اللبنة الواحدة والاربعون : الأمية الحضارية
بوقفة رؤوف

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
وعاء الحضارة القلب والقلوب ثلاثة , قلب حي وقلب أمي وقلب ميت , أما القلب الحي فهو قلب الانسان المتكامل , قلب الرسالي الحضاري والقلب الأمي هو اما تجده قلب نائم لا يضيف للحياة شيء أو أنه تائه يتخبط خبط عشواء حينا يبني وحينا يهدم وبناؤه وتهديمه على غير بينة وعلم أما القلب الميت فهو قلب مادي يستزف حياة الانسانية بالفساد وسفك الدم
القلب الحي هو بيت الله في الانسان من رزق به فقد رزق الجنة في الحياة الدنيا فالله محبة كما روي عن السيد المسيح فالعبد الذي يحب الرب ويجعل من قلبه جنته ومعبده يبادله الله الحب ويجعل جنة الخلد من نصيبه
والحب ليس تمني , مجرد شعور لذيذ فقط , فالحب الذي لا يكون محرك للقلب جاعلا منه صانع حياة يحول القلب الى قلب حي مصنع متحرك يحي العظام الرميمة من القلوب الأمية التائهة أو النائمة
القلب الحي هو منبع الانسان المتكامل الذي يسعى الى الكمال في حدود انسانيته وبالتالي فكل قلب حي تجده قد اتصف بثلاث صفات مجتمعة معا وهي الايمان والعمل الصالح في اطار عمل جماعي منظم في شكل فريق مترابط متكامل يشد أزر بعضه البعض فيتذكروا معا ويصبروا معا ﴿وَالْعَصْرِ (1) إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ (2) إِلَّا الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ (3) ﴾ على رؤيتهم ورسالتهم وهدفهم الذي هو تجسيد التكريم الرباني للإنسانية بانتشالها من التيه وحثها على الاستيقاظ حتى تتحرر من براثن الحضارة المادية ومن أسر القلوب الميتة التي تبرمجها للفساد وسفك الدماء وتأمرها بالفحشاء والظلم
القلب الميت هو قلب الشيطان سواء كان شيطان الجن أو شيطان الانس , قلب قد ختم عليه فلا يرى الخير ولا يسعى الى خير ولا يأمر الا بالفساد وسفك الدم سواء كان ذلك باسم الحرية او الحداثة او الدين او القبيلة أو غير ذك من تلبيسات ابليس حيث يزين الباطل ويلبسه ثوب الحق ويشوه الحق ويلبسه لباس الباطل , لكن المعيار الفيصل الذي به يفرق القلب بين الحق والباطل أو الخير والشر هو العدل والظلم فكل فعل يؤدي الى ظلم الانسان فهو باطل وشر وكل فعل يؤدي الى العدل فهو خير وحق
والقلب الأمي هو قلوب أغلبية البشر التي يغلب عليها الأمية الحضارية :
﴿ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَشْكُرُونَ ﴾ البقرة- 2-43
﴿ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ ﴾ الأعراف-187
﴿ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يُؤْمِنُونَ ﴾ هود-17
وهذه القلوب تحتاج لتبليغ وتذكير ولهذا نزلت الرسالة لأجل قيام الخلافة حتى يتحقق الانسان المتكامل والخلافة لا تؤسس الا بالايمان والعلم والشكر الجمعي الذي تقوم به الحضارة الرسالية
ومن العبث والجهل بل عين المؤامرة أن نصنف قطاعات البشر أصحاب القلوب الجاهلة على أنها مجرمة في حق البشرية وبالتالي يجب محاربتها والقصاص منها في اطار سنة التدافع بين الخير والشر أو الحق والباطل ثم تبدأ المزايدة في هذه القضية في صور متعددة ففي المرة الأولى أصحاب القلوب الجاهلة هي كل أصحاب الأديان غير الاسلام المحاربة ثم أصحاب الأديان سواء كانوا محاربين او مسالمين ثم توسع دائرة الجهل لتصبح تحتوي على الفرق المسلمة تكفر بعضها البعض وفي نفس الوقت تكفر نفسها ( ما حدث في الجزائر وقت التسعينات من القرن الماضي ثم القاعدة فداعش )
وهذه الدورة تتكرر وتعاد بعد اختراق الحضارة المادية للدين , فما جرى للاسلام الرسالي هو ما جرى للمسيحية الرسالية ولليهوية الرسالية ولكل دين سماوي أو دعوة انسانية رسالية , حيث انه بعد أن تحاربها الحضارة المادية جاهدة القضاء عليها وحين تفشل في ابادتها تحاول احتوائها ثم يتم اختراقها من الداخل ليتم تحريفها أو تأويل رسالتها وجعلها تنحرف عن خطها الحضاري , فالقوة التي لا تستطيع القضاء عليها من الخارج يجب التسلل اليها من الداخل والسيطرة عليها لتصبح انت الموجه لها والمتحكم فيها لما يخم اهدافك ومصالحك وبذلك تحول الدين المسيحي الى دين مادي وكذلك تحولة الديانة اليهودية الى ديانة مادية و قد أصبح المسلمون كذلك يخدمون المادة بالفساد وسفك الدم بدل العدل , بعد ان اخترق القلب الميت للمنظومة الاسلامية وجعلها تشرعن الفساد والقتل والظلم باسم الله اما باختراع أحاديث أو تأويل ايات القران ...
والمستفيد من كل هذا هو القلب الميت , لأن القلوب الجاهلة في نظر القلب الميت مجرد جنود لا يمكن افناؤها بضربة واحدة ومن السنن الاجتماعية أن يسقط دوما بعض الجنود في الحروب حتى ولو كان ذلك بالملايين من القتلى وبالتالي هي دوما ضريبة الصراع لا بد من وجوده وهذه هي عقيدة الحضارة المادية التي تعتقد أن البشرية مجرد خادمة لشياطين الجن ومن تبعهم من شياطين الانس ولا بأس باستغلالها واستبعادها والعمل على تفكيك وظيفتها الحضارية باشاعة القتل والفساد وتشويه الفطرة وتدمير القيم الانسانية , لجعل البشرية مجرد مسوخ تائهة حائرة بين البهيمية والآلية في دائرة المادية
لذلك لا يوجد صراع أديان ولا صراع قيم ولا صراع سياسي , هذه الصراعات الموجودة والتي تسوق لنا هي مجرد غطاء شكلي كمحاولة لحجب الصراع الحقيقي , القائم بين القلوب الحية والقلوب الميتة والذي ساحته القلوب الجاهلة
تدافع بين الانسان المتكامل والانسان الشيطان من أجل الانسانية الحائرة الهائمة التائهة ,فالانسان المتكامل يريد أن ياخذ بيدها ليقيم لها خلافة راشدة قائمة على العدل والحب والحرية , بينما يسعى الانسان الشيطان الى جعل الانسانية خاسرة لا تؤمن بذاتها بل تؤمن بالمادة ولا تؤمن بالقيم بل تؤمن بالغاية تشرعن الفساد وسفك الدم ولا يهمه بعدها ان كان ذلك باسم الحريية أو التنوير أو الحداثة او الدين .