شروط المرجعية السياسية
محمد وحيد حسن الساعدي
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
محمد وحيد حسن الساعدي

اذا قلنا بالتعددية و التخصص في المرجعية فما هي الشروط العامة التي لايد من توفرها في المرجع الديني السياسي و هل تختلف عن شروط العامة المطلوبة في المرجع الديني في الفتيا و الفكر وبصدد الجواب عن هذا السؤال يمكن ان نذكر ان الشروط المطلوبة في المرجعية السياسية هي ذاتها المطلوبة في المرجعية في الفتيا مع اختلاف في الدرجة وبعض الخصوصيات و المواصفات و لتوضيح ذلك نذكر هذه الشروط واحدا تلو الاخر:
اولا : العلم :
ان العلم في المرجعية في الفتيا لابد ان يكون على المستوى الاجتهاد المطلق الفعلي في استنباط الاحكام الشرعية ولا يكفي الاجتهاد المطلق على مستوى الملكة فضلا عن الاجتهاد المتجزئ بل لابد ان يكون هو الاعلم بين المجتهدين في موارد الخلاف عند تعدد المجتهدين كما هو معروف بين الفقهاء ولكن في المرجعية السياسية الدينية لابد في المرجع ان يكون مجتهدا في المسائل الشرعية التي ترتبط بعمله السياسي بحيث قادرا على تشخيص الموقف الشرعي الاسلامي السياسي في اطار الحكم الشرعي المستنبط من الكتاب الكريم و السنة النبوية و من الواضح ان هذا القدر من الاجتهاد والعلم هو ادنى من المقدار المطلوب في المرجعية الدينية في الفتيا .
ولكن قد يثار هذا السؤال و هو ما هي ضرورة ان يكون المرجع في الامور السياسية مجتهدا ؟ الا يكفي فيه ان يكون مقلدا للمرجع للفتيا في الامور الفكرية و الشرعية ؟
ان ضرورة ان يكون المرجع في الامور اللسياسية مجتهدا تستند الى عدة امور :-
1- ان المرجعية الدينية السياسية هي _ في حقيقتها و مضمونها _ قيادة و ولاية في العمل السياسي، من دون فرق بين مرحلة قيام الدولة الاسلامية او قبل قيامها , و لابد في الولاية من توفر شروط الاجتهاد , اما لوجود الدليل الخاص الذي يدل على ذلك , كما يستفاد ذلك من بعض النصوص الشرعية , او لان المجتهد يمثل الفرد المتيقن من الافراد الذين تم نصبهم للولاية , او الذين يحق لهم توليها بعد ضرورة وجودها كما هي راي جماعة من الفقثهاء .
2- ان تطبيق الاحكام الشرعية المهمة على مصاديقها و موضوعاتها , يحتاج في كثير من الموارد الى اجتهاد شرعي , و هذا يشبه ما يذكره الفقهاء من اشتراط الاجتهاد في مسؤلية القضاء , الذي ينحصر عمله عادة في تطبيق الاحكام الشرعية بعد تشخيص موضوعاتها من قبله, و يوجد بحث وكلام حول هذا المسالة في الفقه الاستدلالي .
3- ان المعرفة المهم و الاهم , و التمييز بينهما في المصالح الاجتهادية عند التزاحم بين المصالح المتعددة او المفاسد كذلك , او بين المصلحة او المفسدة , يحتاج الى اجتهاد , و ذلك ان المطلوب هو تشخيص الاهم والمهم في نظر الشارع المقدس .
و توجد في مجال العمل السياسي نقاط دقيقة لايمكن تصورها من قبل القيادة لتطرح كسؤال على المجتهدين لمعرفة حكمها منهم, بل تحتاج معرفتها الى درجة من الممارسة للواقع العلمي الذي يمارسة القائد السياسي عادة, و فهم له في ضوء الشريعة التي لابد ان يستنبط حكمها او نظرتها الية من مصادرها الصحيحة .
4- ان العمل السياسي ليس مجرد تشخيص موقف للناس , بل هو – مضافا الى ذلك – عمل تعبوي للناس من اجل تجسيد الموقف نفسه خارجا , وهذا يحتاج الى درجة عالية من الوثوق و الاطمئنان بالحكم الشرعي لكي يمكن للقائد ان ينقل ثقته و اطمئنانه الى الناس في حركته السياسية التعبوية ,وهذا انما يتحقق من المجتهد الذي تحصل له عادة الوثوق بمطابقة قراره للحكم الشرعي من خلال اجتهادة في الحكم و تشخيص موضوع الحكم خارجا , و بذلك يتحمل مسؤلية قراراته الشرعية والسياسية معا.
و لعل هذا الامر الرابع هو الذي يعبر عن الحكمه في قرار الشارع بان يكون القائد السياسي مجتهدا , او ما يراه العقلاء من انه يمثل القدر المتيقن لمصداق القائد الديني , و هو ما ذكرناه في الامر الاول .
ثانيا : العدالة
و اما العدالة , فلابد من وجودها بمستوى عالٍ , ان لم نقل بضرورة وجودها بمستوى اعلى من المرجع في الامور الفكريسة والفقهية وذلك لان الظروف اتي يواجهها المرجع في المجال الاجتماعي , و الضغوط التي توجه الية في هذا المجال , و المغريات التي يتعرض لها , و كذلك المزالق التي يمكن ان يقع فيها , و طبيعة الظروف و المحيط الذي يتحرك فيه في مجاله الاجتماعي كلها ظروف تشكل نوعا من الابتلاءات تكون اشد عادة من تلك التي يتعرض لها المرجع ذاته في المجال الديني .
ثالثا : الخبرة في العمل الاجتماعي
و مضافا الى هذاين الشرطين نجد ان المرجعية في العمل السياسي و الاجتماعي تحتاج الى الاختصاص بنوع من الشروط , وهو الخبرة في الامور الاجتماعية , بحيث تؤهل المرجع الى ان يدير العمل الاجتماعي بصورة جيدة , و هو ما يسمى بحسن التدبير , ولابد ان يكون مؤهلا ليرجع اليه الناس في مواقفهم وحركتهم اليومية .
وبذلك تصبح الخبرة شرطا من شروط هذه المرجعية بالذات , لان المرجع في الفتيا قد يحتاج الى نوع من المعرفة في الامور الاجتماعية بما يتناسب و ضرورة فهمه للموضوعات الاجتماعية و تطبيقه للحكم الشرعي على ذلك الموضوع .
4- تصدي المرجعية السياسية
هناك شرط اخر مهم جدا و هو التصدي للعمل الاجتماعي و التصدي لتحديد الموقف تجاهه .
و التصدي شرط من شروط المرجع في القضايا الاجتماعية وعلية ان يمارس هذا العمل الاجتماعي و يحدد المواقف اللازمة له , وبدون ذلك لا يصح الرجوع الية , وشانه في ذلك شان المرجع في الفتيا الذي لابد له ان يتصدى للفتيا, ويقدمها للامة على شكل رسالة عملية للرجوع اليها من قبل ابناء الامة , وبدون ذلك لا يتم الرجوع الية , كما انه لو توقف عن اصدار الفتوى فانه لا يمكن الرجوع اليه, بل يرجع الى المجتهد الاخر كما هو في موارد ما يسمى بـ ( الاحتياط ).
كذلك الحال بالنسبة للمرجعية السياسية الاجتماعية فمادام هو المرجع في الامور الاجتماعية فعليه ان يتصدى الى ذلك و يبين و يتخذ المواقف المطلوبة للامة , ويعمل على تجسيدها عمليا .
( المصادر المرجعية السياسية في فكر شهيد المحراب)
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat