صفحة الكاتب : بوقفة رؤوف

منظومة الظلم
بوقفة رؤوف

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

 يعتقد البعض أن الظلم حالة فردية و بهذا يتم التركيز فقط على ظالم بذاته , لكن الحقيقة الظلم عبارة عن منظومة اجتماعية متكاملة متداخلة في شكل أهرام عديدة متناسقة مع بعضها لتشكل في مجموعها هرم كبير
في مجتمعاتنا يتم التركيز على قمة الهرم السحلية لنحاول في نضال مستميت أن نقطع رأسه مسجلين بذلك أكبر انتصاراتنا في محاربة الظلم لكننا نحن نقطع ذيل سحلية سرعان ما ينموا من جديد وربما أقوى وأشد من الجزء المبتور
كل شخص منا ظالم ومظلوم في الوقت ذاته , في المجتمع الحضاري , الظالم يتضامن مع ذاته والمظلوم يتضامن مع غيره فتتجسد العدالة وذلك بكف يد الظالم والأخذ بحق المظلوم أما في مجتمعاتنا النائمة بعيدا عن الحضارة فالمظلوم يتضامن مع ذاته والظالم يتضامن مع غيره مشكلين بذلك منظومة ظلم هرمية أفقيا وعموديا في النسيج الاجتماعي فهي ان لم تساهم في نشر الظلم والتقنين له ولم تؤازر الظالم في ظلمه تكتفي بموقف المتفرج فيتحول الظلم الواقع من الخطب الجلل الى لا حدث وهذا هو الظلم السلبي
وكل النضال والجهاد الاجتماعي و الكفاح السلمي الذي يقومون به المؤمنون بالتغيير في منظومة الظلم هو استبدال ظالم بظالم مثله أو أشد منه بأسا حتى ولو كان هذا المستبدل زعيم المكافحين والمناضلين ضد الظلم وقائد معارضة الظلم ورافع شعار المظلومية  فانه سيأخذ مباشرة مكان الجزء المزاح من على الهرم ليكون هو الجزء الأظلم في مصفوفة الظلم الاجتماعي
وضرب الظالمين بعضهم ببعض لا يعني بالضرورة , ضرب الدول الظالمة بعضها لبعض كما أفهمونا إياه فالظالم لا يضرب ظالم بل على العكس يحترم الظلمة القاسم المشترك الذي بينهم وهو الظلم فهو بالنسبة لهم رابط مقدس وان بدا بينهم صراع فهو التنافس المحموم لمن يظلمنا أكثر فهم يسارعون لنيل رضا الظلم المقدس  لا غير وبالتالي ضرب الظالمين لبعضهم البعض يكون داخل منظومة الظلم الهرمية الاجتماعية كعملية انتخاب طبيعي لظالم مكان ظالم آخر في قمم الأهرام المشكلة للهرم الأكبر وهذا التدافع الداخلي في منظومة الظلم الاجتماعية هو الذي يجددها ويحافظ على وجودها مرمما كل ما تصدع منها وتهدم
ومن العبث أن نأمل التغيير من داخل منظومة الظلم الاجتماعية حتى ولو كان هناك صراع بين رؤوس الأهرامات المنضوية والمشكلة للهرم الأكبر فهو صراع تنافسي لحوز قصب السبق لا لتغيير الوضع وان حدث وان تدرج احدهم في السلسلة الهرمية فهو سيكون دوما وفيا لمنظومة الظلم
والتدرج في الارتقاء لأجل التربع على رأس الهرم له مسلكان ان لم نقل وجهان لعملة واحدة ,الأول وهو التدرج الهيكلي الوظيفي في الهرم من القاعدة الى الرأس ومن الهرم المشكل الذي هو جزء الى الهرم المتشكل الذي هو الهرم الكلي والمسلك الآني وهو الانخراط في معارضة سواء معارضة الهرم الجزئي أو الهرم الكلي دون الكشف عن منظومة الظلم الذي من مصلحة الجميع أن تبقى غير مرئية وغير معلومة وغير مكشوفة حتى لا تستهدف ,لأن في استهداف منظومة الظلم وتفكيكها فسوف تختفي شبكة ريعية منتفعة متطفلة
والظلم يحمل معنى الجور وعدم الإنصاف و لا عدل والانحراف ووضع الأمور في غير موضعها والغصب والانتقاص والإساءة سواء للنفس أو للغير والأَذًى والإِجْحاف والِاسْتِبْدَاد والاستطالة والإِضْرار والاضطهاد والبَغْي والتَجَاسُر والتَحَكُّم والتَسَلُّط و التَعَدٍّ والتَعَسُّف والتَعْذِيب والتَفَرُّد و الحَيْف و الشَطَط و الضَيْم و الطُغْيان و العُدْوَان و القَهْر والجَنَف و المَيْل عَنِ الحَقّ والحَيْف وكل هذه المعاني نجدها متصافة ومتكاتفة ومنسجمة بإثراء وتنوع في منظومة الظلم الاجتماعية التي تجعل وحداتها تتفنن كل على حدى في تطبيق الظلم بأنواعه وأصنافه
ومنظومة الظلم متغلغلة في المجتمع النائم بعيدا عن الحضارة في كامل أطيافه وأشكاله والعجيب أنها جزء لا يتجزأ من آليات مكافحة الظلم وان اختلفت التسميات وتنوعت من مكافحة الجريمة ومحاربة الفساد والرشوة وهي التي تسن القوانين التي تعرف الظلم وتجرمه وتحدد عقوباته وتتضخم منظومة الظلم الى ان تتخذ الشكل النهائي فتصبح المافيا هي المسيطرة على المجتمع وعلى الدولة وتصبح أجهزة الدولة من شرطة وسجن ومحكمة مخترقة من طرف المافيا فيصبح الشعب والدولة في خدمة المافيا , سواء كانت المافيا متخذة شكل بدائي قائم على تجارة الجنس والمخدرات كما كان حال بعض الدول اللاتينية أو كانت مافيا قامت بعملية تبيض لذاتها حيث تقنن أعمالها مضفية على نشاطاتها الصبغة القانونية متجسدة في شركات متعددة الجنسيات تحتكر صناعة وتجارة السلاح وغير ذلك من الصناعات والتجارات المسيطر بها على الدول وعلى الاقتصاد العالمي
لقد نجحت ثقافة منظومة الظلم من مكننة الفرد وجعله مجرد حلقة في سلسلة الظلم العالمي , عن طريق القولبة الاعلامية والنمطية السلوكية ,أصبح الفرد مكتفي بمهمة لبنة في الهرم دون تخطي مهمته ثم تم تفعيل جينة الظلم لدى فرد واحد من المجتمع و عن طريق قانون الجذب جذب اليه كل فرد مفعّل جينة الظلم لديه , فتحول الظلم من استثناء فردي الى توليفة جمعية .
والظلم موجود بوجود الانسان باعتباره جزء من الطبيعة البشرية فلا يمكن أن نتصور بشر دون ظلم والا تحول المجتمع الى مجتمع ملائكي , لكن يجب أن نفرق  بين الدولة المتحضرة والمجتمع الذي يعيش حالة النوم بعيدا عن الحضارة والمجتمع الحضاري  هو أن الدولة المتحضرة تقوم بعملية التنفيس أو التصدير فهو يصدر الظلم الى خارج جماعته حتى لا يتفكك ويحافظ على تركيبته ووجوده مثله مثل الأرض التي تنفس عن ذاتها عن طريق البركان الذي يخرج الطاقة المدمرة الى سطحها ولا يجعلها تتآكل داخليا وهذا ما يقوم به المجتمع الغربي تتزعمه امريكا
أما المجتمع الذي يعيش حالة النوم بعيدا عن الحضارة فانه يقوم بعملية الردع والغرق فهو لا يسمح للظلم الداخلي من الخروج خارج حدود المجتمع بل يبقيه داخليا بحكم الروح القبلية المسيطرة عليه فيتأكل داخليا ويهتلك ذاتيا وهذا ما تقوم به الدول العربية باحترافية مطلقة
يبقى هناك المجتمع الحضاري وهو مجتمع يقوم بعملية رقابة ذاتية على منظومته الثقافية والأخلاقية لم يقع في مأزق المجتمع المقولب ولا الثقافة النمطية عكس مجتمع الدولة المتحضرة الغربية حيث أن المجتمع هناك هو مجتمع أسير لا يقوم بعملية الرقابة الذاتية بل تقوم بها الدولة فهو مجتمع مبرمج متلاعب بوعيه وهذا المجتمع الحضاري هو المجتمع الشرقي من ناحية اليابان والصين حيث لا يقوم لمجتمع المتحضر بتصدير الظلم خارج حدوده ولا يقوم باستهلاكه داخليا بل يقوم بعملية تدوير للطاقة وتحويل السلبية منها الى ايجابية و نجد أقرب مثال مجسد لها حركة اللاعنف التي حرر بها غاندي الهند.
                                                  

 


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


بوقفة رؤوف
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2014/05/08



كتابة تعليق لموضوع : منظومة الظلم
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net