صفحة الكاتب : د . محمد ابو النواعير

الحسين (ع) بين البشرية والإلهية.
د . محمد ابو النواعير

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

   تنشأ الثورات في العالم منطلقة عادة من عدد من الأسباب أو التأسيسات المكونة لها, وهي عادة تنقسم وبشكل رئيسي ونهائي الى قسمين: الثورات الإجتماعية الحقوقية الإنسانية, والثورات الدينية الإلهية؛ النوع الأول يتمظهر في أغلب اشكاله, على شكل شعارات تستلهم منها العقول والنفوس معاني حركية, تقود الى فعل وممارسة؛ منها: التحرر من العبودية, الإنعتاق, تصحيح المسارات المعوجة, إيقاظ الضمائر, زلزلة عروش الطغاة, الثورة بإسم الجياع, الثورة ضد الظالمين؛ فهذه المفردات غالبا ما تكون مكونة لمفهوم الثورة, وإحدى أسس تكوينها التي تقوم عليها, بل وتمثل أحيانا روح وجوهر الفلسفات التي تقوم عليها أغلب الثورات في العالم البشري.

   النوع الثاني من الثورات, وهو عادة ما يكون أقسى وأشد تأثيرا في إرتداداته الواقعية والقيمية والمادية, ينطلق من أسباب تمثل في جوهرها اجزاء مهمة, من تكوين الشخصية الإنسانية في جانبها العقائدي والقيمي, وترتبط في الوقت نفسه, بجانب يمثل جوهر الوجود الإنساني للجماعات البشرية, وهي الثورات الدينية القائمة على أسس عقائدية, والتي يرتبط بها مصير العقيدة التي تؤمن بها مجموعة بشرية ما.

   مع أن النوعان يتميزان بخصائص مشتركة, منها ضرورة وجود مجموعة بشرية تؤمن بمبادئ معينة, وضرورة وجود تحرك أو فعل مضاد ضد وضع قائم؛ إلا أن كلاهما يختلفان في الكثير من الأسس والإتجاهات, بل ويختلفان في النتائج وفي نوع التحرك وقوته؛ وفي رأيي أن الثورة الدينية الإلهية, تكون أوسع وأكثر شمولا وقوة وتأثيرا, وتستغرق فترة زمنية أكبر وأكثر, لأنها في جانب مهم منها تتعلق ببعدين: البعد الحياتي الوجودي القيمي للبشر, ومحاولة الدفاع عن العقيدة الإلهية , وحفظ مساراتها عن الاعوجاج والتحريف والتغيير والتبدل؛ وفي جانبها الثاني , تمثل بعدا ميتافيزيقيا(ما ورائيا) يتعلق بعالم الآخرة, ويتعلق بما سوف يتعرض له الإنسان من حساب وثواب وعقاب.

   ما يميز ثورة الإمام الحسين عليه السلام, أنها انطلقت في مساراتها التكوينية التأسيسية, من كلا الاتجاهين, فكانت في جانب منها تمثل ثورة مدنية, يمكن لمبادئها أن تتلاءم مع كل العصور والأزمان, وفي نفس الوقت يمكن لها أن تتلاءم مع مفهوم الدولة المدنية والعصرية الحديثة, حيث تصان بها الحقوق الإنسانية, وتؤسس في الوقت نفسه لما يمكن أن نطلق عليه مصطلح: الدينامكية الرقابية للثورة, وهو إفراز مهم ينتج عن الثورات الناجحة؛ وفي جانبها الآخر تمثل بعدا روحيا دينيا عقائديا, يلهم الثورات الدينية التي تدعو الى إصلاح الفساد, الذي يطال المؤسسات الدينية, المرتبطة عادة بالسياسة, والمتحكمة بمصير الناس وعقائدهم وعواطفهم.

   السلطة الدينية تمثل في جانب منها, سلطة قوة تأثيرية, تملك مساحة واسعة من التحرك, الغير قابل للمسائلة من قبل عوام الناس, لما تملكه من شبه حصانة قدسية, غالبا ما يتم استغلالها من قبل ادعياء الدين السياسي على مر التأريخ, وتوظيف ذلك في تسيير الناس وتحطيم الحراك العقلي التطوري لديهم.

   ثورة الإمام الحسين ع , جاءت لتبين أنها ثورة ضد هذا الطوق الديني المزيف, ثورة ضد أدعياء الإلهية المزيفة, ثورة تمثل الجانب الإلهي الصحيح, الذي يوفر للبشر الحياة الكريمة, والعقيدة الصحيحة الصافية من التلوث بشوائب الانحراف والإستغلال؛ وهذه الخصيصة, قلما نجدها تجتمع في ثورة من الثورات التي شهدتها البشرية.

  ثورة الإمام الحسين, هي ثورة الرب بشكلها البشري.

*ماجستير فكر سياسي امريكي معاصر- باحث مهتم بالآديولوجيات السياسية المعاصرة .


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


د . محمد ابو النواعير
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2014/10/29



كتابة تعليق لموضوع : الحسين (ع) بين البشرية والإلهية.
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net