صفحة الكاتب : حامد شهاب

الصحفي الشامل.. إكذوبة كبرى
حامد شهاب

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

إستوقفني قبل أيام حوار تلفزيوني من إحدى القنوات التلفزيونية العربية كان عنوانه "الصحفي الشامل " وأجري الحوار بعد إن نظمت إحدى الجامعات العربية ندوة فكرية أو حوارا لمتخصصين في الإعلام من مختلف الدول العربية وبعض دول العالم عن موضوع محدد وهو " الصحفي الشامل".

ومن الملاحظ أن كل من تحدثوا في هذا الحوار راحوا يتحدثون عن أن الصحفي الشامل " هو من يغطي كل الأعمال الصحفية أو يتقن كل أشكالها ومضامينها التحريرية والفنية" ، في وقت لم يكن ربما حتى بمقدور أية ربة بيت أو حتى شيف محترف أن يتقن تماما كل الأكلات العالمية المطلوبة أو أن يكون على دراية بها ، ولابد من أنه أتقن إعداد من خمس الى سبع أكلات ولنقل عشر أكلات لكن أن يكون بمقدوره أن يكون شيفا كاملا أو مهندسا شاملا أو طبيبا شاملا أو فنانا شاملا أو من أي من المهن الأخرى فهو ضرب من الجنون وبخاصة ان الصحافة هي اصعب بكثير من مهنة الطهي ومن الظلم في عصرنا المتسارع أن نحشر الصحافة في المهمة الشاملة ونطلق على من تنطبق عليه مواصفات من هذا النوع على أنه صحفي شامل.

والأغرب من هذا أن جميع المحاورين ممن إشتركوا في هذا الحوار ويتراوح عددهم ما بين 4 _ 6 أساتذة يعملون في مجالات إعلامية أو تدريس مواد الإعلام يؤكدون في هذا الحوار على "أن الصحفي الشامل" هو من يتقن جميع الفنون الصحفية من كتابة الخبر الى عمليات المونتاج والتقطيع والتصوير والبث والإرسال" وكأن الصحفي تحول الى جهاز ريبورت من الريبورتات العصرية الحديثة التي تهدد عالم الصحافة نفسه بأن تشهد حالات إنهيار لقيمها وأسسها وأصولها من خلال ريبورتات ألكترونية تؤدي ممارسات أقرب الى المهام الصحفية التقليدية لكنها لن تكون (بديلا) عن الصحفي المحترف الذي يتقن فنا أو أكثر من فنون الصحافة وليس جميعها.

وتتداول بعض الجهات الصحفية أو كليات الإعلام وبعض المعاهد أو الدورات المتخصصة في قضايا الإعلام والصحافة ضمن تناولها لمفهوم الصحافة أو الإعلام هذه الايام مفهوم "الصحفي الشامل" بالرغم من أن دلالة المفهوم يشوبها الكثير من الغموض والتساؤل عن الهدف من محاولة تحويل نشاط الصحفي من صحفي متخصص الى صحفي شامل.

ولو كان الحديث عن " الصحفي المحترف" لكان ذلك أجدى وأكثر قربا من الحقيقة لأن الصحفي المحترف هو من أتقن مهنة الكتابة الصحفية وأغلب فنونها المتعارف عليها لكنه ليس بمقدوره أن يلم بكل تلك الفنون من خبر أو تقرير أو مقالة أو تحقيق صحفي أو حوار صحفي أو مقابلة صحفية أو تقديم لبرامج متخصصة سياسية أو إقتصادية أو فنية أو إجتماعية ..فهذا النوع مما يطلق عليه " الإحتراف الصحفي" ينطبق على من يتقن مهنته الصحفي في مجال تخصصه أو إبداعه الصحفي لكن أن يكون ملما بكل الفنون الصحفية فهذا مالا يمكن ان نصدقه في مجال الصحافة والإعلام بأي حال من الأحوال.

ليس هذا فقط بل أن الصحفي الشامل من وجهة نظرهم هو " من يستطيع أن يستفيد من وسائل التواصل الاجتماعي بمختلف صورها ويستطيع أن يقدم محتوى يناسب الجمهور على تلك المنصات واستخدام البرامج المختلفة التي تساعده على إنتاج المحتوى الإعلامي من كتابة السيناريو إلى التصوير والتعليق والمونتاج وإدارة الصفحات والحسابات المختلفة".

ويبرر هؤلاء لإستخدامهم هذا المفهوم أو مصطلح الصحفي الشامل "أن ثورة الإعلام الإلكتروني التي نعيشها اليوم، جعلت من الصحفي ليس مجرد كاتب خبر، فقد يكون الخبر المكتوب متكرر في العديد من الصحف، والانفراد الصحفي الأن أصبح هو الصورة المرئية، وأصبح الجمهور يراها أصدق وتنقل له كل التفاصيل، بل وأصبح الجمهور يهتم بما وراء الخبر ويريد أن يسمع ويري المزيد حول القصة الخبرية".

ربما أن البعض من العاملين في الشأن الإعلامي من المحترفين من يشير الى أن "الصحفي الشامل هو من يعي ويستطيع أن يواكب التطور الذي شهده مجال الصحافة في عصرنا الحالي ويمتلك الأدوات والمهارة التي يمكن من خلالها توصيل الأخبار بطريقة سلسة ومفهومة ويراعى الخصائص الجديدة التي أصبح جمهور المتابعين يبحث عنها من مواد مرئية وطريقة جذابة في الكتابة ومقدمة بشكل إحترافي مع الحفاظ على المهنية والحيادية وتقديم الأخبار بكل شفافية" هذا النوع من الحيث هو الأقرب الى الحقيقة لكنه لن يكون قريبا من الصحفي الشامل.

وأود أن أؤكد كمحترف في العمل الصحفي منذ أكثر من أربعين عاما في مختلف الوسائل الإعلامية من صحف وقنوات فضائية ومجلات ووسائل تواصل إجتماعي أن الصحافة الناجحة هي من توفر صحفي متخصص في مجال واحد أو مجالين كحد أعلى من مجالات الصحافة والإعلام ..فمن يعمل في مجال الصحافة الورقية اليومية يختلف عمله عمن يعمل في المجلات الإسبوعية أو الفصلية أو المتخصصة ومن يكتب المقالات غير من يتخصص في الاخبار أو التحقيقات الصحفية، فلكل مهنة أصولها وأسسها ومنطقها وإسلوبها الذي تكاد تكن أوجه الشبه بينها قليلة الى أبعد الحدود.

أما ان يكون الصحفي ملما بكل الأعمال التحريرية والفنية المختلفة ويقوم بكتابة الخبر أو التقرير الصحفي أو المقالة أو المراسل الصحفي أو السيناريو أو بقية الأنماط الصحفية فهذا ضرب من الخيال لم يتوفر ربما إلا في حالات محدودة جدا وقد لايزيد على أصابع اليدين في مختلف بقاع العالم بل أن الصحفي الشامل وفقا لهذا المفهوم الذي يطرحونه ربما يعد مثل " السوبر مان الصحفي " أو " الصحفي الخارق " لأنه من الصعب بل من المستحيل أن تجد صحفيا يمتلك كل تلك المواصفات من العمل الصحفي والفني والإداري يشتمل على معرفة كتابة كل الأنماط الصحفية ويجيد المونتاج والتقطيع والتصوير والبث والارسال فنموذج من هذا النوع ليس من متطلبات العصر أصلا كون العصر الحالي وإن كان يسمى عصر السرعة إلا ان المطلوب من الصحفي أن يكون ملما بأحد أو إثنين من الفنون الصحفية التي أشرنا اليها أعلاه وليس كلها.

والخلاصة التي يمكن التوصل اليها في خاتمة هذا المقال أن الصحفي مهما كان محترفا لعمله الصحفي فليس بمقدوره أن يتقن كل تلك الفنون مرة واحدة فهذا أمر لايمكن تصديقه وهو أقرب من إعطاء وصف غير دقيق لمهمة الصحفي مهما كانت مسارات الإبداع متكاملة لديه وبمقدورها تغطيتها فهذا الوصف في الصحافة أمر مستغرب اكثر من كونه مفهوما قابلا للتصديق.


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


حامد شهاب
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2024/12/29


  أحدث مشاركات الكاتب :

    • الأقمار الإصطناعية أو الذكاء الإصطناعي ليس بمقدورها إكتشاف معادن أمجد توفيق النفيسة  (ثقافات)

    • كتاب جديد يسبر أغوار العلاقات العامة الدولية لمؤلفين عراقيين في الأردن  (قراءة في كتاب )

    • أمجد توفيق : لا توجد شخصية في أي من رواياتي تتطابق مع ملامحي حرفيا  (نشاطات )

    • دعم للعراق وشعبه في مؤتمر بيت الحكمة الدولي عن الهجرة واللجوء  (نشاطات )

    • أمجد توفيق : المبدع الحقيقي يحرث في أرض بكر..والقيم الجمالية هي إساس الإبداع  (ثقافات)



كتابة تعليق لموضوع : الصحفي الشامل.. إكذوبة كبرى
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net