محمود المشهداني..السياسي الأكثر جرأة وحضورا في المشهد السياسي العراقي
حامد شهاب
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
حامد شهاب

ربما يعد رئيس مجلس النواب الأسبق محمود المشهداني السياسي الأكثر جرأة وحضورا ، والأكثر قدرة على تشخيص الواقع العراقي بكل مراراته وتعقيداته ، وبمقدوره ان يضع اليد على الجرح الغائر ويعرف العلاج الذي يمكن ان يكون متوافقا مع الداء الذي يعاني منه ، وهو ربما الوحيد من بين كل سياسيي المكون العربي من لايخاف في الله لومة لائم!!
محمود المشهداني يعد أقوى رئيس برلمان شهده العراق بعد انتخابات عام 2005 ، والاكثر قدرة على فرض حضوره ، وفي ان يضع حدا لكل محاولة تستهدف احداث حالة من البلبلة أو التوتر داخل البرلمان في ذلك الزمان ، وبعد ان خرج من مجلس النواب ، اتخذ من السياسة وسيلة للظهور، وكان احد أسباب طلبه الاستقالة من مجلس النواب هو ان الكثيرين لم يعد يتحملون جرأته وصراحته وما يوجهه من انتقادات لاذعة لسلوكيات ( البعض ) ، من كل الكتل السياسية بلا استثناء، لأنه أحرج الكثيرين منهم وربما وجدوا في صراحته خيبة أمل لهم في ان يكون بمقدور ( البعض ) فرض وجهات نظره أزاء قضايا مهمة كان يراد لها اما ان تمرر او يتم التغاضي عنها او تسويفها، لكن صراحة الرجل وجرأته التي ظهر بها قوي الشكيمة، هي من جعلت البعض ينفر منه، الى ان خرج بنفسه من اول مجلس نواب منتخب، واجه من المشاكل الكثير، وبخاصة من نواب لم يكن لديهم أبسط المام بمهام وعمل البرلمان، حتى انه اتهم بعض النائبات بأنهم يشبهن ( الدلالات ) عند عرض المناقشات وطريقة تصرفهن داخل مجلس النواب، وكان يريد فرض النظام على الجميع بضمنهن النائبات اللواتي يرى فيهن انهن يخرجن عن ابسط مباديء واخلاقيات جلسات يفترض فيها ان تشهد الحد الادنى من الانضباط، بينما يحاول البعض خلق الفوضى واختلاق المشاكل لأي سبب أو بدونه!!
يقول عنه البعض ان جرأته ربما جاءت بسبب بعده عن المواقع الحساسة الكبيرة حاليا ، لهذا راح ينتقد على هواه وتصدح آراءه القوية على الملأ، وتكاد جرأته ربما تفقده حتى المقربين منه من كبار السياسيين او لنقل يأخذون كلامه على محمل الجد ، وربما ينفرالبعض من صراحته المعهودة، لكنه حافظ على صلاته مع الجميع، ولديه علاقات قوية مع كثير من اقطاب السياسة ورؤساء الكتل والشخصيات الفاعلة السياسية والدينية، واحيانا شفعت له صراحته ان لايزعل عليه الكثيرون، ان لم يجدوا في تلك الصراحة والجرأة سمة شخصية عهدوها في المشهداني منذ اول اطلالة له على اكبر سلطة تشريعية ورقابية في مراحلها الاولى وهي البرلمان!!
في اطلالته الاخيرة على قناة دجلة هذا الاسبوع أكد السيد محمود المشهداني وقبلها في مقابلات مع قناة الشرقية هذه السمات القوية في الجرأة والطرح وفي تشخيص علل وأمراض الواقع السياسي العراقي ولم تجد بين ثنايا كلماته طوال تلك الحوارات المعمقة حتى كلمة واحدة يمكن ان تشكل ( مثلبة ) على الرجل، وتحدث عن كل سياسي المكون العربي بلا إستثناء ، وحملهم جميعا مسؤولية ما حل بالعراق وما أصاب مكونهم من خور وضعف، ومآس وويلات ، لم يصل اليها العراق منذ 1400 عام مضى في مساوئه وما يجري بين سياسييه من الاعيب ومحاولات تآمر تعددت اغراضها واهدافها، لكن هدف تركيع العراق واخضاعه لمشيئة دول الجوار جميعها كان هو الهدف الذي يعمل من اجله الجميع، حتى انه لم يستثن شخصية او طائفة مما تناوله من النقد اللاذع الذي اتسم بجرأة قلما عرفها مسؤول عراقي رفيع بكل هذه الصراحة والقدرة الفائقة على تفكيك جذر المعاناة العراقية وكيف نشأت ومستقبل علاقات العراق مع دول المنطقة والعالم والحالة التي وصل اليها العراق من فوضى واضطراب وضياع لشخصيته ومعالم وجوده، الى ان وصل الى تلك الحالة التي لم يعرف لها التاريخ العراقي مثيلا عبر قرون!!
وربما تسبب صراحة المشهداني لهذا التشخيص الدقيق احراجا لكل السياسيين بلا استثناء، وهو الوحيد الذي يبدو في الساحة يتحدث بامور خطيرة لايجرؤ أي سياسي عراقي ان يقترب منها في يوم من الايام وبعضها قد يكلفه حياته، لكنه هو هكذا ، ولأنه معروف بالصراحة والوضوح بلا لف او دوران فقد كان الظاهرة السياسية الابرز إثارة في المشهد السياسي العراقي، وهو الوحيد الذي يتحدث عن علل شعبه وامراضه ويقنع الآخر بما يقول ولن يستطيع أحد ان يرد على ما يقول، ولأن صراحته أغضبت كثير من السياسيين في السر والعلن الا ان للمشهداني جمهورا كبيرا يتوائم مع طروحاته، ويجد فيها تشخيصا أمينا بلا تزويغ او لف او دوران او اخفاء لبعض الحقائق، فهو المتمكن من حديثه ومن قدرته على التأثير وفي القدرة على الاقناع، ويشكل له هذا الحضور مكانة يحسدها عليه الكثيرون الذين يرون في جرأته ما يحلل الواقع العراقي بشفافية مبسطة بالرغم من تعقيدات تلك المشكلة او الازمة ولا يخشى في وصف البعض ممن يقفون حجر عثرة في شفاء الواقع السياسي من أمراضه وعلله من توجيه أقسى الاتهامات لهم كونهم احد مسببات ماتعرض له العراق من استهداف خطير تعددت ادواته وانواعه واجندته، حتى اوصلته المحن والالام الى هذه الحالة المأساوية التي تمزق كل قلب عراقي لديه ذرة من احساس بالمسؤولية وبقايا ضمير او قيم ، اثقلت العراقيين بمآسيها وبلاويها، وهو ما وضعهم في هذا المصير المظلم الخطير الذي لايحسد عليه!!
لكن ذنب الاستاذ محمود المشهداني انه لايمتلك قوة تنظيمية أو سياسية يمكن ان تعينه على اكمال مهمته العسيرة ، كما يمتلكها ساسة آخرون، ومع هذا يبقى الرجل العلامة الاكثر بروزا في المشهد السياسي العراقي والاكثر قدرة على التأثير، ولأنه يقول الحقيقة ولا يخجل من مرارة مايتعرض له المسؤول من هنات ومواقف وتوجهات وما قد يتعرض له من انتقادات، بسبب جرأته هذه، لهذا سيبقى لكلامه الكثير من الدلالات للمؤرخين وللسياسيين عموما، لأنه يشجع هذا ( البعض ) ممن لايزال حضوره غير لافت على ان يظهر ويجاهر بقول الحقيقة، كي يدخل الواقع السياسي وهو أكثر قوة وجرأة، ويكون جمهوره قد تبعه عندما يراه يقود المشهد السياسي وهو أكثر اصرارا على المضي على تحقيق مطالب مكونه المشروعة التي يرى انه تعرض خلالها الى ظلم كبير ليس من المعقول ان يتم التغاضي عن تلك الحقوق ، بل على السياسي الذي قبل ان يقود تلك المجموعة او الطائفة السياسية او المجتمعية ان يرتقي بجمهوره الى مستوى التحديات، لا ان يخذلهم بسبب مرارة الواقع السياسي العراقي مهما بدت لياليه حالكة الظلمة او قاتمة السواد، ففي مواقف الرجال الصلبة ما يمكن ان يزيدهم توقا الى بلوغ الآمال ، عندما يلمع معدن الرجال الاصلاء في مراكز القيادة، ويكون بمقدورهم أن يخرجوا أهليهم من الظلمات الى النور!!
لكن المرارة الاكثر ايلاما ان المشهداني عد جمهور المكون العربي الاكثر ضعفا والأكثر خورا وضياعا لمستقبله الان، وهو يعول على ( متغيرات ) محلية واقليمية في العراق وايران والمنطقة عموما ، بإمكانها ان تنتقل بمكانة ذلك المكون الذي قاد السياسة لقرون ان يعيد له قادته بعض هيبته، ان احسنوا الظن بمكونهم وعملوا على اعادة الاعتبار لتاريخهم الضارب في الاعماق، والذي سيعيد للعراق بعض وحدته وتماسكها ، وهو ما يحرك فيهم بوادر من الأمل بأن في الامكان ان يتحقق مايعد المستحيل، لكي يصبح في وقت ليس ببعيد من بشائر خير بعون الله ، لابد وان تعيد ( التوازن ) في المشهد العراقي الى حالته الطبيعية بعد ان اختلت اجنحته كثيرا،واختلت معادلة العراق الاقليمية والدولية وسادت تيارات وتوجهات وانماط سلوك غريبة عليه وعلى قيمه، حتى اوصلته الحال الى تلك الايام السود التي يلعن لياليها العرقيون جميعا، لأن وحدة شعبهم ووحدة هويتهم أصبحت في مهب الريح!!
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat