" يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ " الأعراف (31) -
أمرنا الله أن نتزين والتزين هو التجمل والتجمل هو اصلاح المظهر وإصلاح الجوهر , الاعتناء بالهندام و نظافة الجسد وتهذيب الشعر والاعتناء بلباس الروح وهو التقوى وتهذيب الأخلاق وتنظيف القلب
والمتأمل بالمخاطب هنا يجد أمر غريب للوهلة الأولى للأسف مر عليه المفسرون دون انتباه فالمخاطب هنا المفروض ان يكون المؤمنون أو المسلمون باعتبارهم هم الذين يقصدون المسجد , لكن المخاطب هنا هم جميع البشر بمختلف مللهم وأديانهم , قد يقول البعض لأن الخطاب مشترك بين المسلمين وغيرهم في أمر عدم الاسراف في الأكل والشرب
أجمع المفسرون على أن المراد بالزينة ههنا لبس الثوب الذي يستر العورة، روي عن الحسن بن علي (ع) كان إذا قام إلى الصلاة لبس أجود ثيابه فقيل له يا ابن رسول الله لم تلبس أجود ثيابك فقال: إن الله جميل يحبُّ الجمال فأتجمَّل لربي وهو يقول خذوا زينتكم عند كل مسجد فأحب أن ألبس أجود ثيابي
والزينة بذلك هي التجمل وارتداء الحسن من الثياب كما يقتضي العرف والعادة البشرية وليس لها علاقة بالاكتفاء بستر العورة فقط كما يقول الفقهاء يقول تعالى : " إِنَّا زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِزِينَةٍ الْكَوَاكِبِ " الصافات (6) -
ولذلك كان التعبير القرآني عن يوم العيد ويوم المناسبات السعيدة ويوم احتفال المجتمع بيوم الزينة : " قَالَ مَوْعِدُكُمْ يَوْمُ الزِّينَةِ وَأَن يُحْشَرَ النَّاسُ ضُحًى طه (59) -
وبالتالي هي ترجمة سلوكية للسعادة بأداء العبادة , أنا أظهر رحي بهذه المناسب المهمة التي أتشرف فيها بمقابلة الله عز وجل دون واسطة ولا بروتوكولات ولا تحديد موعد مسبق ولا تقديم طلب رسمي ولا انتظار أيام وشهور
لكن السؤال الذي يطرح نفسه دون أن يجد اجابة من طرف المفسرين :
لماذا ربط الله التزين عند الذهاب للمسجد بالأكل والشرب دون اسراف ؟
وهنا لطيفة رائعة , وكأن المقابل الذي يطلبه الله منا بعد أن تكرم بمقابلتنا واستعدادنا لهذه المقابلة بالتزين والتجمل لها هو أن لا نسرف في الأكل والشرب
تخيل نفسك أمام ملك أو رئيس دولتك وقد حظيت بشرف مقابلته والحديث معه وبعد انقضاء المقابلة وحلول موعد مغادرتك وأنت تستعد للانصراف , تقول له بأدب ولطف هل تأمرني سيادتكم الكريمة بأي شيء قبل الذهاب ؟
فيجيبك نعم , تشعر بسعادة عارمة ولذ كبيرة , معنى هذا أنك تركت عند مقابلته الانطباع الجيد عنك , هو راض عنك لذلك حين طلبت منه أن تنفذ له أي أمر رد بالايجاب , رغم أنك في نفسك تعلم أن الملك غير محتاج لك ولا لمليون شخص مثلك
فتقول له : فيماذا أخدمك ؟
فيجيبك : لا تسرف ,أنا لا أحب المسرفين
هو لم يطلب شيء له , بل طلب منك اليك وربط طلبه بالحب , وان كان العقل هو مناط التكليف فالحب هو مناط التنفيذ , ان المحب يسارع لتنفيذ أوامر حبيبه , والعمل الذي لا تحبه لا تقوم به وان قمت به دون حب جاء باردا شاحبا باهتا ولم يتقبل منه والذي ذاق قلبه الحب هو الذي يتقي غضب حبيبه ويسارع لرضاه : " وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَانًا فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الْآخَرِ قَالَ لَأَقْتُلَنَّكَ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ المائدة (27) -
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat