراسة المصطلحات الوافدة و الجديدة و إبداء الرأي فيها .
تُجري المجامع اللغوية في العواصم العربية أبحاثاً في أسس وضع المصطلحات العلمية و التقنية في اللغة العربية , و في عام ( 1969 م ) أناطت ( جامعة الدول العربية ) مهمة تنسيق المصطلحات في الوطن العربي بـ( مكتب تنسيق التعريب بالرباط ) الذي شجع الأبحاث اللغوية , و المعجمية , و الدراسات المتعلقة بمشكلات المصطلحات العلمية , و التقنية باللغة العربية , و نشر عدداً غفيراً منها في مجلته ( اللسان العربي ) التي صدر عددها السادس و الخمسون عام ( 2003 م ) ... و من المؤسسات العربية التي تنشط في البحث المعجمي , و المصطلحي ( جمعية المعجمية العربية بتونس ) ... و في المغرب توجد ( الجمعية المغربية للدراسات المعجمية ) التي تنظم ندوات حول قضايا المعجم العربي , و تصدر مجلة ( الدراسات المعجمية ) التي ظهر عددها الخامس في يناير ( 2006 م ) ... و من الجمعيات المتخصصة في المصطلح العلمي العربي ( الجمعية المصرية لتعريب العلوم )  .
و عند تناولنا لمصطلحٍ ما في أي لغة كانت لابد أن نعلم أن لكل لغة عائلة تنتمي لها , فهناك اللغات القريبة , و هناك البعيدة , كما و إن لكل عائلة لغوية خصائص معينة تختلف فيها عن غيرها من اللغات , و بالتالي إن المقارنة و الأخذ من لغتين متباعدتين أصعب من الأخذ بين لغتين تنتميان إلى عائلة لغوية واحدة , فاللغة العربية مثلاً تأخذ أكثر مصطلحاتها عن اللغة الإنكليزية , و الفرنسية و اللتان تنتميان إلى عائلة ( الهندو أوربية ) و التي بينها و بين اللغة العربية هوة كبيرة , كون اللغة العربية من اللغات ( السامية ) التي تعتمد على الأشتقاق بعكس اللغات ( الهندو أوربية ) التي تعتمد صفة ( الإلصاق )  .
كذلك فإن هنالك منهجية معينة لوضع المصطلح فلابد أن يكون الوضع وفق معايير , و مقاييس معمول بها ( محلية ) , أو ( دولية ) , و هنا يتدخل المزاج , و الأنتماء , و العوامل النفسية في كثيرٍ من الأحيان و التي تؤدي إلى تحول مؤسسات و مجامع اللغة من أختصاصها إلى أختصاص آخر ألا و هو : تحولها إلى مجامع للنقد و إثارة السلبيات على كل ما يقع بين أيديها , بل أن النظرة ( القطرية ) , و ( المذهبية ) , و ( القومية ) أدت إلى رفض الأطلاع على ما وضعه الغير ـ حتى من أبناء جلتدهم ـ في عالم ( المعرفة ) , و في علم ( المصطلح ) , كل ذلك وفق أسلوب إقصائي مغطى بغطاء معرفي .
أما عن قضية وضع المصطلح فنقول : أن وضع المصطلح و تحديد معناه ليس أمراً سهلاً يستطيع أي شخص القيام به , إذ لابد لمن يريد القيام بعملية ( الإصطلاح ) أن يكون واسع الثقافة , متخصصاً في أحد فروع المعرفة , ملماً بدقائق تخصصه , عالماً بكل خفايا لغته .
لكن السؤال هنا : هل إن ( المصطلح ) وليد مهارة التخيل و الأبداع عند واضعه ؟ أم لابد من موافقته لشروط لغوية معينة ؟
في الحقيقة إنهم في ذلك قد إنقسموا إلى قسمين لكل قسم مؤيدون يقولون به و يدافعون عنه , و يستجلبون المؤيدات له , لكن و بما أننا جعلنا اللغة هي المعيار , و تكلمنا عن أهميتها , و مدخليتها في المقام , فلابد للمصطلح من أن يخضع في فترة ولادته لشروط لغوية معينة تؤدي إلى إختياره دون غيره .
و عن أنواع المصطلح نقول : أن للمصطلح و بحسب آليات الصياغة أنواع عديدة منها : ( المصطلح المشتق ) , و ( المصطلح المجازي ) , و ( المصطلح الأحيائي ) , و ( المصطلح المعّرب ) , و ( المصطلح المنحوت ) , و على من يريد أن يتعرف عليها بشكل أكثر شمولاً و أستيعاباً مراجعة الكتب المختصة بذلك  .






 


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


الشيخ ليث عبد الحسين العتابي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2015/10/02



كتابة تعليق لموضوع : المصطلحات مفاتيح العلوم
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net