صفحة الكاتب : مير ئاكره يي

محنة الديمقراطية في حزب البارزاني ..! الجزء الثالث
مير ئاكره يي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

 

 
هل كان للنخبة المثقفة الكردية وقتها تقصير فيما يخص القيادة والرئاسة والسياسة والإنتخابات الرئاسية وغيرها في الحزب الديمقراطي الكردستاني ، وبخاصة في فترة المنفى للمرحوم مصطفى البارزاني في الإتحاد السوفيتي سابقاً ، حيث لجأَ اليه مع نحو [ 500 ] شخص بعد إنهيار جمهورية مهاباد الكردية وإعدام رئيسها القاضي محمد في عام [ 1947 ] من القرن المنصرم ، وكان بينهم أحد مؤسسي الحزب أيضا ، وهو ميرحاج أحمد عقراوي ...؟!
لقد ذكرنا في الجزآن الأول والثاني بأنه كانت هناك عدة عوامل أدَّت الى إنتخاب مصطفى البارزاني رئيسا للحزب الديمقراطي الكردستاني ، لعلَّ العوامل التالية كانت الأكثر حسماً في دلالات الإنتخاب ، هي : 
1-/ ظروف الكرد وكردستان الإستثنائية  : أعني التقسيم الذي فرضه الإستعمار عليهما ، ومن بعد النسيج الإجتماعي للشعب الكردي ، حيث تغلب عليه مجموعات كثيرة وكبيرة من القبائل والعشائر في جميع أجزاء كردستان ، لذا لابد أخذ ذانك العاملان بعين الإعتبار والأهمية ، وبشكل أخص العامل الثاني المجتمعي منه ، وهذا ما آهتمت به وركَّزت عليه النخبة الكردية المثقفة للحزب يومها . 
2-/ العصبية والتبعية العشائرية  : إن العشيرة البارزانية كانت تدين بالولاء شبه الكامل للقائد الكردي الراحل مصطفى البارزاني . وهذه إحدى الصفات الموجودة في القبائل والعشائر ، حيث الولاء والسمع والطاعة لرؤسائها . 
3-/ المهارات الحربية - العسكرية التكتيكية  [ حرب العصابات ]  : لقد إكتسب مصطفى البارزاني في حياته وعبر الحركات الكردية السابقة التي تحدثنا عنها الكثير من التجارب والمهارات العسكرية مما أهَّلته لدور قيادي أكبر فيما بعد . 
يبدو إن النخبة المثقفة الكردية قد أخذت بنظرية إبن خلدون [ 1332 – 1406 ] في موضوع الحزب والرئاسة والتطور الإجتماعي في موضوع الرئاسة في القبيلة والعشيرة  . إن نظرية إبن خلدون مازالت تحتفظ بصوابيتها وصحتها بالنسبة للمجتمعات التي تغلب عليها وتكثر فيها النسيج القبلي والعشائري لا القانوني والتطور الحضاري والمدني الإجتماعي . وقد تحدث إبن خلدون في مقدمته كثيراً عن هذه القضايا الإجتماعية وأفرد لها أبواباً وفصولاً مستقلة ، منها : [ الفصل الحادي عشر / الرئاسة لاتزال في نصابها المخصوص من أهل العصبية ] ، أي عصبية الولاء للقبيلة والعشيرة ، [ الفصل الثاني عشر / الرئاسة على أهل العصبية لاتكون في غير نسبهم ] ، أي إن الرئاسة في القبيلة والعشيرة لاتكون من غير نسب رئيسها ، أو من خارج قبيلتها وعشيرتها . هكذا الأعراف والعادات والتقاليد في القبائل والعشائر قديماً وحديثاً ، أما في المجتمعات المتطورة حضارياً ومدنياً ومجتمعياً وتوعوياً وتعليمياً وثقافياً وإقتصادياً فقدآنمحىت وآندرست هذه الأعراف والعادات والتقاليد القبلية - العشائرية وحَلَّت محلَّها نُظُم القوانين والديمقراطية والإنتخابات وتبادل الحكم والسلطة والرئاسة كل فترة وأخرى بشكل هاديء وسلس وسليم ، مع المحاولة في توزيع الثروات الوطنية بشكل عادل . بالحقيقة هذه هي من أوجه ومعالم الديمقراطية والعدالة الإجتماعية  . ينظر كتاب : [ مقدمة إبن خلدون ] لمؤلفه العلامة المؤرخ عبدالرحمن بن خلدون ، ص160 – 161 
يبدو كذلك إن النخبة المثقفة الكردية ، وبسبب العوامل المجتمعية وغير المجتمعية الكردية في كردستان    أرادت التدرُّج في دَمقرطة وتطوير الحزب وكوادره وأعضاءه والمجتمع عموما . لهذه الأسباب والعوامل مجتمعة تم إنتخاب مصطفى البارزاني لرئاسة الحزب ، وذلك لا لأنه كان أكثرهم علماً وثقافة ، أو أنه كان أكثرهم خبرة في القضايا العسكرية ، فقد كان فيهم من هو جنرال وخريج الكليات العسكرية ، مثل العسكري المعروف ميرحاج عقراوي ، أو هو مثقف بارز ، مثل حمزة عبدالله والمهندس علي عبدالله ، والدكتور حكيم خانقيني وغيرهم ، لكن اذا ما تم إنتخاب هؤلاء يومذاك فإن العشائر الكردية ربما كانت تتلكَّأُ في القبول والطاعة ، فميرحاج هو إبن مدينة عقرة ، وعلي عبدالله هو إبن مدينة السليمانية ، وحمزة عبدالله هو إبن مدينة زاخو ، والدكتور حكيم خانقيني هو إبن مدينة خانقين ، فكيف إذن ، كانت ستقبل العشائر الكردية يومئذ بهؤلاء [ الأفندية ] ، كما كانت التسمية وقتها تطلق على المتعلمين والمثقفين من أبناء المدن :  اليوم ، رغم مرور ست وستين سنة على تأسيس حزب الديمقراطي الكردستاني تَفْعَل العصبية القبلية والعشائرية والحزبية المتطرِّفة فِعْلها ودورها السلبي ، فكيف بالأيام البعيدات الخوالي المذكورات ..؟! 
لهذه العوامل تم إنتخاب مصطفى البارزاني لرئاسة الحزب الديمقراطي الكردستاني ، وذلك عبر إنتخاب وتصويت ولفترة معينة ، لأجل أن يتمرَّن ويتدرَّب ويتعلَّم الحزب وكوادره وأنصاره تدريجياً على المفاهيم والمباديء الديمقراطية والحضارية والمدنية ، ومن أجل المحاولة في إيجاد وبلورة التطور الحضاري والإجتماعي في المجتمع الكردي . وذلك بعيداً عن الولاءات التقليدية المتمثِّلة في القبيلة والعشيرة والجهوية والمناطقية والشخصانية . 
تأسيساً على ماورد تم إنتخاب القائد الكردي الراحل مصطفى البارزاني رئيساً للحزب الديمقراطي الكردستاني في مؤتمره التأسيسي الأول عام [ 1946 ] ، ومؤتمره الثاني عام [ 1951 ] ، فالمؤتمر الثالث عام [ 1953 ] ، وفي كلا المؤتمرين تم إنتخاب مصطفى البارزاني رئيساً للحزب الديمقراطي الكردستاني  ...
وقفة حول مؤتمري [ 1951 ] و[ 1953 ] : كما ذكرنا فإنه بعد إنهيار وسقوط جمهورية مهاباد الكردية عام [ 1947 ] وإعدام رئيسها القاضي محمد ، مع عدد من وزرائها وقادتها من قبل النظام الملكي الإيراني السابق توجَّه مصطفى البارزاني بمعِيَّة نحو [ 500 ] شخص الى الإتحاد السوفيتي السابق للجوء اليه ، وقد تمكنوا من ذلك بعد معارك عنيفة خاضوها مع القوات العراقية والإيرانية والتركية الذين كانوا يحاولون منع البارزاني وأتباعه من مغادرة الحدود الدولية لهم وإلقاء القبض عليهم . بقي الرئيس مصطفى البارزاني وأتباعه لاجؤون في الإتحاد السوفيتي السابق حتى عام [ 1958 ] حيث الإنقلاب العسكري الدموي لعبدالكريم قاسم الذي أطاح بالملكية العراقية وإعلان نظام الجمهورية في العراق . بعدها سمح رئيس الجمهورية العراقية الإنقلابي الجديد عبدالكريم قاسم بعودة البارزاني وأتباعه من الإتحاد السوفيتي السابق  ، فعادوا الى العراق عام [ 1959 ] . في هذا العام إنعقد المؤتمر الرابع للحزب الديمقراطي الكردستاني في بغداد ، وبإشراف البارزاني نفسه ، فتم إنتخابه رئيساً للحزب . 
في أعوام [ 1960 و1964 و 1966 و 1970 ] إنعقدت المؤتمرات الخامسة والسادسة والسابعة والثامنة للحزب الديمقراطي الكردستاني ، فتم فيها جميعاً إنتخاب مصطفى البارزاني رئيساُ للحزب الديمقراطي الكردستاني ! ... 
التساؤل الأكثر أهمية وإلحاحاً حول موضوع هام جداً كالذي نحن بصدده ، هو : كيف ، ولماذا إنتخب المؤتمرون في مؤتمري [ 1951 و 1953 ] مصطفى البارزاني رئيساً للحزب الديمقراطي الكردستاني ، مع أنه كان وقتذاك لاجئاً في الإتحاد السوفيتي السابق وبعيداً عن الأحداث والتطورات السياسية في كردستان والمنطقة عموماً ، هل كان ذلك الإنتخاب مقبولاً وصائباً على المستوى السياسي والميداني ...؟! . في هذا الشأن فقد فعل نفس الشيء حزب العمال الكردستاني حينما آعتقل رئيسه السيد عبدالله أوجلان في كينيا بأفريقيا عام [ 1999 ] وتم تسليمه الى تركيا ، حيث مازال منذ ذلك العام ، والى اليوم أسيراً وسجيناً لديها . ومنذ ذلك الحين أيضا ، والى يومنا هذا يعتبر حزب العمال الكردستاني السيد عبدالله أوجلان رئيسه ، بالرغم إنه سجين وأسير لدى تركيا ، أليس هذا الأمر مَدْعاة للإستغراب والدهشة والتساؤل والغرابة ..؟ .  : إذ كيف يكون الرئيس سجيناً وأسيراً ، أو منفياً فيتم إنتخابه رئيساً ، أو إعتباره رئيساً ، مع أنه قد إنقطع بالكامل عن حزبه وشعبه وبلاده وأحداثها وتطوراتها الميدانية ...؟ 
برأيي إن قادة الحزب الديمقراطي الكردستاني من المثقفين قد أسَّسوا بذور النظام والرئاسة الشخصانية والعشائرية فيه ، في مؤتمري [ 1951 ، و1953 ] بالرغم إن المرحوم مصطفى البارزاني كان غائباً عن الساحة الكردية ومنفياً في الإتحاد السوفيتي منذ عام [ 1947 ] ، إذ كان عليهم بحسب الأمر الواقع والطاريء ، وبحسب الديمقراطية عقد مؤتمر طاريء للحزب في العام [ 1947 ] ، أو العام الذي يليه لإنتخاب شخص آخر لرئاسة الحزب الديمقراطي الكردستاني . ربما لأجل ذلك فَهِمَ أبناء القائد الكردي الراحل مصطفى البارزاني بأن الرئاسة ينبغي أن تكون دائماً لهم ، وأن تنحصر في عائلتهم فقط . لهذا ، ومنذ التأسيس ، وحتى يومنا هذا فإن رئاسة الحزب وغالبية مناصبها ومسؤولياتها أصبحت حصرية في العائلة البارزانية . وهذا الأمر يتنافى ويتناقض مع القيم والمفاهيم والثقافة الديمقراطية التي تأسس عليها الحزب الديمقراطي الكردستاني منذ عام [ 1946 ] ...! 
[ الحزب الديمقراطي بعد المؤتمر الثامن ، ولماذا أطلقت تسمية [ حزب البارزاني ] على الحزب الديمقراطي الكردستاني ...؟ هذه النقطة وغيرها سنتناولها بالبحث والمتابعة في الجزء القادم  ]...
 
 
 

قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


مير ئاكره يي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2013/09/22



كتابة تعليق لموضوع : محنة الديمقراطية في حزب البارزاني ..! الجزء الثالث
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net