صفحة الكاتب : مازن لطيف

طبعة بغدادية جديدة لكتاب البروفسور ميثم الجنابي " الإمام علي - القوة والمثال"
مازن لطيف

صدرت في بغداد الطبعة الجديدة لكتاب البروفيسور ميثم الجنابي (الإمام علي - القوة والمثال) عن دار ميزوبوتاميا . وقد طبع الكتاب مرات عديدة ونفذت جميعها. وهذه الطبعة هي الخامسة. والكتاب بحدود 160 صفحة من القطع الوسط ، وصمم الغلاف علي الزيدي .
يحتوي الكتاب على بابين. يتضمن الاول (الامام علي وكينونة الاسلام الروحية) ثلاثة فصول هي على التوالي
الفصل الاول: الغلاة وتعبير المصير الوجداني
الفصل الثاني: المصير التاريخي للإمام علي في الفرق الإسلامية
الفصل الثالث: التشيع - السمو الروحي للشخصية العلوية
اما الباب الثاني (التراجيديا السياسية للطوباوية الثورية) فيحتوي على ثلاثة فصول أيضا هي على التوالي
الفصل الأول: قوة المثال ومفارقات التاريخ السلطوي
الفصل الثاني: مثال القوة ومفارقات المصير السلطوي
الفصل الثالث: الانتصار والهزيمة  - المثال والواقع .
وجاء  في مقدمة الكتاب "ليست هناك من شخصية كبرى في تاريخ الإسلام استطاعت أن تستثير خفايا الوعي والضمير وتضارب المشارب والتقييمات كشخصية الإمام علي بن أبي طالب. فهو يبدو في كيانه الواقعي لغزاً، وفي صورته التاريخية كياناً يصعب احتوائه أو المسك به. وهنا تجدر الإشارة إلى انه لا يمكن الانسياق الكلي وراء لغزه الواقعي وكيانه التاريخي دون الوقوع في متاهات التبرير والتغرير، انطلاقا من الإمام علي هو الشخصية التي يصعب التعامل معها على أساس قواعد المنطق الصارمة أو الانتماء المذهبي. فكلاهما يضعفان البحث، وفي أفضل الأحوال لا يبقيان فيه على غير ما يريدانه منه. بينما حقيقة الإمام علي تقوم في ذاته القادرة على العطاء بوصفه القوة السارية في منطق الحقيقة التاريخية للعراق، ونموذج المثال الإنساني (الإسلامي). ومن هاذين المكونين تبلورت شخصيته في التاريخ والوعي والثقافة والروح. بمعنى تغلغلها في العقل والضمير والوجدان، في الباطن والظاهر، والحس والحدس. مما جعل منها على الدوام طاقة المتناقضات المغرية، شأن كل ما هو ملازم لوحدة الجمال والجلال في الحياة".
فكما يقول المؤلف في المقدمة بان الإمام علي من الشخصيات، التي لا يلزم بالضرورة التعامل معها بمقولات الأحكام المجردة ومنطق السياسة المعاصرة وهمّ المصالح. فالتاريخ في شخصياته النبيلة أوسع وأعمق من أن يخضع لميزان تناقضاته المباشرة. كما أن التاريخ الإسلامي سوف لن يكون بمقدوره أن يتجاوز تلك الذروة التي يستطيع معها القول بان ما وراء علي يمكن أن يكون علياً آخر. وليس ذلك انتقاصاً من قدرة التاريخ على صنع شخصيات عظمى ونماذج رفيعة، بقدر ما يعني أن مجرد إقناع الذات واقتناعها بمحاكاة شخصه سوف تجعل من النفس كيانا مقلدا وفاقدا بالضرورة لبريقها الحيوي. وهو تقليد لا يعدو كونه افتعالا لما هو معدوم أو سار في سمو المرجعية الروحية. ومن ثم لا يفعل إلا على افتعال وحدة ظاهرية أولها تقليد وآخرها زيف، وما بينهما اصطناع سريع الزوال".
وقد حدد ذلك بدوره المهمة التي وضعها المؤلف أمامه والقائمة فيما اسماه بعدم إقناع القارئ بضرورة التشبّه بالإمام علي، بل باتخاذه "عبرة للآخرين"، كما قال هو مرة عن نفسه. وهي العبارة التي كانت تشكو في معاناتها الباطنة من ثقل  تواضعه المتسامي. فهو لم يقصد بذلك فرض مثاله الفردي على الآخرين، لأنه نفسه لم يجد مثالاً يستحق الإسلام له سوى الله! وهو موقف يشير إلى انه انتزع منذ البداية معالم التقليد الأعمى ونوازع التعصب المتلونة، التي أبى الصراع اللاحق إلا أن يغرسها في أفئدة قواه المتصارعة. وبهذا المعنى، فان التاريخ يكون قد حولّه إلى أحد المصادر المفرقّة للأمة".
إلا أنها قضية وظاهرة لا علاقة لها بشخصه كما يقول الجنابي. إنها من معيار ومقدمات أخرى. فالقرآن نفسه وكذلك النبي محمد، كما يكتب الجنابي في المقدمة قد تحولا لاحقا إلى مصدر الشقاق والخلافات الكبرى رغم دعوتهما الدائمة إلى توحيد الله ووحدة الأمة. كما لم تعق الوحدانية نفسها، من حيث كونها فكرة ومبدأ، من أن "تبدع" وتستثير صيغاً متنوعة من افتراق الأمة. إلا أن هذه العملية ذاتها أفلحت في استثارة المساعي الباحثة عن أسلوب النجاة، أو ما دعته تقاليد علم الملل والنحل (علم تاريخ الفرق الإسلامية والمدارس الفلسفية والأديان والعقائد) بمفهوم الجماعة والفرقة الناجية. إلا أن ما يميز جمالية التاريخ الأول للإسلام هو افتقاده لروح العزلة والخلاف بين الفرد والجماعة، أي بين المسلم والأمة على أساس الانتماء العقائدي للفرق. وقد أعطت هذه الميزة  للصراع المتراكم والمحتمل بين مكونات الأمة الناشئة قيمته الرفيعة. وفي هذا تكمن إحدى قيمه الخالدة التي تضع المرء في حال من الاحتكام الدائم أمام الضمير والقناعة الشخصية. مما يجعل لكل فعل قيمته الخاصة به. وهي قيمة عادة ما يحدد مضمونها وأثرها التاريخي كل من تعمق الوعي الاجتماعي ومستوى تمثلها في الأفعال. ومنهما تتبلور وتتراكم أهمية وفاعلية ما يمكن دعوته باللغز الدائم في الشخصية. وليست حقيقة هذا اللغز في الواقع سوى الوحدة الخفية والمثيرة للحس والعقل والحدس في محاولاتهم إدراك حقيقة الشخصية في تمثلها وتمثيلها للحق. وقد وعى الإمام علي هذه الحقيقة بصورة نموذجية، قد تكون الأرقى في تاريخ الإسلام، عندما قال في إحدى كلماته البليغة بان "الحق لا يعرف بالرجال، بل الرجال تعرف بالحق!"
وهي الفكرة التي تشكل من حيث الجوهر صلب الشخصية العلوية من حيث كونها نموذجا للمرجعية المتسامية في القول والفكر والفعل. إذ لا تعني أولوية الحق على الرجال سوى أولوية الحقيقة المتسامية، والمجردة من الرؤية الضيقة والمصالح العابرة. وهي الفكرة التي كانت تحتوي في أعماقها على مبدأ الواجب الأخلاقي (العملي) في التماهي الفردي معها. بمعنى تطبيقها على النفس بوصفه المحك الحقيقي للبرهنة على ما فيها من أبعاد غير متناهية. وهو تطبيق أعطى ويعطي لشخصية الإمام علي بعدا لا يتناهي في التاريخ والفكر والعقل والوجدان والحق والحقيقة. وهو تطابق صنع فيه هالة كونية وأبدية، بحيث تحول في الوعي الجمعي والفرداني المتسامي إلى نموذج تتجلى فيه وتتماهى حقيقة الوحدة الحية بين الخالد والعابر، والتاريخ والمعاصرة، والإلهي والبشري.
كما كثف الجنابي محتوى ومغزى ومعنى موقفه مما وضعه في الكتاب في الخاتمة المكثفة التي نقرأ فيها ما يلي:  إن دعوى امتلاك ناصية الإدراك الكامل للمكونات الوجدانية للتاريخ العربي الإسلامي لا تؤدي إلا إلى محاصرة النفس بمعضلات لا يمكن حلّها دون الوقوع في تهافت منطقي وتناقضات أخلاقية لا تحصى. إذ سيكون من الملزم حينئذ إقناع الجميع بما لا يمكن الإشارة إليه. وذلك لأن المكونات الوجدانية الحية هي الخميرة التي لا تفترض شيئاً غير شعور الاضطراب والتفاعل. والإمام علي هو دون شك، أحد مكونات هذه الخميرة التي تفعل في الكيان العربي الإسلامي .
فقد أبدع في مجمل كيانه التاريخي والروحي ما يمكن دعوته بالإسلام العلوي، أو إسلام الحق. لهذا فهو ليس جزء من الماضي، بل الماضي كله. كما انه ليس الماضي كله، بل الماضي الحق. وبهذا المعنى يمكن النظر إليه باعتباره ممثل الوحدة الاجتماعية الحقة، مما يجعله خلواً من المذهبية الضيقة".
إلا أن المحتوى الأوسع والأعمق لكل ما جرى وضعه في هذا القديم ليس إلا المقدمة التي تعطي للقارئ مهمة بل وضرورة الرجوع إلى النص بوصفه وحدة متكاملة وذات طراز خاص وجديد كل الجدة في إعادة رسم وتصوير وتحليل شخصية الإمام علي وديمومة أثره الخالد في التاريخ والوعي الإنساني.


 


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


مازن لطيف
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2011/05/19



كتابة تعليق لموضوع : طبعة بغدادية جديدة لكتاب البروفسور ميثم الجنابي " الإمام علي - القوة والمثال"
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net