صفحة الكاتب : د . حامد العطية

أما زال العراقيون يسخرون من الهنود؟
د . حامد العطية

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
      عندما يعاب على عراقي تصرف ما يرد نافياً عن نفسه التهمة ومستنكراً بالقول: وهل أنا هندي؟ والقصد أنه لو كان هندياً لتصرف بحماقة، أما ولكونه عراقياً فمن المحال.
      في أيام الطاغية البعثي نشرت صحيفة تابعة لإبن الطاغية الفاسد سلسلة مقالات تشكك في عروبة قبائل الجنوب، وتدعي أنهم  أحفاد الزط الهنود، الذين استقدموا في العهد الأموي مع جواميسهم واسكنوا جنوب العراق لتعميره، وهي فرية لا تستحق الاهتمام، وما يهمنا من التذكير بها هنا هي مدلولاتها العنصرية، إذ يتبنى كثير من العرب نظرة عنصرية استعلائية تجاه الأقوام الأخرى ومنهم الهنود.
    لا فضل للعراقيين على الهنود في نشوء الحضارة، فالحضارتان الهندية والعراقية قديمتان، عمر الحضارة الهندية خمسة ألاف سنة، وفي العراق أيضاً.
    الهند شبه قارة ومساحتها تزيد على ثلاثة ملايين كيلومتر مربع، والعراق في وضعه الحالي شبه دولة، ومساحته أقل من نصف مليون كيلومتر مربع.
   اتسعت أرض الهند لأكثر من مليار إنسان أو سدس البشرية تقريباً، أما في العراق فقد ضاقت الأرض بما رحبت على ثلاثين مليون نفر فقط.
   توجد في الهند ألفا مجموعة إثنية، يعيشون في سلام ووئام، أما في العراق إثنتان فقط: العرب والكرد، والصراع بينهما قائم منذ عشرات السنين، ويطمح الكرد للإستقلال عن العرب، وبالطبع يسخر كل منهما من الآخر.
   عدد اللغات الرسمية في الهند ثمانية عشر، وينطق سكانها بأكثر من ثلاثمائة لغة، وألف وستمائة لهجة أو لغة محكية، وفي العراق لغتان العربية والكردية، ومع ذلك فالاتصال والتفاهم بين العراقيين شبه مفقود، وكأن لعنة بلبلة ألسنة مشيدي برج بابل ما تزال سارية.
   في الهند عدد غير قليل من الأديان والطوائف الدينية، وكل شيء تقريباً يعبد في الهند، بما في ذلك الله والمسيح ويهوه والأصنام و البقر والفيلة والقرود والفئران، فيما معظم العراقيين مسلمون موحدون، ولكنهم كما يبدو مقصرون في حق الله وغير مستحقين للحياة الطيبة التي وعد الله بها عباده الصالحين.
    كانت الهند دويلات متفرقة ومتشاحنة ثم توحدت في فدرالية قوية ومتماسكة، وكان العراق دولة موحدة وأصبح فدرالية مهلهلة، واليوم سائر في طريق الانحدار نحو التقسيم.
    في الهند نظام برلماني علماني وأكبر ديمقراطية في العالم عمرها ستون سنة متواصلة، أما في العراق فالنظام المستحدث منذ عشر سنين طائفي تحاصصي توافقي، أي بإختصار مسخ.
    في الهند تسع عشرة ولاية وخمس مقاطعات تدار بكفاءة وتنسيق عاليين، وفي العراق إقليم واحد، ويبدو العراقيون عاجزين عن إدارة شؤونهم بالحسنى، وهم على شفير حرب أهلية عبثية.
    ترتيب الاقتصاد الهندي هو الرابع في العالم، أو العاشر من حيث الناتج الإجمالي الكلي، ولديها أقوى قطاع في تكنولوجيا المعلومات في العالم، والعراق من أثرى الدول في الموارد الطبيعية، وهو من أفقر الدول، من حيث التنمية والدخل الفردي، وما يزال في مرحلة ترميم وتطوير بنيته التحتية.
   هل الاحتلال الأجنبي هو السبب الوحيد في تدهور الوضع العراقي؟ احتلت بريطانيا الهند والعراق، جثم الاحتلال البريطاني على أرض الهند حوالي مائتي عام، أما في العراق فلم يدم سوى بضع سنين، ثم احتله الأمريكيون مؤخراً بسبب نظامه التسلطي السابق ومغامراته العسكرية الحمقاء، وعاثوا فيه فساداً وتخريباً. استقلت الهند في 1947م وتمكنت خلال هذه الفترة الزمنية القصيرة نسبياً منذ الاستقلال على تجاوز ترسبات الاحتلال الأجنبي، وأكملت استقلالها، واتمت قدراتها العسكرية، وبسطت سيادتها على كامل أراضيها، أما العراق فقد كبل نفسه بإتفاقية أمنية استراتيجية مع الحكومة الأمريكية، ويرفض قادته الفاشلون والفاسدون والكثير من مواطنيه تحمل المسؤولية عن تدهور أحواله، ويلقون بها أو بمعظمها على الاحتلال والتدخلات الأجنبية الحقيقية منها والمزعومة.
   بعد هذه المقارنة السريعة نسأل هل يحق لعراقيين السخرية من الهنود؟  بل هل يلام أحد اليوم لو سخر من العراقيين وأوضاعهم المزرية؟ لا يحل لقوم أن يسخروا من قوم عسى أن يكونوا خيراً منهم، ورحم الله قوماً عرفوا قدر أنفسهم، فنهضوا لتغيير ما فيها وإصلاحها.
(للإسلام غايتان عظمتان هما الإحياء والإصلاح ووسيلة كبرى هي التعلم)
18 تموز 2014م

قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


د . حامد العطية
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2014/07/19



كتابة تعليق لموضوع : أما زال العراقيون يسخرون من الهنود؟
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net