تغير المطالب كلما تأخر تلبيتها ، اعتصام المعهد التقني الديوانيه أنموذجا
د . عصام التميمي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
اعتصام المعهد التقني الديوانيه دخل يومه الثامن ، وما زالوا يراهنون على تفتيت الجهود واخفاء الحقائق عن وزارة التعليم العالي والبحث العلمي والرأي العام ، ويحاولون الاستفاده من عامل الوقت الذي بدء يعمل ضدهم لتكشف الحقائق بشكل سريع وسقوط الاوهام تباعا.
اعتصام منتسبو المعهد التقني الديوانيه نموذج مصغر لما يحصل في المجتمع العراقي الكبير وما يحصل في اماكن اخرى من معاهد وكليات وبلديات ومديريات وما يحصل في العراق عموما.
ومن استقراء تجربة الايام السابقه فلا بد من التأكد من عوامل المطاولة الموجودة لدى المعتصمين أنفسهم التي تتعلق بتوحيد الجهود بين المعتصمين وتوحيد المطالب، او الاصرار على مطلب وحيد ومحاولة التركيز على القضايا الجوهرية، وعدم خلط الآني والوقتي بالمسائل ذات البعد الزمني الطويل، فاعادة هيكيلية الاداره مثلاً والخدمات الأساسية تتطلب خطة طوارئ ولا تحتمل التأجيل، اما قضايا الفساد المالي والاداري فهذه تتطلب اشياء اكثر من الهتاف في اعتصام ، تتطلب عملاً وجهداً لإنضاج ملفات متكاملة تجبر الاداره اللاحقه على التعامل الجدي معها.
ان الوقت عامل مهم يعمل لصالح او ضد احد الطرفين ، المحتجون والمحتج عليهم ، وكلٌ يعمل على استثماره بطريقته الخاصه. ان تجاهل الوزراء والبرلمانيين لاصوات الحق المنطلقه لحين من الدهر قد يحبط تلك المحاولات للتغيير آنيا ، لكنه على المستوى البعيد سوف يحدث قطيعه ابديه بينه وبين الجمهور الذي يفقد ثقته بالسلطه الحاكمه او الاداره العليا وتبدأ مطالبه بالتغير من اصلاح النظام الذي يؤمن به الى تغيير وزاره المالكي واعادة انتخاب البرلمان والمجالس المحليه.
في المعهد التقني الديوانيه يعملون على تفتيت وحدة المعتصمين وتكاتفهم وخلق الفرقه والمشاكل بينهم ، وسيحاولون اشعار المعتصمين بالضرر عن طريق تاخير صرف الرواتب وانهم سيقوموا بتعيين منتسبين غيرهم لتستمر الدراسه في المعهد وكانهم حريصين على البلد اكثر من غيرهم وما عرفوا ان التضحيات قد تكون بعض الاحيان ضروريه لكي تستقيم الامور ويكون العطاء مدرارا. وانهم سيتبعون كافة الوسائل اللئيمه الاخرى المضره بالجميع كي يثيروا حنق الموالين للمعارضين ويخلقوا فتنه داخليه. كما حاولت السلطه ان تبث روح الفرقه بين متظاهري 25 شباط وتهويل مخاطر الارهاب عليهم وترويعهم.
وبرأيي ان ما هو أكثر أهمية الآن لا يتعلق بعدد المعتصمين الفعلي رغم ان عددهم يعتبر كبير جدا بالمقارنه باعداد الموالين والمحايدين ، ان الاكثر اهميه هو الانتقال الى الخطوة التاليه.
فقد تم تحقيق ثلاث اهداف مهمه :
الأول يتعلق بالقدره على تحشيد رأي عام كبير كان في حالة صمت وإنجاز عمل احتجاجي على درجه عاليه من التنظيم ، بممارسة حق دستوري بالتظاهر السلمي لتحقيق المطالب واختيار الاداره المتوافقه مع القانون وازاحة اداره سلطويه تستغل القانون للتسلط على الناس. انها قوة الجماهير في ادارة البلد في دوله ديمقراطيه.
ان حاجز الخوف الذي تربى عليه المجتمع العراقي طيله عقود من الحكم الدكتاتوري قد كسر الان بفضل روح الشباب الذي تربى في اجواء الديمقراطيه ووعي بعض النخب المثقفه التي تمارس دور ايجابي في قياده الجماهير.
والثاني هو التفاعل البرلماني والاعلامي والجماهيري مع اعتصام المعهد ، فبغض النظر عن الضمانات المتوفرة للاطمئنان الى وعود التغيير الشامل ، إلا انها تعتمد على اصرار المعتصمين على فرض رؤيتم الكامله حتى النهايه. وتعتمد على ابتكار وسائل سريعه للاستجابه لمطالب الجماهير الحقه.
وكان من نتائج هذا التفاعل التوسل من عميد المعهد لتنفيذ كافة مطالب المعتصمين وانه على استعداد للاعتذار من كل منتسب على حده واتباع الترغيب بكل الوسائل . لكن وعي المعتصمين ان تلك ليست سوى خدعه للبقاء والتشبث في كرسي العماده وان التغيير المطلوب ليس شكليا فقط بتغيير الجلد بل يجب ان يكون تغيير جوهري في ان تستقيم الامور مع النظام الديمقراطي الذي ينشده الجميع.
كانت الاستجابه مع المعتصمين ضعيفه في نتائجها لحد الان و لم تكن بمجملها بطموح ما يطالب به المتظاهرون. لكن الصبر والمطالبه وتقديم التضحيات كفيل بالوصول الى كافة المطالب لتحقيق الهدف الاكبر ان يتعايش الجميع بسلام وبروح المحبه والتعاون والاستقرار وراحة الضمير.
والثالث الاكثر اهميه هو بروز مهارات قياديه بين المعتصمين قادره على تحريك الجمهور وقيادته بحنكه الى بر الامان وهي قيادات فاعله حتى على المستوى الاداري باعتبارها قيادات مؤهله لاحقا وليس كما يشيع البعض بعدم وجود كفاءات قادره على قيادة الجماهير.