خطورة مفهوم " حلقات الصراع " ناشئةٌ من حضوره في كافّة خلايا ومجالات الحياة ، ولايمكن التكوّن ذهنياً وتصديقياً لسلسلة المناهج والأنساق والأنظمة وميزان القوى والسلطة وعوامل النفوذ والسيطرة ثم الهزائم والانتصارات بمعزل عن حلقات الصراع ، وكما لايمكن ذلك فلايمكن أيضاً فصل هذا المفهوم وإخراجه من فضاء " العقل الثاني " أي العقل العملي المسمّى بالأخلاق أو الحكمة العملية ، من باب فاعلية ودخول الحسن والقبح والعدل والظلم في ممارسات هذا المفهوم حدّ التماهي ، وبما أنّ العقل العملي في طول العقل الأول طبق القانون العقلي فإنّه يعني ديمومة الحضور والتماهي بدوام الحياة . ولايخفى أنّ مثل " حقّ الطاعة " و" الولاء " و" شكر المنعم " رغم كونها معركة الآراء إلّا أنّ الغالب عدّها في طول الشريعة لاعرضها، وثمرة النزاع تتجلّى في حلقات الصراع حينما تؤدّي هي ونظائرها دوراً مفصلياً في حسم نتائج أيّ صراع . من هنا ذاع صيت حلقات الصراع وحيوية نقاشاتها في فضاءات العقل والفكر والمعرفة والوجدان الإنساني ، وتأثيراتها المباشرة في مصير الاُمم والشعوب عَقَدياً واجتماعياً وسياسياً واقتصادياً و... كما لايغيب عنّا : أنّ حلقات الصراع تعني في جملة من مراحلها : الإقصاء والحذف والتضليل ، كما تعني التعويض والتبديل والاستغناء والاستخدام المشروط غالباً بالطاعة والولاء .. من هنا فكلّ حلقة متصارع معها ليست شيئاً ثابتاً لايمكن إزاحته وتغييره ، بل هي - في طول الوصول إلى المراد - قد تكون مشروعَ تهميشٍ ونفي وتشويه مادامت عائقاً دون الهدف ، مادامت مصدر إزعاج ومنافسة ورقابة . ثم مادامت حلقتنا حلقة إنسانية فهي غير ميكانيكية ، نعني : هي حلقة بشرية روحية متحرّكة بوحي العقل والشعور لا بوحي القانون الميكانيكي النيوتني الثابت ، القانون الذي اُطيح به أيضاً بظهور " مبدأ الاحتمال "الذي يمنح فرصةً أكبر للعودة إلى القوّة المهيمنة العليا ، قوّة الخالق تبارك وتعالى ، ومن ظرافة هذا المبدأ : أنّ الكون إذا لم يخضع لقانون نيوتن الميكانيكي فبالأولى عدم خضوع الإنسان له ؛ لكونه كتلة جوانح وجوارح وأحاسيس نابضة بالحركة والتغيّر والتقلّب آناً بعد آن ، التي بدونها لايبقى للعقل العملي أيّ معنى ومفهوم . نعم ، وُلِد ابن آدم وولدت معه غريزة حبّ التملّك والحزن والألم والغضب والفرح و... التي تكبر معه طردياً ، فهو يروم ويقصد ويطمح ويكادح دون البلوغ والوصول وقطف الثمار ، تارةً بالسبل المشروعة واُخرى بالسبل المرفوضة ، وعلى كلا الحالين لابدّ من العقل الثاني ومؤنه ، سواء السليمة منها أم السقيمة ، وهذا هو قانون الصراع الذي تتفرّع منه حلقات الصراع ، وإلّا ماكان الخير ولاكان الشرّ ، ولاكان العدل ولاكان الظلم ، وماعرفنا معنى الحسن والقبح . ذهب العديد منّا ومن غيرنا في مبحث " حلقات الصراع " إلى تحقّق الإجماع المركّب ، أي أنّها معادلة لاتحتمل أكثر من طرفين : إمّا النفي أو الإثبات ولاثالث . بعبارة اُخرى : إمّا الطرد والحذف أو الإبقاء بشرط الطاعة العمياء والولاء المطلق . لكنّا نقول استناداً إلى المفهوم القرآني المبارك " وكذلك جعلناكم اُمّةً وسطا " : الإجماع المركّب باطلٌ وغير متحقّق هنا ؛ بدليل إمكان الجمع العقلاني والوجداني بين الأمرين نصّاً وعقلاً ، بإبقاء ماكان وضمّ الجديد باعتماد آلية الحلّ الوسط طبق منهجٍ وقانونٍ ونظامٍ محكّم باُصول الدين والشريعة .
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat