صفحة الكاتب : هيـثم القيـّم

رؤيـة لأحداث الـيمن
هيـثم القيـّم

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
أستيقظ الجميع فجأة على صوت هدير الطائرات الحربية السعودية / الخليجية ، تضرب مواقع الحوثيين في اليمن .. و هي التي لم نسمع هديرها طوال خمسة و خمسين عاماً من عمري المديد ، ألاّ مرّة أو مرّتين ..! 
و فجأة أصبحت اليمن و شعب اليمن محط أنظار الجميع بعد أن كانت نسياً منسيا ، وهي تخوض بدماء أبنائها رويداً رويداً ..! الكثيرين لم يذكروا أو يتذكـّروا اليمن و اليمني ربما طوال حياتهم .. الآن أصبح اليمني مواطن مظلوم و يقع عليه هجوم بربري..! مشهد كوميدي / تراجيدي يُفصح بجلاء عن أزدواجيّتنا و نِفاقنا التي فضحها طيب الذكر الدكتور علي الوردي .. اشتغلت التحليلات السياسية و شمّرت السواعد عن أقلامها لـتـتـقيئّ حبرها الطائفي تارةً .. و الساذج تارة أخرى ، هذا يشتم آل سعود و ذاك يشتم آل خامنئي ..! باستثناء القليل جداً من الأقلام الموضوعية .
-
في النصف الثاني من تسعينات القرن العشرين ، عملتُ في اليمن و من ضمن المناطق التي عملتُ بها مدينة عمران عاصمة محافظة صعدة معقل الحوثيين كما يسمّونها .. و اختلطتُ بهم و عشتُ معهم .. ناس بسطاء و فقراء و ودودين .. كانت جُـلّ مطالبهم هو أن يكون لهم دور في أدارة البلد و أن يُـنصَفوا في بعض المناصب الحكومية ..! عدد سكـّان اليمن حوالي 25.5 مليون نسمة .. يُـشكـّل الحوثيين ( الشيعة ) نسبة 35% من مجموع السكّان .. أي بحدود 8 مليون نسمة .. و الباقي سُـنـّة على المذهب الشافعي .. مع وجود أعداد قليلة جداً من بقايا اليهود ..! 
-
بعد ربيع اليمن الذي أسقط علي عبد الله صالح ، و كان للحوثيّين دور مهم في ذلك بعد ستة مواجهات دامية مع نظام صالح .. كان لابد أن يأخذ الحوثيون حقوقهم الطبيعية كمواطنين يمنيين أصلاء ..! و كما هو شأن دول ( الربيع ) العربي ، كان لابد للبعد الأقليمي و الدولي أن يستثمر التغيير لصالحهِ وفق لعبة ( الأمم ) و المصالح المرحلية و الأستراتيجية لكل طرف ..! تحرّكت أيران بقوة لدعم الحوثيين بالمال و السلاح و الخبرات .. مستغـلـّة الوضع المضطرب في المنطقة و كذلك سهولة تحرّكها عبر العراق و سوريا و لبنان .. و أذا بنا ( نـُفاجأ ) بأن الحوثيين لم يعودوا هؤلاء المساكين الفقراء .. بل تحوّلوا الى بلدوزر أكتسح العاصمة صنعاء و بدأ بالسعي للوصول الى المنافذ البحرية على البحر الأحمر .. فبدأ بـمحافظة حـَـجّة ثم الحديدة .. نزولاً الى عدن .. و أستطاعوا بزمن قياسي ألسيطرة على معظم مدن اليمن بما فيها من مؤسسات و بنوك و وسائل أعلام و مطارات ...؟  الحوثيين تحالفوا مع عدو الأمس علي عبد الله صالح بعد حروب دامية معهُ في لعبة مصالح رخيصة .. و بدعم أيراني واضح سعوا للوصول الى مضيق باب المندب بعد أن وصلوا الى شواطئ البحر الأحمر الشرقيّة في حـجـّة و الحديدة ..! ماذا يُريد الحوثيين بالضبط ..؟ أذا كانت القصة حقوق و دور في الحياة السياسية في اليمن .. فقد حصلوا عليها بالأعتصامات و القوة المسلحة و سيطروا على صنعاء و مؤسساتها الرئيسية ..! أذن لماذا هذا التمدّد غير الطبيعي نحو اليمن كلـّها و بالأخص جنوباً نحو باب المندب ..؟ المصالح الأيرانية كانت هي المحرّك لكل ذلك .. أليمنيّين يدفعون الدماء و الخراب لكي تصل أصابع أيران الى المعبر الأستراتيجي الثاني للنفط و التجارة الدولية في باب المندب مع وجودها أصلاً في  المعبر الأوّل مضيق هرمز الذي تطل عليه أيران مباشرة .. يعني استراتيجياً خنق دول الخليج العربي و التحكـّم بمنافذ أمدادات النفط و التجارة منها و لها مع الدول ألأوروبية و غيرها .. و الذي يعني ان الخنجر اليمني ( الجـنبـيـّة كما يُسمى في اليمن ) و الممسوك بالقبضة الأيرانية .. بات في خاصرة السعودية و دول الخليج الأخرى ..! 
من هنا علينا فهم التحرّك السعودي / الخليجي / العربي العسكري و السياسي و الدبلوماسي .. بغض النظر عن مواقف السعوديّة و قطر الداعمة للأرهاب و للأصولية الدينية التي عاثت قتلاً و خراباً في العراق و سوريا و ليبيا .. عندما تبدأ لـعبة المصالح علينا توقـّع الكثير مِن المفاجئات ...!! 
الموقف المصري لا تختلف خلفياته عن الموقف السعودي .. أذ أن التحكّم بمضيق باب المندب ، قد يعني موتاً لقناة السويس أو تهديداً لأمن مصر و السودان أقتصادياً و استراتيجياً ، بعد أن تكون أيران قد اصبحت قريبة من ضفاف البحر الأحمر الغربية ..! تهديد الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي قبل ( عاصفة الحزم ) بأسبوع ، بأن باب المندب خطاً أحمر لم يكن أعتباطاً ..! وهذا ما يفسّر لنا نتائج القمة العربية التي اجتمعت في شرم الشيخ .. و التي ربما للمرة الأولى يتفق غالبية الزعماء العرب اللذين حضروا على موقف واحد ضمن مسيرة الجامعة العربية الطويلة .. و بمستوى تمثيل يحصل للمرّة الأولى أيضاً..! 
-
الُبعد الطائفي لم يغب عن المشهد بالطبع ، بل هو الغطاء أحياناً و المحرّك أحيان كثيرة ..!
 أيران تحلم بأمبراطورية أيرانية تحت ستار ( نشر التشيُّع ) أو حماية الشيعة خارج حدودها .. و زلـّة اللسان التي صدرت عن مستشار الرئيس الأيراني ( علي يونسي – 9 آذار ) بأن بغداد عاصمة الأمبراطورية الأيرانية .. جاءت في قمة نشوة الأيرانيين أثـرَ ( ألأنجازات ) العسكرية الميدانية في سوريا ، و ديالى و تكريت في العراق ..! 
أيران أغرتها العوامل التالية في أعتقادها أنها باتت قاب قوسين مِن تحويل المنطقة الى حديقة أمامية لها أو على الأقل أصبحت تتحكـّم بمفاتيح المنطقة : 
1- عملت منذ سنوات على تركيز جهدها الصناعي و الأقتصادي على الجانب العسكري .. فأنتجت العديد من مفردات القوة العسكرية الحديثة و أصبحت قوّة عسكرية هي الأكبر في المنطقة و الأقوى بعد أسرائيل النوويّة .. و نتذكـّر هنا ما كان الأعلام الأمريكي و الغربي يروّج له بأن العراق رابع قوّة عسكرية في العالم ، مما أغرى الرئيس السابق صدام حسين بالأنتفاخ والعناد و التحدّي ..! نفس الفخ نصبتهُ السياسة الأمريكية / الأسرائيلية لأيران لكن بصيغة أخرى .. عِبر التهديدات بضرب المواقع النووية الأيرانية ( شرحنا ذلك تفصيلياً في مقال منشور عام 2012 بعنوان - سيناريو الصراع السني الشيعي القادم - ..! ) . 
2- وجودها المادي و المعنوي في عدد من دول المنطقة .. لبنان ( حزب الله ) .. سوريا ( النظام و مجاميع المسلحين من العراق و لبنان و أيران و باكستان ) .. العراق ( بعض أحزاب الأسلام الشيعي ، دخول أيران بقوة في الحرب ضد داعش و تحقيق انجازات ميدانية ) .. البحرين ( قطاعات واسعة من - شيعة - الشعب البحريني خصوصاً بعد المظاهرات المناهضة للنظام البحريني ) .. السعودية ( شيعة السعودية في المنطقة الشرقية وهي منطقة تواجد مصادر النفط السعودي الكبيرة ) .. اليمن ( الحوثيين ) .. مما أغراها لتوسيع نطاق أمتدادها الى الحافات الجنوبية / الغربية لبحر العرب و منه باب المندب ..!
3- تغافل المجتمع الدولي و الدول الخليجية عن أحداث اليمن .. و ترك الحوثيّين و جماعة عبد الله صالح يُسيطرون و يتمدّدون غرباً و جنوباً في اليمن .. وهو موقف كان لافتاً جداً حينها ..! تبيّن فيما بعد أنهُ فخ آخـر وقعت فيه أيران ..! ( اليوم الثلاثاء هناك مشروع قرار في مجلس الأمن باللجوء للفصل السابع بخصوص اليمن ..! ) .. !
-
في الجانب المقابل .. دأبت السعودية و دول الخليج و غيرها من الدول العربية و كذلك تركيا ، على التخويف من المد ( الشيعي ) على حساب الأغلبية ( الـسُـنيـّة ) .. و شـَحَـنت الأجواء في المنطقة ، أدى ذلك الى أستقطاب طائفي ليس على مستوى الحكومات و السياسات ، بل وصل الى مستوى الشارع .. و لذلك باتت أي خطوة أو أجراء أو موقف من أحد الطرفين .. تــُفـسّـر طائفياً من الطرف الآخر ، وهذا الشحن لم يقتصر على الأعلام و التصريحات .. بل تعـدّاه الى الأرض عن طريق دعم الكتل و الأحزاب ( السنيّة ) مادياً و لوجستياً ، في سوريا و العراق و ليبيا و تونس و مصر .. و دعم عصابات داعش بشكل غير مباشر و مباشر أحياناً ، تارةً بغض النظر عن نشاطاتها و تحرّكاتها ، و تارةً عن طريق التسهيلات المالية و اللوجستية ...! كل ذلك تحت يافطـة الوقوف بوجه المد ( الشيعي ) المتنامي و المتمدّد ..! لذا بعد أن كان الأستقطاب الطائفي محلـّي داخل كل دولة أبتليت به .. تحوّل الى أقليمي ..! 
و ها نحنُ نشهد اليوم ( تجلـيّـات ) هذا الأستقطاب بالمواقف و التصريحات الصريحة و الواضحة من قبل المسؤولين لدى القطبين و من قبل فروعهما و توابعهما أيضاً..! 
-
في الجانب الأميركي / الصهيوني / الغربي ، يجلس المُخطٍطون يشربون قهوتهم مصحوبة بأبتسامة صفراء ، على حجم الغباء العربي / الأسلامي .. العرب يقتلون العرب .. و المسلمين يقتلون المسلمين ..! كما رسموا و خطـّطوا و نفـّذوا أبتداءاً من مشروع ( ضرب أسفل الجدار ) لبريجنسكي مستشار الأمن القومي الأمريكي في سبعينات القرن الماضي .. مروراً بنظريات كيسنجر الى أن تبلورت الفكرة في مشروع ( برنارد لويس ) وهو ما فصـلـناه في مقالنا المُشار أليه و المنشور عام 2012 ..! ملخص المشروع : احياء و تـأجيج الصراعات الداخلية ضمن كل دولة من دول المنطقة .. صراعات قبائلـيّة / مذهبية / دينية / أثـنيـّـة / أجتماعية ... وهو ما حصل بعد ( ثورات ) الربيع العربي .. و بالتالي أغراق كل دولة في حروب تستنزف طاقاتها المادية و المعنوية و الأجتماعية .. ثم خلق بيئة مناسبة لأنتاج نسخة جديدة من سايكس – بيكو ، تكون أكثر أمعاناً في التشرذم و التقسيم ..! 
الصفحة الثانية من المخطط ( وهي الحاصلة الآن ) .. هو دفع المنطقة باتجاه أستقطاب طائفي وصولاً الى شفير الحرب بين القطبين ( الشيعي و السنـّي ) ...! و كانت داعش جزء مهم من هذا السيناريو ..!
الصفحة الثالثة هو أستثمار النتائج .. أستنزاف مُريع للطاقات الماديّة و البشرية و العسكرية لدول المنطقة .. ستشتغل بعدها ماكنة الأنتاج الصناعي العسكري و المدني لأمريكا و الغرب .. و بالمقابل شفط الخزين المالي الهائل لدول المنطقة .. و خصوصاً دول الخليج العربي .. لتعود الحياة لدورة المال و الصناعة الأمريكية و الغربية ...!! 
ستكون عندها دول المنطقة ضعيفة و مُـنهكـة و مـُـقسّـمة .. لا تقوى على رفع صوتها تجاه أسرائيل ...! 
-
سينبري البعض كما هو متوقــّع من معارضي فكرة المؤامرات الخارجية .. ليفنـّدوا ما قلناه .. في الوقت الذي بات القاصي و الدانـي يعرف أن أمريكا و الغرب ، ليسوا حملان وديعة .. ولا جمعيات خيرية .. ولا ملائكـة رحمة يتفرّجون علينا وهم يذرفون الدموع على مآسينا و مصائبنا .. و يردّدون ( لا حول ولا قوّة ألاً بالله ) ..!
 
مستشار ثقافي / منظمة بلاد السلام لحقوق الأنسان 
مستشار أعلامي / مؤسسة التضامن للطباعة و النشر 
31 / 3 / 2015 
 haitham52@aol.com

قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


هيـثم القيـّم
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2015/04/01



كتابة تعليق لموضوع : رؤيـة لأحداث الـيمن
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net