إن المصطلحات تعد مفاتيح العلوم , و من أهم الأدوات المعرفية في مجال إيصال المعلومات , فقد قيل إن فهم المصطلحات نصف العلم , لأن المصطلح هو لفظ يعبر عن مفهوم , و المعرفة ما هي إلا مجموعة من المفاهيم المترابطة و التي تتشكل منها المنظومة المعرفية .
و قد وصل الحال في التأكيد على أهمية المصطلح إلى أن الشبكة العالمية للمصطلحات في فينا بالنمسا أتخذت شعاراً لها هو : ( لا معرفة بلا مصطلح ) .
و المصطلح هو عبارة عن أختصار , و إجمال لقضية ما مع عنصر الموافقة , و مراعاة السياقات اللغوية , و الوصول للمراد بأدق العبارات , و أقل الكلمات .
و نحن نستخدم المفاهيم التي نعبر عنها بالمصطلحات , و الرموز أساساً لتنظيم الأفكار العلمية , و جميع المعلومات الأخرى .
و ( المصطلح ) ( Term ) ليس شيء جديداً , أو إنه مختص بالغرب , أو جاء منهم , إنما هو شيء موجود بالتراث الإسلامي , فإن كلمتي ( مصطلح ) , و ( إصطلاح ) مترادفتان في اللغة العربية , و هما مشتقتان من ( إصطلح ) , و جذره ( صلح ) بمعنى ( أتفق ) , لأن المصطلح , أو الأصطلاح يدل على أتفاق أصحاب تخصص ما على إستخدامه للتعبير عن مفهوم محدد .
و عند رجوعنا لكتب التراث العربي نجد أن لمفهوم ( مصطلح ) , و ( إصطلاح ) أستخدام ينم عن أهتمام بهذا المفهوم بشكل خاص .
فنجد أن الجاحظ ( ت 255 هـ ) يقول : (( و هم تخيروا تلك الألفاظ لتلك المعاني , و هم اشتقوا لها من كلام العرب تلك الأسماء , و هم اصطلحوا على تسمية ما لم يكن له في لغة العرب اسم , فصاروا في ذلك سلفاً لكل خلف , و قدوة لكل تابع )) .
كما و نجد الخوارزمي ( ت 380 هـ ) يقول في وصفه لكتابه مفاتيح العلوم : إنه جعله (( جامعاً لمفاتيح العلوم و أوائل الصناعات , مضمناً ما بين كل طبقة من العلماء من الموضوعات و الاصطلاحات )) .
و نجد أبن فارس ( ت 395 هـ ) يقول : (( حتى لا يكون شيء منه مصطلحاً عليه ... )) .
كما و نجد التهانوي ( ت 1158 هـ ) صاحب كتاب كشاف اصطلاحات الفنون يقول : (( ... فإن لكل علم اصطلاحاً خاصاً به ... )) .
أما القلقشندي المتوفى سنة ( 821 هـ ) فيقول في كتابه ( صبح الأعشى ) : ( على أن معرفة المصطلح هي الللازم المحتم , و المهم المقدم , لعموم الحاجة إليه , و إقتصار القاصر عليه ... ) .
و نجد كتب و مؤلفات أعتنت بذلك و ذكرته كـ( كتاب التعريف بالمصطلح الشريف ) للقاضي أبن فضل الله العمري ( ت 749 هـ ) , و كتاب ( بلغة الغريب في مصطلح آثار الحبيب ) للشيخ محمد مرتضى الزبيدي ( ت 1205 هـ ) .
و يقول ( الجرجاني ) في تعريفه للاصطلاح : (( عبارة عن اتفاق قوم على تسمية الشيء باسم ما يُنقل عن موضعه الأول , و إخراج اللفظ من معنى لغوي إلى آخر لمناسبة بينهما .
و قيل : الاصطلاح : اتفاق طائفة على وضع اللفظ بازاء المعنى .
و قيل : الاصطلاح : إخراج الشيء عن معنى لغوي إلى آخر , لبيان المراد .
و قيل : الاصطلاح : لفظ معين بين قوم معينين )) .
و عرفه أبو البقاء الكفوي المتوفى ( 1094 هـ ) في كتابه ( الكليات ) : ( الأصطلاح هو أتفاق القوم على وضع الشيء , و قيل : إخراج الشيء عن المعنى اللغوي إلى معنى آخر لبيان المراد ) .
و عرفه مرتضى الزبيدي المتوفى ( 1205 هـ ) في معجمه ( تاج العروس ) : ( إتفاق طائفة مخصوصة على أمر مخصوص ) .
و المستفاد من كل ما تقدم وجود الاصطلاح , و المصطلح في التراث العربي و الإسلامي , و أن هناك كتب عديدة ألفت حوله , و بحثت فيه , و أشارت أليه .
أما في الدراسات العربية الحديثة فتستخدم عدة مترادفات للدلالة على دراسة المصطلحات , و توثيقها , مثل : المصطلحية , و علم المصطلح , و علم الأصطلاح , و علم المصطلحات , و المصطلحاتية .
و أما في الدراسات الغربية نجد أنها تفرق بين فرعين من هذه الدراسة :
الأول : ( Terminology / Terminologie ) و هو العلم الذي يبحث في العلاقة بين المفاهيم العلمية و المصطلحات اللغوية .
و الثاني : ( Terminography / Terminorgaphie ) و هو العمل الذي ينصب على توثيق المصطلحات , و توثيق مصادرها , و المعلومات المتعلقة بها , و نشرها في شكل معاجم مختصة إلكترونية , أو ورقية . و الراجح أن المعجمي و المصطلحي و القاموسي الفرنسي ( آلان راي ) ( Alain Rey ) هو في مقدمة الذين أشاروا إلى هذا الفرق , و من الذين أكدوه .
إن العالم يشهد تطوراً هائلاً في كل جوانب الحياة , خصوصاً مع زيادة الطلب على الحاجات , و كثرة المتطلبات , و بالتالي ظهور الكثير من الكلمات , و المستجدات , و المستحدثات التي تملاء حياة الإنسان , و التي تزداد يوماً بعد يوم مع زيادة المتطلبات . و إن هذه المتطلبات , و المستجدات تحتاج إلى أسماء تكون قوالب لها , و علامات تدل عليها , لو أردنا التطرق لها , أو ذكرها , فلا يمكن أن نأتي بشيء يكون خارجاً عن اللغة , فإن الجهة المسئولة عن وضع القوالب لتلك المستجدات و العلامات هي ( اللغة ) , كونها أشبه بالخلايا الدفاعية التي تستجيب لكل طارئ , و بالتالي إما أن تتقبل , أو ترفض هذا الطارئ بحسب مقتضى الحال . لذا فما على اللغة إلا أن تضع القالب المناسب لذلك ( المستجد ) ( Newcomer ) بما يتوافق مع خصوصياتها , و قواعدها , و بما يتلاءم مع الذوق السليم , و الحاجة الحقيقية .
إن التطور العلمي و التقني سريع جداً , بل إن سرعته هائلة أدت إلى صعوبةٍ في مواكبة المستجدات , و توفير المصطلحات الملائمة لها لتغطي الحاجة المعرفية لدى الإنسان .
فما كان من اللغات إلا أن تلجئ إلى ( الإستحداث ) (Development ) بما يلائم شكل , أو عمل ذلك ( الوافد الجديد ) , أو قد تلجئ للتركيب منه و من شيء معلوم قريب منه , أو قد تلجئ إلى الأشتراك اللفظي المحفوف بالقرينة الصارفة .
و من جراء كل ذلك و ما يحيط به , و من تداعياته , و إلتباساته , و ما أحاطت به من مشاكل , و تسأولات نشأ ( علم المصطلح ) ( Terminology ) فهو يعتبر من العلوم الحديثة التي ظهرت في القرن العشرين , هدفه تحقيق المطلوب منه , و ذلك من خلال مواكبة التطور العلمي و التقني الذي يشهده العالم , و من أجل تحقيق الفهم الصحيح لكل وافدٍ جديد بما يلائم اللغة , و الحاجة , و فهم المتلقي .
و قد عرفوا ( علم المصطلح ) بإنه : ( حقل المعرفة الذي يعالج تكوين التصورات , و تسميتها سواء في موضوع حقل خاص , أو في جملة حقول المواضيع ) .
أو هو : ( العلم الذي يبحث في العلاقة بين المفاهيم العلمية , و الألفاظ اللغوية التي تعبر عنها ) .
و من البداهة أن يتسبب التطور الهائل بظهور مفاهيم و كلمات جديدة ليس لها ما يقابلها في اللغة , مما أدى بالمعنيين و المختصين باللغة إلى وضع ألفاظ تتلائم مع المفاهيم الجديدة , و هم عادةً يلتمسون ذلك من ألفاظ لغتهم حتى لا تخرج من دائرتها , و أن تكون قريبة إلى فهم أبنائها , و في سبيل إغناء تلك اللغة , و لجعلها تملك المرونة اللازمة لمواكبة التطور .
لقد أصبح ( المصطلح ) أداة ربط , و وسيلة تفاهم بين الأمم , فهو اللغة المشتركة التي تجمع بين الكل , و هو نموذج على حيوية اللغة في تحقيق خاصية التواصل , خصوصاً أن الحاجة إلى المصطلح لا تنتهي , و دائرته لا يمكن إغلاقها , و مجالاته كثيرة لا يمكن الوقوف عند حدودها , كونه علم متجدد غايته , و هدفه مواكبة كل جديد لإنه مرتبط بالمعرفة الإنسانية الدائمة النمو , و متصل بالغريزة الإنسانية التي تسعى لمعرفة الأشياء , و وضع الأسماء لها .
إن تأسيس ( المجامع اللغوية ) كان من أجل وضع المصطلحات العلمية التي تفتقر إليها اللغة العربية , و دراسة المصطلحات الوافدة و الجديدة و إبداء الرأي فيها .
تُجري المجامع اللغوية في العواصم العربية أبحاثاً في أسس وضع المصطلحات العلمية و التقنية في اللغة العربية , و في عام ( 1969 م ) أناطت ( جامعة الدول العربية ) مهمة تنسيق المصطلحات في الوطن العربي بـ( مكتب تنسيق التعريب بالرباط ) الذي شجع الأبحاث اللغوية , و المعجمية , و الدراسات المتعلقة بمشكلات المصطلحات العلمية , و التقنية باللغة العربية , و نشر عدداً غفيراً منها في مجلته ( اللسان العربي ) التي صدر عددها السادس و الخمسون عام ( 2003 م ) ... و من المؤسسات العربية التي تنشط في البحث المعجمي , و المصطلحي ( جمعية المعجمية العربية بتونس ) ... و في المغرب توجد ( الجمعية المغربية للدراسات المعجمية ) التي تنظم ندوات حول قضايا المعجم العربي , و تصدر مجلة ( الدراسات المعجمية ) التي ظهر عددها الخامس في يناير ( 2006 م ) ... و من الجمعيات المتخصصة في المصطلح العلمي العربي ( الجمعية المصرية لتعريب العلوم ) .
و عند تناولنا لمصطلحٍ ما في أي لغة كانت لابد أن نعلم أن لكل لغة عائلة تنتمي لها , فهناك اللغات القريبة , و هناك البعيدة , كما و إن لكل عائلة لغوية خصائص معينة تختلف فيها عن غيرها من اللغات , و بالتالي إن المقارنة و الأخذ من لغتين متباعدتين أصعب من الأخذ بين لغتين تنتميان إلى عائلة لغوية واحدة , فاللغة العربية مثلاً تأخذ أكثر مصطلحاتها عن اللغة الإنكليزية , و الفرنسية و اللتان تنتميان إلى عائلة ( الهندو أوربية ) و التي بينها و بين اللغة العربية هوة كبيرة , كون اللغة العربية من اللغات ( السامية ) التي تعتمد على الأشتقاق بعكس اللغات ( الهندو أوربية ) التي تعتمد صفة ( الإلصاق ) .
كذلك فإن هنالك منهجية معينة لوضع المصطلح فلابد أن يكون الوضع وفق معايير , و مقاييس معمول بها ( محلية ) , أو ( دولية ) , و هنا يتدخل المزاج , و الأنتماء , و العوامل النفسية في كثيرٍ من الأحيان و التي تؤدي إلى تحول مؤسسات و مجامع اللغة من أختصاصها إلى أختصاص آخر ألا و هو : تحولها إلى مجامع للنقد و إثارة السلبيات على كل ما يقع بين أيديها , بل أن النظرة ( القطرية ) , و ( المذهبية ) , و ( القومية ) أدت إلى رفض الأطلاع على ما وضعه الغير ـ حتى من أبناء جلتدهم ـ في عالم ( المعرفة ) , و في علم ( المصطلح ) , كل ذلك وفق أسلوب إقصائي مغطى بغطاء معرفي .
أما عن قضية وضع المصطلح فنقول : أن وضع المصطلح و تحديد معناه ليس أمراً سهلاً يستطيع أي شخص القيام به , إذ لابد لمن يريد القيام بعملية ( الإصطلاح ) أن يكون واسع الثقافة , متخصصاً في أحد فروع المعرفة , ملماً بدقائق تخصصه , عالماً بكل خفايا لغته .
لكن السؤال هنا : هل إن ( المصطلح ) وليد مهارة التخيل و الأبداع عند واضعه ؟ أم لابد من موافقته لشروط لغوية معينة ؟
في الحقيقة إنهم في ذلك قد إنقسموا إلى قسمين لكل قسم مؤيدون يقولون به و يدافعون عنه , و يستجلبون المؤيدات له , لكن و بما أننا جعلنا اللغة هي المعيار , و تكلمنا عن أهميتها , و مدخليتها في المقام , فلابد للمصطلح من أن يخضع في فترة ولادته لشروط لغوية معينة تؤدي إلى إختياره دون غيره .
و عن أنواع المصطلح نقول : أن للمصطلح و بحسب آليات الصياغة أنواع عديدة منها : ( المصطلح المشتق ) , و ( المصطلح المجازي ) , و ( المصطلح الأحيائي ) , و ( المصطلح المعّرب ) , و ( المصطلح المنحوت ) , و على من يريد أن يتعرف عليها بشكل أكثر شمولاً و أستيعاباً مراجعة الكتب المختصة بذلك .
|