العمل التطوعي وفن الإيثار في العراق
باقر العراقي
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
باقر العراقي

التقاليد والعادات محترمة لدى كل شعوب العالم مهما كانت غرابتها، أو حتى عدم واقعيتها أو ضررها على المجتمع في بعض الأحيان، والشعائر الحسينية مع واقعيتها الحياتية، وفائدتها الاجتماعية الأكيدة، ومفاهيمها الدينية التي تشع أنوارا مستمرة للإنسانية جمعاء، تحطم الأرقام القياسية عاما بعد عام.
هذا العام وتحديدا زيارة الأربعين؛ عجزت الأرقام عن احتساب عدد الزائرين للعتبات المقدسة في النجف الاشرف وكربلاء المقدسة، فمنهم من قال وصل العدد 20 مليون، ومنهم من قال أكثر من ذلك بمليونين، مع تزايد أعداد الوافدين من الدول الأخرى؛ حتى وصلت إلى 4ملايين إنسان، هبوا لزيارة الأربعين مشيا على الأقدام، مكونين أكبر سلسلة بشرية متواصلة من الناس، تربط عدة مدن في آن واحد.
عدد المواكب الحسينية وصل حوالي 75 ألف موكب خدمي، يخدم فيه أكثر من مليون ونصف إنسان من كلا الجنسين، يقوم بتقديم الطعام والشراب والسكن للزائرين العراقيين والوافدين من حوالي 70 دولة مجانا، وفيه متطوعون لا يتقاضون أجرا على أعمالهم التي يقومون بها، وهم بذلك يمثلون اكبر عمل تطوعي في العالم.
الخدمة المقدمة للناس؛ بغض النظر عن اللون والجنس والعرق وحتى الديانة، فشعيرة زيارة الأربعين شعيرة إسلامية، ومع ذلك الكثير من المسيحيين يزورون الإمام الحسين سنويا، وكذلك الصابئة المندائيين وغيرهم من الديانات الأخرى.
الخدمات مميزة وإبداعية وتتجدد كل عام، وطوال اليوم و24 ساعة يوميا لكل موكب، فلو أخذنا مثلا خدمة واحدة، كاستقبال الضيوف ( الزائرين) مثلا، فإنك ترى صاحب الموكب أو المنزل يتوسل ويقبل بأيدي المارة، ويصيح بأعلى صوته ( هلا بالزاير، هلا بزوار أبو عبدالله )، والدموع تذرف من عينيه بصورة عفوية، والهدف من ذلك فقط لتقديم خدماته كالمبيت وغسل الملابس والمساج والسهر على راحتهم.
عند التعريج على الطعام؛ فما لذ وطاب وكل ما يخطر في بال، فالمأكولات العراقية متواجدة بكل أصنافها، القوزي-البرياني -تشريب لحم -السمك المسكوف- بل وحتى الباجة، بالإضافة إلى الأكلات الشعبية الأخرى منها ما يقدم صباحا كفطور كالحليب او البيض أو المخلمة وأنواع المقليات والمشويات كالكباب والمعلاك ولفات الفلافل، وأخرى معروفة في محافظات محددة كالسياح والطابك ( خبز طحين الرز)، والمشروبات بأنواعها وأشكالها، والفواكه والخضروات.
وعند مغادرة الزائر صباحا يعتذر صاحب الموكب، ويطلب السماح من الزبائن المغادرين ( الزائرين)، لاعتقاده بأنه مقصر بحقهم، ولم يقدم الأفضل لهم، وهذه قمة الشعور بالمسؤولية، قد لا يوليها اهتماما الكثير من مسؤولي المرافق السياحية والفندقة العالمية.
ما ذكرناه قاصرعن تقديم كل حقائق خدمة العمل التطوعي في زيارة الأربعين، وبالتأكيد هو شيء خارج الإرادة البشرية، ولم يخطط له مسبقا، هو عمل إجتماعي تكاملي تحيطه الروحية الدينية والمشاعر الإنسانية الجياشة؛ من حب واحترام وأقصى درجات الإيثار الاجتماعي، فسبحان من سخر هذه الملايين نحو هدف واحد ومكان واحد وزمان واحد.
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat