آراء انثروبولوجية في ضوء الزيارة الكاظمية
عدي عدنان البلداوي
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
عدي عدنان البلداوي

■ برغم الخيبة الكبرى التي أصابت غالبية العراقيين طوال العشرين سنة الماضية بسبب وصول ممثلين سيئين الى السلطة باسم اتباع اهل بيت النبوة وبرغم ما وصمت به هذه السلطة من فساد مالي وإداري ومن فشل سياسي .. برغم ذلك لا يزال ملايين العراقيين يحييون ذكر أهل بيت النبوة ..
■ تساءلت ان كان ذلك يحدث بقصد النعي أم الوعي وهل في إحياء الذكرى ما يبعث الأمل أم هي مجرد عادات شعبية إصطبغت بصبغة عقائدية فصارت جزءاً من طباع الناس..؟
■ فأردت أن اعايش الواقع كما هو وادون تفاصيله كباحث في علم الإنسان فقررت المشاركة في إحياء ذكرى إستشهاد الإمام الكاظم عليه السلام وهي المرة الأولى التي أشارك فيها هذا الحدث الجماهيري الكبير في بغداد فقد كنت أذهب الى كربلاء في شهر محرم الحرام أوقات الزيارة الأربعينية ..
■ بين صفوف الزائرين كنت اتمشى على مهل كي ارى تصرفات الزائرين واسمع أحاديثهم واقارن هذا المشهد بمشاهد حياتية اخرى يواجهها الناس في حياتهم اليومية فمن بين ما سجلته انسيابية حركة هذه الحشود الجماهيرية الضخمة فعلى مدى اربعة أيام قضيتها في بغداد لمعايشة هذا المهرجان العظيم لم ار حالة ازدحام واحدة ولم أر شخصاً يسقط أرضاً بسبب التدافع ولم تقع عيني على حالة ازعاج او مضايقة برغم ان الطريق واحدة يمشي فيها الرجال والنساء ، الشباب والصغار معاً.. بدا لي اكثرهم كأن الكل معني بالكل و
■ شاهدت طوابير الزائرين منظمة غير مفتعلة وهم ينتظرون التزود بالطعام في مواكب العزاء للرجال مكان وللنساء مكان دون ان يكون بينهم من يصيح بهذا وينهر ذاك فالكل ملتزم بالنظام . تذكرت التدافع والإزدحام في دوائر الدولة فبدا لي ان وراء ذلك شعور ذاتي عند المواطن وهو ان الحكومة لا تكترث لحاله ولا تسعى لتحقيق حاجاته بل هي تغبنه وتهمله في اكثر الأحيان ان لم يكن في كلها لذلك يتدافع الناس في محاولة منهم بالظفر بما يمكنهم من إنجاز معاملة وتحاشي ضياعها أو إهمالها أو تأخير إنجازها .
■ سجلت في ذاكرتي حوارات عدة سمعتها من الزائرين منها بعض الشباب وهم يتبادلون الأمل في أن تحل بركة هذه الزيارة عليهم فيشهدون في الأيام القادمة تغييراً يطال الفاسدين والفاشلين كي تتغير احوالهم فيجدون فرصهم التي جاءوا يطلبون من الله بزيارتهم للإمام ان يزيدهم صبراً على ما يمر بهم من ضجر واستياء ..
سيدة ترجو الله ببركة الإمام ان يسترها في اواخر عمرها بحفظ اولادها من هذا الزمن المشوه الذي تتشدد فيه حكومة الفاشلين مع مرتكبي الأخطاء الصغيرة وتلين مع مرتكبي الجرائم الكبيرة خصوصاً أصحاب المناصب العليا ..
■ دوائر الدولة هي حلقة الاتصال الحي المباشر بين الحكومة والناس وعدا ذلك فالمسؤول الحكومي إما محصن بدروع بشرية مسلحة او دروع اسمنتية مسلحة لذا ومن باب البحث في إصلاح حال البلاد السيئ اتمنى ان تلتفت الحكومة الى الاعتناء بحلقة الاتصال هذه اعني دوائر الدولة كالقضاء على الروتين السيئ وإقصاء الموظف السيئ والسماح للمواطنين في داخل الدوائر الحكومية بتصوير إجراءاتهم بكاميرا الموبايل لفضح المقصرين وإظهار وجه الحكومة الحقيقي بعيداً عن الخطابات واللقاءات المعدة سلفاً والتي هدفها إظهار رجل الدولة ذلك الحريص والأمين والكفوء ..
■ كان رجال الأمن وهم يحملون السلاح في حالة تعاون انساني مع الزائرين يدعو الى الزهو فمن المهم جداً في تصوري ان تعيش قوات الأمن اعتقاداً قوياً راسخاً بأنهم ابناء المجتمع وليسوا ابناء السلطة فالتجربة افادت على مر التاريخ بزوال السلطة وبقاء المجتمع ..
■ لم اجد لرجل الدين ذلك الحضور الذي تمنيته عدا مكاتب الاستفتاءات الشرعية هنا وهناك على طول طريق الزائرين ، كنت اتمنى ان اجد معمماُ يحمل مكبرة صوت يمشي بين الزائرين يذكرهم بقيمة هذه الخطوات التي يخطونها صوب الإمام والتي لا يكتمل اجرها دون الحفاظ على آداب الطريق وعلى نظافة الطريق حتى لو لم توفر البلدية ما يكفي من سلات جمع القمامة ، كما تمنيت ان ارى معمماً يلتقط ما يرميه الزائر من فضلات ففي هذا السلوك درس بليغ يبلغ مستوى الدرس العظيم الذي جسده المعمم وهو يحمل السلاح مع المقاتلين على السواتر في حرب الدواعش فكلاهما جهاد فهذا جهاد ضد اعداء الوطن وذاك جهاد ضد المقصرين في خدمة المواطن ..
■ كما تمنيت ان يكون لرجل العلم ورجل الثقافة حضور واضح فكل المواكب التي شاهدتها كانت جماهيرية عفوية فطرية تقليدية ، فلو أسست الثقافة لها مواكب يتحدث فيها رجل الثقافة الى الزائرين عبر مكبرات الصوت عن آثار المدرسة الثقافية والتربوية والإجتماعية للإمام الكاظم وربطها بواقع حال الناس فسيكون لذلك أثره ودوره في مشروع تمكين المجتمع ثقافياً الذي أدعو له وأعول عليه كثيراً في تغيير الواقع السيء ..
والحمد لله رب العالمين.
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat