صفحة الكاتب : عبود مزهر الكرخي

فاطمة الزهراء(عليها السلام) دلالات ومؤشرات/ الجزء التاسع
عبود مزهر الكرخي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

 غضبها وهجرانها أبا بكر إلى حين وفاتها(ع)

فقد نقل البخاري في صحيحه، قال:{:{حدثنا عبد العزيز بن عبد الله حدثنا إبراهيم بن سعد عن صالح عن ابن شهاب، قال: أخبرني عروة بن الزبير أن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها أخبرته أن فاطمة(ع) ابنة رسول الله(ص) سألت أبا بكر الصديق بعد وفاة رسول الله(ص)أن يقسم لها ميراثها ما ترك رسول الله(ص) مما أفاء الله عليه فقال لها أبو بكر: إنّ رسول الله(ص) قال: لا نورث ما تركنا صدقة، فغضبت فاطمة بنت رسول الله(ص)، فهجرت أبا بكر، فلم تزل مهاجرته حتى توفيت}.(1)

نعرف من أين فهم ابن حجر هذا التخصيص؛ لذا عارضته(عليها السلام) بالآيات القرآنية مما يدل على رفضها له، ومن الآيات التي استشهدت بها:

1ـ قوله تعالى: {وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ}.(2)

2ـ قوله تعالى: {فَهَبْ لِي مِن لَّدُنكَ وَلِيًّا * رِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ}.(3)

3ـ قوله تعالى: {وَزَكَرِيَّا إِذْ نَادَى رَبَّهُ رَبِّ لا تَذَرْنِي فَرْدًا وَأَنتَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ * فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَى}.(4)

4ـ قوله تعالى: {وَأُوْلُو الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ}.(5)

5ـ قوله تعالى: {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلاَدِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ}.(6)

6ـ قوله تعالى: {كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِن تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالأقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ}.(7)

إذن هذه الآيات دليل رادع وواضح على أن الأنبياء يرثون، ويورّثون لا كما يُدعى من رواية أبي بكر المتقدمة.(8)

ينقل لنا ابن أبي الحديد في شرح النهج، قوله:

"لقد توفيت فاطمة(عليها السلام) غاضبة على أبي بكر بسبب حرمانه إياها من ميراثها من النبي(صلى الله عليه وآله وسلم)، فكما يروي البخاري في صحيحه بالسند إلى عائشة(رضي الله عنه) قالت: ".... إنّ فاطمة(عليها السلام) بنت رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)طلبت ان يقسم لها ميراثها، ما ترك رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) مما أفاء الله عليه. فقال لها أبوبكر: إنّ رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) قال: لا نورث، ما تركنا صدقة، فغضبت فاطمة بنت رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) فهجرت أبا بكر فلم تزل مهاجرته حتى توفيت، وعاشت بعد رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) ستة أشهر. قالت: وكانت فاطمة تسأل أبا بكر نصيبها مما ترك رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)من خيبر وفدك وصدقته بالمدينة، فأبى أبو بكر عليها ذلك، وقال: لست تاركاً شيئاً رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) يعمل به.(9)

وقد كان غضبها على أبي بكر عظيماً إلى الحد الذي جعلها توصي علياً(عليه السلام)أن لا يصلي أبو بكر عليها بعد وفاتها، بل ولا حتى أن يمشي في جنازتها، حيث وارى الإمام علي(عليه السلام) جثمانها الطاهر سراً في الليل كما أخرج ذلك البخاري في صحيحه بالسند إلى عائشة(رضي الله عنه): "....فأبى أبو بكر أن يدفع إلى فاطمة منها شيئاً، فوجدت فاطمة على أبي بكر في ذلك فهجرته فلم تكلمه حتى توفيت: وعاشت بعد النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) ستة أشهر، فلما توفيت دفنها زوجها علي ليلاً، ولم يؤذن بها أبا بكر وصلى عليها."(10)

ومن صراحته قوله قبل موته ثلاثة وددت فعلتهنّ وأنّي تركتهنّ، وثلاث تركتهنّ وددت أنّي فعلتهنّ، وثلاث وددت أنّي سألت عنهنّ رسول الله .
وهذا حديث مهم جدّاً، والقدر الذي نحتاج إليه الآن هو سنسرده كالآتي:
ونعود لوفاة أبي بكر لنجد أنّه وقبل موته ندم على ما اقترفت يداه، فقد نقل ابن قتيبة في تاريخ الخلفاء قوله: "أجل والله ما آسى إلاّ على ثلاث فعلتهن ليتني كنتُ تركتهنَّ: فليتني تركتُ بيت علي، وفي رواية لم أكشف بيت فاطمة عن شيء، وإن كانوا قد أعلنوا علىّ الحـرب، وليتني يوم سـقيفة بني ساعدة كنتُ ضربتُ على يد أحد الرجلين أبي عبيدة أو عمر، فكان هو الأمير وكنتُ أنا الوزير، وليتني حين أتيتُ ذي الفجاءة السلمي أسيراً أني قتلتُه ذبيحاً أو أطلقته نجيحاً، ولم أكن أحرقُته بالنار".(11)

وننقل تعليق د. محمد التيجاني عن هذا الأمر وهو تعليق واقعي وجميل حيث يقول :

"ونحن نُضيف: ليتك يا أبا بكر لم تظلم الزهراء، ولم تؤذها، ولم تغضبها، وليتك ندِمتَ قبل موتها وأرضيتها، هذا بخصوص بيت علي الذي كشفتَهُ وأبحتَ حرقَهُ.

أما بخصوص الخلافة فليتك تركتَ صاحبيك وعضديك أبا عبيدة وعمر، وضربت على يد صاحبها الشرعي الذي استخلفه صاحب الرسالة، فكان هو الأمير، إذن لكان العالم اليوم غير ما نشاهده، ولكان دين الله هو الذي يسود الكرة الأرضية، كما وعد الله ووعده حقّ.

وأمّا بخصوص الفجاءة السلمي الذي أحرقته بالنّار، فيا ليتك لم تحرق السّنن النبويّة الّتي جمعتها، ولكنت تعلّمت منها الأحكام التشريعية لصحيحة، وما التجأت إلى الاجتهاد بالرأي.

وأخيراً وأنت على فراش الموت ليتك إذا فكّرتَ في الاستخلاف، أرجعت الحقّ إلى نصابه إلى من كان محلّه منها محلّ القطب من الرّحى، فأنت أعلم النّاس بفضله وفضائله، وزهده وعلمه وتقواه، وأنّه كان كنفس النّبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، وخصوصاً أنّه سلّم لك الأمر، ولم يناجزك حفاظاً على الإسلام، فكان حريّاً بك أن تنصح لأُمّة محمّد (صلى الله عليه وآله وسلم)، وتختار لها من يصلح شأنها، ويلمّ شعثها، ويوصلها إلى ذروة المجد.

وندعو الله سبحانه وتعالى أن يغفر لك ذنوبك، ويُرْضي عنك فاطمة وأباها، وزوجها وبنيها، فقد أغضبت بضعة المصطفى، والله يغضبُ لغضبها ويرضى لرضاها، كما وأنّ من من آذى فاطمة فقد آذى أباها بنصّ حديثه (صلى الله عليه وآله وسلم)، والله تعالى يقول: {وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ رَسُولَ اللّهِ لَهُمْ عَذَابٌ ألِيمٌ}.

ونعوذ بالله من غضب الله، ونسأله أن يرضى عنّا وعن جميع المسلمين والمسلمات، والمؤمنين والمؤمنات".(12)

وأمّا هذا الخبر ـ خبر تمنّيه هذه الأُمور ـ ففي : تاريخ الطبري، وفي العقد الفريد لابن عبد ربّه، وفي الأموال لأبي عبيد القاسم بن سلاّم المحدّث الحافظ الكبير الإمام، وفي مروج الذهب للمسعودي، وفي الإمامة والسياسة لابن قتيبة.(13)

وبعدما قالت له فاطمة (عليها السلام) : واللهِ لادعونَّ اللهَ عليك في كل صلاة اصليها ،خرج باكياً فاجتمع إليه الناس فقال لهم :يبيت كل رجل منكم معانقاً حليلته مسروراً بأهله، وتركتموني وما أنا فيه ، لا حاجة لي في بيعتكم ، أقيلوني بيعتي.(14)

ولو بحثنا وتعمقنا في سبب غصب حق الزهراء ومظلوميتها لاستنتجنا أن الموضع اكبر من ذلك وهو يعني وبالتالي الاعتراف بحق الزهراء التاريخي وبحق زوجها  في الخلافة والإمامة والتي سنطلع من خلال ما ندرجه أدناه من دلائل وبراهين ونرجو من الله أنه قد أشبعنا الموضوع من دراسته وهي كالتالي :

"وسألت علي بن الفارقي مدرس المدرسة الغربية ببغداد، فقلت له: أكانت فاطمة صادقة؟ قال: نعم قلت: فلم لم يدفع إليها أبو بكر فدك وهي عنده صادقة؟ فتبسم، ثم قال كلاماً لطيفاً مستحسناً مع ناموسه وحرمته وقلة دعابته.

قال: لو أعطاها اليوم فدك بمجرد دعواها، لجاءت إليه غداً وادعت لزوجها الخلافة وزحزحته عن مقامه، ولم يكن يمكنه الاعتذار والموافقة بشيء؛ لأنه يكون قد سجل على نفسه أنها صادقة فيها تدّعي كائناً ما كان من غير حاجة إلى بيّنة ولا شهود.

ثم يقول ابن أبي الحديد: وهذا كلام صحيح. وإن كان أخرجه مخرج الدعابة والهزل."(15)

"إنّ فدك - كما ذكرنا آنفاً - هي في الظاهر قرية مخضرة مثمرة قريبة من خيبر، لم تخفَ حدودها على أحد، لكن الغريب ماورد في جواب الإمام موسى بن جعفر(عليه السلام) لهارون الرشيد عند ما سأله الأخير قائلا:

«حُدَّ فدكاً حتى أردها إليك»

حيث أبى الإمام(عليه السلام) لكن الرشيد ألحَّ عليه.

فقال(عليه السلام): لا آخذها إلاّ بحدودها.

قال هارون: و ما حدودها؟

قال(عليه السلام): إن حدّدتها لم تردّها.

قال هارون: بحق جدك إلا فعلت؟

قال(عليه السلام): أما الحد الأول فعدَن، فتغير وجه الرشيد و قال: أيهاً، قال: و الحدّ الثاني سمرقند، فاربد وجهه، قال: و الحدّ الثالث أفريقية فاسودَّ وجهه، و قال: هيه، قال: و الرابع سيف البحر مما يلي الجزر وأرمينية.

قال الرشيد: فلم يبقَ لنا شيء، فتحول إلى مجلسي.

قال الإمام(عليه السلام): قد أعلمتك أنني إن حددتها لم تردها ، فعند ذلك عزم على قتله".(16)

فهذا الحديث دلالة واضحة على إرتباط قضية «فدك» «بالخلافة»، و يبين أن المهم في الأمر كان غصب خلافة رسول الله(صلى الله عليه وآله). و إذا أراد هارون أن يعيد فدك فان عليه أن يتخلى عن الخلافة، و هذا ما جعله يلتفت إلى أن الإمام موسى بن جعفر(عليه السلام) إذا شعر بالقوة سيزيله عن الخلافة، و لذلك عزم الرشيد على قتل الإمام(عليه السلام).

ففدك ليست ارث وتقسيم للعطايا بل تمثل رمز لأحقية علي بالخلافة وهي عطية من الرسول ولهذا نقول عنها نحلة وتعني أنها بمثابة هبة للرسول محمد(ص)وهبها خالصة لأبنته الزهراء(ع) وهو حتى يناقض ما ادعى به أبو بكر من الأنبياء لايوروثون والذي أثبتنا بأنه حديث مختلق وحتى في فرضية هذا الحديث ففدك هي هبة وعطاء من الرسول (ص) إلى فاطمة الزهراء (ع) وبأمر آلهي ولهذا عمل أبو بكر وعمر على غصب حق الزهراء روحي لها الفداء لأنها وكما ذكرنا آنفاً بأنها تمثل الخلافة وهي أبنته الزهراء التي من خديجة.

 والتي تذهب الكثير من المصادر بأنها ابنته الوحيدة وباقي البنات هنَّ ربائبه والذي يريد الزيادة فليراجع كتاب (الصحيح من سيرة النبي الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم: 2 / 121) للسيد جعفر مرتضى .

استنتاج

إن قصة «فدك» المؤلمة التي تحكي أحداث قرية صغيرة عانت الكثير عبر تاريخ الإسلام، تشير بوضوح إلى المؤامرة الكبيرة التي هدفت إلى إبعاد أهل بيت النبوّة(عليه السلام) عن منصب الخلافة الإسلامية و تجاهل مقام إمامتهم و ولايتهم، مؤامرة شملت مختلف الأبعاد.

لقد سعى السياسيون منذ البدء خصوصاً في عصر «بني أمية» و«بني العباس» أن يسدلوا الستار على أهل بيت النبوة(عليه السلام)، ويسلبوهم كل ميزة تؤدي إلى تفوقهم و انتصارهم، بل لم يتوانوا (عند لزوم الأمر) في الاستفادة من عنوان واسم أهل البيت(عليه السلام) في تحقيق مآربهم، في حين رفضوا ردَّ الحق إلى أصحابه!

نعلم جيداً أن حجم الدولة الإسلامية قد أتسع في عصر «بني أمية» و«بني العباس» كما زادت ثرواتها و كثرت ذخائر بيت المال بشكل قلَّ مثيله في تأريخ العالم إن لم ينعدم، و رغم أن فدك لم تكن لتشكل رقماً في مقابل كلّ ذلك، إلا أن الدوافع الشيطانية لم تسمح لهم برد الحق إلى أصحابه، بل والكف عن مواصلة التلاعب بهذه القضية.

و في الحقيقة، تعتبر قصة فدك وثيقة تاريخية إسلامية تثبت مقام آل بيت النبّي(صلى الله عليه وآله) الرفيع من ناحية، و تشير إلى ظلامتهم من ناحية أخرى، وتكشف الغطاء عن المؤامرات التي حاكها الأعداء لهم من ناحية ثالثة.(17)

موقف الشيخين من ميراث الزهراء !!!

ولنرى ماذا يقول الشهيد الشهيد الأول آية الله السيد محمد باقر الصدر(قدس سره).(18)

"1 ـ موقف الخليفة أبو بكر تجاه ميراث الزهراء (عليها السلام) الذي كان يستند فيه إلى ما رواه عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) في موضوع الميراث بأساليب متعدّدة وصور مختلفة لتعدّد مواجهات الخصمين فجاءت الأحاديث التي تنقل روايته وهي لا تتفق على حد تعبير واحد، ولا تجمع على لفظ معين لاختلاف المشاهد التي ترويها، واختصاص كل منها بصيغة خاصة للحديث على حسب ما كان يحضر الخليفة من عبائر أو تعدّد الروايات التي رواها في المسألة.

2ـ وقبل كلّ شيء نريد أن نلاحظ مقدار تأكّد الخليفة من صحّة الحديث الذي رآه دالاً على نفي توريث التركة النبوية واطمئنانه إلى سماع ذلك من رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وثباته عليه ويمكننا فهم ذلك ممّا تحدّثنا به الروايات.(19) من أن الخليفة سلم فدكاً للحوراء، وكاد الأمر أن يتمّ لولا أن دخل عمر وقال له: ما هذا؟ فقال له: كتاب كتبته لفاطمة بميراثها من أبيها، فقال ماذا تنفق على المسلمين وقد حاربتك العرب كما ترى. ثمّ أخذ الكتاب فشقّه، ونحن ننقل هذه الرواية في تحفّظ وإن كنّا نستقرب صحّتها لأنّ كل شيء كان يشجّع على عدم حكاية هذه القصّة لو لم يكن لها نصيب من الواقع. وإذا صحّت فهي تدلّ على أنّ أمر التسليم وقع بعد الخطبة الفاطمية الخالدة ونقل الخليفة لحديث نفي الإرث عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) لأنّ حروب الردّة التي أشار إليها عمر في كلامه ابتدأت بعد يوم السقيفة بعشرة أيام(20) وخطبة الزهراء (عليها السلام) قد كانت في اليوم العاشر أيضاً كما سبق.(21)

3- وقد أظهر الخليفة الندم في ساعة وفاته على عدم تسليم فدك لفاطمة(22)، وقد بلغ به التأثر حيناً أن قال للناس وقد اجتمعوا حوله: أقيلوني بيعتي. وهنا نعلق عن في بعض الروايات أنه قال وقبل موته((تمنيت أن لو لم أكشف على بيت فاطمة )).

{وهو مثبت بعدد من المصادر وروايات مختلفة. والتي أوردنا ماقاله أبو بكر حول ذلك  ولنكمل تحليل الشهيد الصدر}.

وندرك من هذا أنّ الخليفة كان يطوي نفسه على قلق عظيم مردّه إلى الشعور بنقص مادّي في حكمه على فاطمة، وتصل وضعف في المدرك الذي استند إليه ويثور به ضميره أحياناً فلا يجد في مستنداته ما يهدئ نفسه المضطربة، وقد ضاق بهذه الحالة المريرة فطفحت نفسه في الساعة الأخيرة بكلام يندم فيه على موقفه من الزهراء (عليها السلام) تلك الساعة الحرجة التي يتمثّل فيها للإنسان ما مثله على مسرح الحياة من فصول أوشك الستار أن يسدل عليها وتجتمع في ذاكرته خيوط حياته بألوانها المختلفة التي آن لها أن تنقطع فلا يبقى منها إلاّ التبعات.

4- ولا ننسى أنّ أبا بكر أوصى أن يدفن إلى جوار رسول الله (صلى الله عليه وآله)، ولا يصحّ ذلك إلاّ إذا كان قد عدل عن اعتبار روايته مدركاً قانونياً في الموضوع، واستأذن ابنته في أن يدفن فيما ورثته من أرض الحجرة - إذا كان للزّوجة نصيب في الأرض وكان نصيب عائشة يسع ذلك - ولو كان يرى أن تركة النبي (صلى الله عليه وآله) صدقة مشتركة بين المسلمين عامة للزمه الاستئذان منهم، وهب أنّ البالغين أجازوا ذلك فكيف بالأطفال والقاصرين ممن كانوا في ذلك الحين.

5- ونحن نعلم أيضاً أنّ الخليفة لم ينتزع من نساء النبي (صلى الله عليه وآله) بيوتهنّ ومساكنهنّ التي كنّ ممّن يسكن فيها في حياة رسول الله (صلى الله عليه وآله) فما عساه أن يكون سبب التفريق الذي أنتج انتزاع فدك من الزهراء(عليها السلام) وتخصيص حاصلاتها للمصالح العامة وإبقاء بيوت نساء النبي (صلى الله عليه وآله) لهنّ يتصرّفن فيها كما يتصرّف المالك في ماله؟ حتى تستأذن عائشة في الدّفن في حجرتها، أكان الحكم بعدم التوريث مختصاً بيضعة النبي (صلى الله عليه وآله) أو أنّ بيوت الزوجات كانت نحلة لهنّ، فلنا أن نستفهم عمّا أثبت ذلك عند الخليفة ولم تقم بيّنة عليه ولا ادّعته واحدة منهنّ وليست حيازتهنّ للبيوت في زمان رسول لله (صلى الله عليه وآله) شاهداً على ملكيتهنّ لها لأنها ليست حيازة استقلالية بل من شؤون حيازة النبي (صلى الله عليه وآله) ككل زوجة بالنسبة إلى زوجها. كما أنّ نسبة البيوت إليهنّ في الآية الكريمة: (وقرن في بيوتكنّ) لا يدلّ على ذلك، لأنّ الإضافة يكفي في صحّتها أدنى ملابسة، وقد نسبت إلى النبي (صلى الله عليه وآله) في القرآن الكريم بعد تلك الآية بمقدار قليل، إذ قال الله تبارك وتعالى: (يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوت النبي إلاّ أن يؤذن لكم)، فإذا كان الترتيب القرآني حجّة لزم الأخذ بما تدلّ عليه هذه الآية وورد في صحاح السنة عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) إسناد البيت إليه في قوله: (إنّ ما بين بيتي ومنبري روضة من رياض الجنة).

6 - ولنتساءل عمّا إذا كان الحكم بعدم توريث الأنبياء الذي ذهب إليه الخليفة ممّا اختزنه الوحي لخاتم المرسلين (صلى الله عليه وآله) واقتضت المصلحة تأخيره عن وقت الحاجة وإجراءه على الصديقة دون سائر ورثة الأنبياء أو أنّ الرسل السابقين قد أهملوا تبليغه وتعريف خلفائهم وورثتهم به طمعاً بالمادة الزائفة واستبقاءً لها في أولادهم وآلهم أو أنهم كانوا قد انتهجوا هذا الطريق ونفذوا الحكم بعدم التوريث، ومع ذلك لم يؤثر في التواريخ جميعاً أو أنّ السياسة السائدة يومذاك هي التي أنشأت هذا الحكم؟

7 - ومن جهة أخرى هل يمكننا أن نقبل أنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) يجر على أحبّ الناس إليه وأقربهم منه البلايا والشدائد وهي التي يغضب لغضبها ويسرّ لسرورها وينقبض لإنقباضها(23)، ولم يكن ليكلفه دفع هذه المحن عنها أكثر من إعلامها بحقيقة الأمر لئلاً تطلب ما ليس لها بحقّ، وكأن رسول الله (صلى الله عليه وآله) لذّله أن ترزى ابنته ثمّ تتسع هذه الرّزية فتكون أداة اختلاف وصخب بين المسلمين عامة، وهو الذي أرسل رحمة للعالمين فبقي مصراً على كتمان الخبر عنها مع الإسرار به إلى أبي بكر.

ويبدو أننا قد أشبعنا موضوع فدك من النقاش والأدلة التي جمعناها والتي توجد الكثير منها ولكننا اكتفينا بهذا القدر لنثبت إن فدكاً قد تم غصبها من سيدتي ومولاتي فاطمة الزهراء(عليه السلام) وان كل ما قيل غير ذلك أو أنكر غصب حق فدك للزهراء فهو أما قصير النظرة أو كاتب مخالف ارتأى أن يبقى على خلافه وناصبيته نتيجة أهواء أموية وعباسية متوارثة وهو حقد دفين منذ ذلك الوقت وحتى الآن وهم امتداد لوعاظ السلاطين وحاشية السلطان ومن لف لفهم.

وفي جزئنا القادم نسلسل الأحداث لكي نتطرق إلى اغتصاب حق الخلافة من أمير المؤمنين والهجوم على بيت الزهراء وحرقه وبالمصادر والذي سنكمله أن شاء الله إن كان لنا في العمر بقية.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

المصادر :

1 ـ  صحيح البخاري، ج4 ص209, الناشر: دار الفكرـ  بيروت. وصحيح مسلم:ج5 ص153. الناشر: دار الفكرـ بيروت.

2 ـ  النمل/16.

3 ـ  مريم/5-6.

4 ـ  الأنبياء/89-90.

5 ـ  الأحزاب/6.

6 ـ النساء/11.

7 ـ  البقرة/180.

8 ـ  شرح نهج البلاغة، ج16 ص212.

9- صحيح البخاري ج4 ص96 كتاب الخمس باب الفرائض.

10- صحيح البخاري ج5 ص177 كتاب المغازي باب غزوة خيبر.

11- تاريخ الطبري 2: 619، تاريخ دمشق 30: 420، الإمامة والسياسة 1: 36، تاريخ اليعقوبي 2: 137، ط دار صادر، باختلاف في الألفاظ.

12ـ كتاب فاسألوا أهل الذكر (تحقيق مركز الأبحاث العقائدية) (محمد التيجاني السماوي). ص 307 ، 308

13 ـ كتاب الأموال : 131، الإمامة والسياسة 1 / 18، تاريخ الطبري 3 / 430، العقد الفريد 2 / 254 .

14 ـ  الإمامة والسياسة، ابن قتيبة 1 / 14، أعلام النساء 3 / 314.

15 ـ  شرح نهج البلاغة، ج16 ص284. الفصل الثالث: في أن فدك هل صح كونها نحلة رسول الله لفاطمة

16. بحار الانوار، ج8 ص106،  كما روى ذلك ابن شهرآشوب في مناقبه.

17 ـ  مؤسسة الكاظم السيرة الاسلامية وكتب التاريخ ص 96 ـ 97.

18 ـ  مقتبس من كتابه(فدك في التاريخ): ص 149،ط الدار العالية بيروت – الطبعة الأولى 1987 م.19 ـ ذكره سبط ابن الجوزي كما في سيرة الحلبية: ج 3 ص 391.

20 ـ  راجع مروج الذهب: ج 2 ص 193.

21 ـ ولعل هذا يضعف من شأن الرواية لأن الخليفة لو كان مستعداً للتراجع لأجاب الزهراء إلى ما تطلب في المسجد حينما خطبت وأسمعته من التأنيب والتقريع الشيء الكثير.

22 - رواه الطبري كما في: 18 من سمو المعنى في سمو الذات، للأستاذ الكبير عبد الله بعلايني.

23 - هذه صيغ أحاديث متعددة وردت في الصحاح عن النبي (ص).


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


عبود مزهر الكرخي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2014/04/26



كتابة تعليق لموضوع : فاطمة الزهراء(عليها السلام) دلالات ومؤشرات/ الجزء التاسع
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net