اوباما يركب قارب الانقاذ الروسي !
علي جابر الفتلاوي
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
علي جابر الفتلاوي

الرئيس الروسي بوتين انقذ اوباما من حرج كبير ، بتقديم روسيا مشروع نزع السلاح الكيمياوي السوري ، وموافقة اوباما الفورية على المقترح الروسي ، كان بمثابة قارب انقاذ لغريق كاد يشرف على الغرق ، فليشكر اوباما بوتين .
تخيل اوباما أن ضرب سوريا مثل ضرب العراق او ليبيا ، وقد زين له هذا الحلم العصفوري اللوبي اليهودي الامريكي ، بالتعاون مع محور الشر المتمثل بالسعودية وقطر وتركيا وبقية منظومة الحكم العربي الذين يدعون الى الصلح مع اسرائيل والعيش معها بسلام ، تصور اوباما ان سوريا وحيدة مثل العراق وليبيا ، ونسي أن لسوريا حلفاء أوفياء مخلصون لمبادئهم ، اما الحليف الروسي فمصلحته الكبرى التي تهم مستقبل روسيا ان يحافظ على النظام في سوريا ، والا تعرضت حدودها الاسيوية للغزو التكفيري ولو بعد حين .
نبدأ من قضية أطلاق الصاروخين اللذين سقطا في البحرالابيض المتوسط ، عندما كان العالم يترقب أخبار الضربة العسكرية المتوقع حدوثها خلال ساعات وليس ايام قامت روسيا بنشر خبر الصاروخين بعد ان التزمت امريكا الصمت ، وكذلك اسرائيل ، لكن بعد نشر الخبر أعلنت أمريكا أن اسرائيل هي من أطلق الصاروخين لغرض التجربة ، ولم تعلن اسرائيل عن مسؤولية أطلاق الصاروخين الا بعد حين الى هنا أستقبل العالم الخبر بشكل عادي ، لكن في الامر سرّا لم يفصح عنه أحد ، ولم يروج له أعلاميا ، ذكر بعض المراقبين ، أن الهجوم الامريكي على سوريا قد بدأ من لحظة أطلاق الصاروخين لكنه فشل لأسباب لم يعلن عنها ، سنشير اليها حسب تخمينات بعض المراقبين لاحقا .
روسيا منذ سقوط الاتحاد السوفيتي ولغاية الازمة السورية ، لم تظهر على الساحة كقطب منافس لامريكا ، ولم تأخذ دورها كدولة عظمى ، والشعوب حصدت نتائج سيئة كثيرة بسبب غياب الدور الروسي ، وسيادة سياسة القطب الواحد الظالمة ، الكل يعلم أن اللوبي اليهودي العالمي له تأثيراته على السياسة الامريكية ، وعلى جميع الحكومات الغربية ، والكثير من حكومات الشرق بوسائل هو يمتلكها ، مالية واعلامية وفكرية وقد يلجأ الى وسائل أجرامية أن دعت الحاجة لذلك ، لامتلاك هذا اللوبي المال والاعلام ، فله وسائله الخاصة في التأثير على المسؤولين والسياسيين والحكومات ، وقد يستخدم وسائل دنيئة للكسب وتغيير المواقف للكثير من القادة في العالم ، منها استخدام الفضائح الجنسية اوالمالية ، ويلوح بهذه الاوراق حسب المصلحة والحاجة والموقف ، أضافة لاستخدامه أسلوب الاغتيالات الغامضة كوسيلة من وسائل تحقيق الاهداف .
لا ندعي أن روسيا بعيدة عن هذه التأثيرات ، فالاخطبوط اليهودي الماسوني يمتد نفوذه الى جميع دول العالم تقريبا ، وأي حراك لأي حكومة يجب ألّا يتعرض للمصلحة الاسرائيلة ، بل لا بد وأن تصب نهاياته في خدمة مصلحة اسرائيل بنسبة من النسب ، فشروط أي حراك غربي او شرقي يجب أن تكون اسرائيل بعيدة عن تأثيراته السلبية ، وتصب نتائجه الايجابية في مصلحتها ، حتى لو كان على المدى البعيد ، احيانا تختلف الرؤى والاجتهادات بين أتباع اللوبي اليهودي من دولة لأخرى وعلى ضوء ذلك يتحدد الموقف ، قد يصادف حصول تناقض أو تقاطع بين المصلحة الوطنية لبلد ما وبين مصلحة اللوبي اليهودي ، وقد تتغلب المصلحة الوطنية لبلد ما على الرغبة الماسونية ، في الازمة السورية تحركت روسيا حسب مصلحتها الوطنية من جهة ، وتحركت بموجب هذه المصلحة بمستوى القطب الدولي الاخر المنافس للمصالح الامريكية من جهة أخرى ، هذا الحراك الروسي أفرح الشعوب التي تعرضت للظلم الامريكي ولا زالت تتعرض من غير اعتراض او ردع ، لكنه أزعج امريكا وحلفاءها .
امريكا الظالمة المتجاوزة لمعايير العدالة والقانون الدولي ، وللمبادئ الانسانية والاخلاقية ، تمارس القهر والعدوان على الشعوب باسم الحرية والديمقراطية ، تدعم هذا الطرف او ذاك بناء على المصلحة الامريكية الاسرائيلة ، وقد تحالفت مع اكثر الحكومات قهرا لشعوبها كالسعودية وقطر والبحرين ودول اخرى ، فاستفاد الفكر التكفيري المتخلف من هذا التحالف المشبوه ، فأخذ يتحرك بحرية في المحيط العربي والاسلامي ، كما استفادت امريكا واسرائيل من هذا الفكر المتحجر لتوظفيه في تشويه سمعة الاسلام والمسلمين ، وفي تمزيق وحدتهم ، أنه حلف شيطاني بين اللوبي اليهودي العالمي وبين الفكر التكفيري الوهابي ، هدفه الاسلام والمسلمين وتصفية التيار المقاوم للوجود الاسرائيلي في فلسطين .
الملفت للنظر أن هؤلاء الحكام المحسوبين على العروبة والاسلام ، هم من يدفع امريكا ويشجعها للعدوان على شعوب المنطقة ، ليس هذا فحسب ، بل يدفعون فاتورة العدوان نقدا الى امريكا المعتدية من أموال شعوبهم ، في الازمة السورية الاخيرة ظهر محور الاستسلام بقيادة ( السعودية وقطر ) بمظهر الخزي والعار وهم يدفعون امريكا بقوة للعدوان على سوريا ، مع تقديم الرشوة السياسية للدول المعترضة او المترددة لشراء مواقفها ، بل تكفلت السعودية وقطر بتكاليف الضربة العسكرية الامريكية على الشعب السوري ، علما ان هاتين الحكومتين السعودية وقطر تتبنيان ايضا تكاليف الاعمال الارهابية في المنطقة ، كل هذه الاعمال المخزية والاجرامية تجري من أجل أن ترضى أسرائيل وامريكا .
توافقت طموحات اللوبي الصهيوني مع طموحات السعودية وقطر وتركيا وبقية محور الشر من الحكومات ، باتجاه دفع الحكومة الامريكية لتنفيذ العدوان على سوريا ، بعد أن رتبت حجة مفبركة ، وهي ضرب غوطة دمشق بالكيمياوي ، وهم يعرفون من الذي ضرب الكيمياوي ؟ ويعرفون دور المسلحين الارهابيين في هذه العملية ! ويعرفون من الذي زودهم بالكيمياوي ؟ ويعرفون دور السعودية القذر في العملية ، كل هذه الامور يعرفونها ، لكنهم يتجاهلونها .
ركب اوباما الموجة واخذ يتوعد ويتهدد ، لكنه في واقع الامر متردد ومتخوف من الهجوم ، رغم الدفع القوي من اللوبي اليهودي الامريكي باتجاه الهجوم ، ورغم الدفع السعودي القطري التركي ، ورغم الهوس الفرنسي الذي وصل لدرجة الجنون باتجاه تنفيذ الضربة العسكرية ، وهذا يعكس مقدار التأثير الصهوني الكبير على الحكومة الفرنسية ، وانغماس المسؤولين الفرنسيين في مستنقع الفكر الماسوني .
اوباما متردد في اتخاذ قرار الهجوم ، لأن الظرف المحيط بسوريا هو غير الظرف الذي سمح لامريكا بالهجوم على العراق وليبيا ، اذ دخلت القضية السورية ضمن عملية التوازنات الدولية ، فكان الموقف الروسي القوي ضد أي ضربة على سوريا وتجسد ذلك عمليا بارسال قوات بحرية روسية كبيرة الى البحر المتوسط ، وكان ذلك مصدر قلق كبير لامريكا ، أضافة الى أن موقف بعض الدول الاوربية حلفاء امريكا توزع بين المعارض والمتردد ، كل هذه المعطيات تركت اثرها على الموقف الامريكي ، وكان لموقف ايران القوي المعارض للضربة الامريكية ، كذلك موقف حزب الله في لبنان ، كل هذه العوامل مجتمعة زعزعت الرغبة الامريكية لتنفيذ الضربة ، واخذت تبحث عن منفذ للتخلص من ورطة الهجوم العسكري .
طرحت روسيا مشروعها لوضع السلاح الكيمياوي السوري تحت المراقبة ، وتدمير هذا السلاح على المدى البعيد ، جاء هذا المشروع في الوقت المناسب ، وكان قارب النجاة لتخليص اوباما من الحرج الذي وقع فيه ، وافقت سوريا على هذا الطلب ووافقت امريكا ايضا ، وجميع الاطراف تقريبا ، ووافقت اسرائيل ايضا ، لأنها في الايام الاخيرة بدأت تتخوف من تأثيرات الضربة عليها ، وتتخوف من ردود الفعل لايران وحزب الله التي لا يمكن السيطرة عليها لونفذت الضربة .
أرى أن روسيا حققت عدة اهداف بمشروعها المطروح لوضع السلاح الكيمياوي السوري تحت المراقبة ، الهدف الاول انها دفعت العدوان الامريكي المتوقع على سوريا ، كذلك حمت المنطقة من تداعيات خطيرة لوحصلت هذه الضربة ، ربما تؤدي الى اشعال المنطقة باجمعها في حرب طاحنة مدمرة ، لقد أثبتت روسيا للعالم انها لا زالت دولة عظمى وقوية ، وان القطب الاخر لا يمكنه تجاوز ارادتها .
كذلك لا يمكن أنكار أن روسيا قد قدمت في مشروعها خدمة كبيرة لاسرائيل ، اذ خلصتها من ردود الفعل التي ستطالها لو حصلت الضربة ، ايضا ستستفيد اسرائيل من الاتفاق بتدمير السلاح الكيمياوي السوري الذي كان مصدر قلق بالنسبة لها وستنفرد اسرائيل وحدها في امتلاك مثل هذه الاسلحة الفتاكة ، ولا احد يعترض عليها او يطلب منها ان تتخلص من هذه الاسلحة ، من هذا يظهر أن المشروع الروسي تصب نهاياته في مصلحة اسرائيل ايضا ، والغاية الاكبر لاسرائيل هي نزع سلاح جيرانها من الدول التي تحمل لواء المقاومة ضدها ، وسوريا طبعا هي الواجهة في ذلك ، فهل توجد خدمة لاسرائيل اكبر من هذه الخدمة ؟
في تقديري ان اللوبي اليهودي في العالم عموما ، وفي روسيا خصوصا راض عن مشروع روسيا لنزع سلاح سوريا الكيمياوي ، بل يدعم الحكومة الروسية في هذا الاتجاه .
ومن الاهداف الاخرى التي حققتها روسيا من هذا المشروع ، أنها أبقت على علاقتها الطيبة مع امريكا بعد أن حفظت ماء وجه اوباما ، وخلصته من دعوات شن الحرب التي تبنتها امريكا في بداية الازمة ، سيما وان هناك معلومات تفيد أن لروسيا علاقة بقضية أسقاط الصاروخين في البحر اللذين أشرتُ اليهما في بداية المقالة ، أذ ذكرت بعض المعلومات السرية التي أعلنت عنها بعض المصادر ، رغم التكتم الشديد على هذه المعلومات ، أن امريكا بدأت هجومها على سوريا ساعة أطلاق الصاروخين لكن الهجوم فشل وخاب بسبب تدخل القوة البحرية الروسية في البحر المتوسط ، أذ أسقطت البحرية الروسية الصاروخ الاول في البحر، وفجرت الثاني في الجو، وعلى الفور اتصلت روسيا بامريكا وأخبرتها أنها أسقطت الصاروخين ، لأن الهجوم على دمشق هو بمثابة الهجوم على موسكو ، ورغم ذلك فأن موسكو تريد المحافظة على ماء وجه امريكا ، ولا تريد احراجها ، فتركت موسكو لامريكا خيار فبركة الاعلان عن سقوط الصاروخين ، وفعلا سمحت روسيا لوسائل اعلامها بنشر صور الصاروخين ، بعد أن أعلنت اسرائيل بطلب امريكي ، انها هي من أطلق الصاروخين لغرض التجربة .
هذا ما نشرته بعض وسائل الاعلام وأن لم يكن على نطاق واسع ، ونحن كمراقبين سواء كان خبر أسقاط الصاروخين من قبل القوات الروسية صحيحا ام لا ، نستوحي من مجمل هذه المعطيات أن روسيا حريصة جدا على أستمرار العلاقات الطبيعية مع امريكا ، ونستوحي ايضا أن امريكا قد تورطت في أعلان شن الحرب على سوريا بعد أن لاحظت ردود الفعل من حلفاء سوريا ، وتردد او امتناع بعض حلفاء امريكا مما دفع للبحث عن منفذ للخلاص ، وقد شخصت روسيا حالة الحرج الامريكية هذه فقدمت مشروع نزع سلاح سوريا الكيمياوي في الوقت المناسب ، فجاء المشروع بمثابة قارب أنقاذ لاوباما الذي اوشك على الغرق ، لذا رأينا موافقة امريكا الفورية على المشروع ، كذلك وافقت سوريا عليه لأنه جاء بطلب روسي ، وفيه منفذ للخلاص من الضربة الامريكية ، بالمجمل أن جميع أطراف الصراع قد أستفادت من طرح المشروع الرو سي .
واخيرا ما يعنينا نحن ابناء الشعوب ، العربية والاسلامية ، التي عانت كثيرا من التدخلات الامريكية في شؤونها الداخلية ، من غير ان تجد رادعا لها ، ما يعنينا هو الدور الجديد لروسيا ، فلا يسعنا الا أن نرحب بهذا الدور الروسي الجديد في العالم كقطب دولي منافس لامريكا ، عسى أن يحد هذا الدور من تجاوزات امريكا على حقوق وكرامة الشعوب .
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat