حول اشكالية تجسيد الانبياء - 4 -
عدي عدنان البلداوي
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
عدي عدنان البلداوي

كان البعد المادي هو محور حياة ووجود الناس في أوربا قبل مجيء المسيح عليه السلام، والذي دعا الناس إلى إضفاء البعد الروحي في حياتهم، فانتهى تأثير البعد المادي بفعل قوة ما ينتج عن البعد الروحي في كلام وسلوك النبي بين الناس، إلى أن جاء القرن السادس عشر والقرن السابع عشر ليعود للبعد المادي دوره في الحياة، فظهر توجه العلم للحياة بعيدا عن هيمنة الكنيسة على يد مثقفين شكلوا طبقة في المجتمع تبحث عن الحرية بعيدا عن قيود الكنيسة، وعن العلم من اجل الحياة، ونجحوا في محورة النواحي الاقتصادية والثقافية والسياسية والاجتماعية للناس حول البعد المادي، فبلغت بلدانهم ما وصلت اليه اليوم ..
ان ظهور أعمال سينمائية ورسوم كاريكاتيرية وروايات تتناول أنبياء الله، قد تكون محاولات لإقحام البعد المادي في التاريخ الديني عموما .. باعتقادي ان الهدف ليس النبي موضوع الفلم او الرواية او الرسوم بقدر ما هو البعد الروحي لدين ذلك النبي في المجتمع، ففي الغرب طقوس الناس وعاداتهم وعباداتهم وحرياتهم محترمة، وهناك قوانين تكفل للناس تلك الحريات، فمن غير المعقول أن تهدف تلك الأعمال إلى الإساءة الشخصية لنبي أدى دورا ايجابيا في حياته بين الناس، كما إن اغلب هذه الأعمال كانت تركز على إظهار النبي مجسدا أمام المشاهد، وهذا التركيز باعتقادي يختفي وراءه مشروع المادية المعاصرة في مواجهة البعد الروحي، البعد المنافس أو هو البعد الذي يمكن ان يهدد نجاح وهيمنة المادية على كل شيء حتى العلم في الآونة الأخيرة، فالبعد الروحي بعد غير ملموس، ولا يخضع للاستقراء أو الاستنتاج أو المنطق العلمي المجرد، فالمادية لا تقبل ما هو غير ملموس لتجري عليه التجارب والتحاليل، بمعنى ان وجود البعد الروحي من شأنه في مرحلة ما، أو في زمن ما، ان يغلب حسابات المادية المجردة، وهذا يشكل خطرا كبيرا على ديمومة السيادة العالمية الغربية اقتصاديا وسياسيا وعسكريا على العالم ..
إن الضرر الأكبر من هذه الإساءات ينعكس على مجتمعات الشرق الأوسط وشمال إفريقيا ودول الشرق، كونها مجتمعات في اغلب الأحيان مقلدة أو تابعة أو تائهة .. لأن عنوان حرية الرأي وحرية التعبير يجذب اليه كثير من عامة الناس ومن المثقفين العرب والمسلمين ممن يقلدون الغرب في ثقافاتهم وقد أبدى بعضهم تأييده وعدم رفضه لتجسيد شخصية النبي محمد في فيلم، وقد نسمع ذات يوم عن قيام رسام أو كاتب أو مخرج سينمائي عربي أو مسلم بنفس العمل الذي قام به الرسام الدنماركي أو الفرنسي، وأنا لا استبعد ذلك، مادمنا لحد الآن نعيش بعيدين عن أنفسنا، وفي كثير من الأحيان نجد أننا صرنا أناسا آخرين، يسميهم البعض (متطورين)، وفي الحقيقة ان التطور أمر جيد ومطلوب لكن على أن لا يكون بعيدا عن الواقع، والواقع ليس هو مفروضات الحياة الاقتصادية والسياسية في مجتمعاتنا، انه الارتباط بالقيم في النشوء والارتقاء والتطور. .
لقد اختلطت الأمور على كثيرين، حتى على مستوى مسؤولين في البلاد، فعندما يصرح احدهم في الحكومة العراقية وهو رجل مثقف فيقول إن الإرهاب أصبح ثقافة، وان الفساد أصبح ثقافة .. فإننا لا نجد أنفسنا أمام أشخاص قادرين على تقديم مشاريع قوية توازي تلك المشاريع الغربية الكبرى التي نتحدث عنها .. وعندما يبرر أحد حكام الدول العربية الإسلامية ان الملتحين المسلحين في داعش هم ثوار ، ويعدهم الأزهر في مصر بالمسلمين المتطرفين، على الرغم من الأعمال التي يقومون بها على مرأى ومسمع من العالم .. إن شيوع هذا النوع من القادة السياسيين والمتدينين في العالم العربي والإسلامي لا يعطينا مجالا لتصور وجود إمكانات لمواجهة هذا النوع من الصناعة الثقافية الغربية ..
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat