الحيدري بين كماشتي النقل والدقة العلمية
حسين علي جليح القطيفي
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
- مقدمة :
وصلني مقطع مرئي كما وصل غيري ، للسيد كمال الحيدري
يبدو أنه مقتطف ومقتطع من محاضرة له حول ظلامة الصديقة الشهيدة عليها السلام ومصادرها واختلاف الآراء في بعض مفرداتها ، وفي سياق حديثه هذا استشهد برواية في بحار الأنوار للعلامة المجلسي نور الله ضريحه تحكي مظلومية البضعة الطاهرة عليها السلام وتنص عليها صراحة ، وتوخيا للمصداقية سأقوم بنقلها كاملة بسندها ثم سأدرج تعليق السيد الحيدري وأثبته عليها وبعد ذلك سأتبع نقدنا على تعليقه :
- الرواية :
كتاب دلائل الإمامة للطبري : عن محمد بن هارون بن موسى التلعكبري عن أبيه ، عن محمد بن همام ، عن أحمد البرقي ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن عبد الرحمن بن أبي نجران ، عن ابن سنان ، عن ابن مسكان ، عن أبي بصير ، عن أبي عبد الله ( عليه السلام ) قال : قبضت فاطمة ( عليها السلام ) في جمادى الآخرة يوم الثلاثاء لثلاث خلون منه سنة إحدى عشر من الهجرة : وكان سبب وفاتها أن قنفذا لكزها بنعل السيف بأمره ، فأسقطت محسنا ، ومرضت من ذلك مرضا شديدا . بحار الأنوار 43\170
- تعليق الحيدري :
سؤال هاي الرواية صحيحة لو ضعيفة شتقولوا الجواب ، هاي في الرواية أكو شخص اسمه ابن سنان مو ابن سنان مال كربلاء مولانا ، لا لا هذا ابن سنان من تلامذة الأئمة سلام الله عليهم وأصحابهم ، احنا عندنا اثنين ابن سنان واحد اسمه محمد بن سنان وواحد اسمه عبدالله بن سنان ، عبدالله بن سنان ثقة بلا إشكال ، فإذا كان هذا عبدالله بن سنان فالرواية شنو صحيحة ، أما إذا كان هذا محمد بن سنان فالرواية ضعيفة ، التفتوا شنسوي احنا ولذلك جملة ممن قال لا يوجد عندنا دليل صحيح ، على أنه أسقطت قالوا لا توجد رواية ، تقول له هذا ابن سنان يقول ، لا هذا مو معلوم عبدالله بن سنان ، هذا منو ؟ هذا محمد والسيد الخوئي ضعف محمدا بن سنان ، هذا أعزائي المفيد في معجم رجال الحديث ، معجم رجال الحديث إلمن للسيد الخوئي هناك يقول التفتوا رقم الترجمة 10919 قال : هو من أصحاب فلان وفلان ، متعارض فيه التوثيق والتضعيف فلا دليل ، على وثاقته إذن ثقة لو ضعيف ، فإذا في الرواية محمد بن سنان ، فالرواية شتصير ؟ ، لكن تقول سيدنا انت اعطينا رأيك .....رأيك قوله الجواب الرواية عندنا صحيحة .
ولمن أراد الاستماع إلى الرابط كاملا ، فهذه هي الوصلة المفتاحية له :
http://www.youtube.com/watch?v=fb-LSXBjVOM
- نقد التعليق :
أولا : إن مقتضى قوانين وأعراف التحقيق العلمي ، في حالة لزوم التمييز بين راويين عند الشك في المعين منهما ، أن يرجع الباحث بنفسه للمصدر الأصلي المنقول عنه سند الرواية ، وهذا ما لم نعاينه عند السيد الحيدري ولم نقف له على أي أثر عنده للأسف الشديد ، ولو كلف نفسه عناء المراجعة قليلا ، لعلم أن صاحب الدلائل الطبري الإمامي قد نص في سند الرواية على أن هوية ابن سنان هي مشخصة ومخصصة بعبدالله لا محمد ، فقد جاء في دلائل الإمامة ما يلي :
حدثني أبو الحسين محمد بن هارون بن موسى التلعكبري ، قال : حدثني أبي ، قال : حدثني أبو علي محمد بن همام بن سهيل ( رضي الله عنه ) ، قال : روى أحمد ابن محمد بن البرقي ، عن أحمد بن محمد الأشعري القمي ، عن عبد الرحمن بن أبي نجران ، عن عبد الله بن سنان ، عن ابن مسكان ، عن أبي بصير ، عن أبي عبد الله جعفر بن محمد ( عليه السلام ) . دلائل الإمامة 134
نعم قد اكتفى غواص البحار أعلى الله مقامه بالإشارة إليه بابن سنان ، اختصارا منه أو لشدة وضوح ذلك عنده أو لإحالته القاريء لمرجع الرواية الأساسي ، وهذا معروف عند المتصفح للبحار والمتتبع له ومألوف ، ولو اختلس السيد الحيدري حصة من وقته ، وراجع المصدر وعمل وفق منهجية البحث العلمي لما زل لسانه ولما عثرت قدمه .
ثانيا : هذا التسرع في الحكم يبدو أنه شائع ومكرر وليس جديدا ، فلقد سبق السيد الحيدري إليه السيد فضل الله بنفس الفذلكة وبذات النسبة في الحكم على الرواية للسيد الخوئي ، والحال أن الحكم على الرواية وفقا لمبنى السيد الخوئي قدس سره الموثق لعبدالله بن سنان كما في معجم رجاله 11\ 224- 228 سيكون الاعتبار لا الضعف خلافا لنقل كل من الحيدري وقبله فضل الله ، الذي تصدى لمناقشته في ذلك السيد هاشم الهاشمي في كتابه ( حوار مع فضل الله حول الزهراء ) تحت عنوان : ( سكت ألفا ونطق خلفا ) ، وبين أن الأمر ليس كذلك .
ثالثا : كان مقتضى شرعة الإنصاف من السيد الحيدري أن يذكر أن الموقف ، من محمد بن سنان على فرض كونه هو الواقع في السند ، وبالتالي الموقف من الرواية لن يكون واحدا لاختلاف المباني والآراء العلمية بين الموثق له والمضعف ، دفعا لتوهم تسالم و اتفاق العلماء على تضعيفه وبالتالي سقوط الرواية عن درجة الصحة أو الاعتبار ، فإن هناك جمعا من الأعلام قد ذهبوا إلى توثيق محمد بن سنان كالسيد الفاني الأصفهاني قدس الله نفسه الزكية و السيد موسى الشبيري الزنجاني دامت أنفاسه شيخ الرجاليين في زماننا هذا في قم المقدسة ، وكذلك السيد محمد سعيد الحكيم دام ظله في مصباح المنهاج – كتاب التقليد – 256 وأخيرا زعيم الحوزة العلمية في قم وشمس نورها الشيخ الوحيد الخراساني دامت بركاته .
رابعا : أن سيد الأساطين وأستاذ الفقهاء والمجتهدين قدس سره وإن كان ممن يحسب على منهج الوثوق المخبري لا الخبري ، إلا أنه عليه الرحمة قد اعتمد على بعض الموارد الروائية التي قد تعاني من ضعف دليلي أو قصور سندي ، في مقام الاستنباط العلمي ولم يطرحها فورا ورأسا ، مما يعني عدم تبنيه فعليا وجوب الاقتصار في حجية الخبر صحة أو اعتبارا على السند فحسب ، بل هو يأخذ بعين الاعتبار أيضا القرائن الأخرى كقوة المتن أو علو المضمون وغير ذلك ، ومما يؤيد هذا الفهم استدلاله في أكثر من موضع من كتبه ، على بعض فقرات الزيارة الجامعة بالرغم من ضعف سندها بحسب مبانيه الدرائية الخاصة ، كما ورد ذلك في كتاب الطهارة 2\88 ، وفي كتابه الآخر مصباح الفقاهة 1\504 ، ويمكن تعضيد هذا التحليل بالتدقيق في بعض أجوبة استفتاءاته في صراطه ، فإنه قد حاول الحفاظ على بعض الأدعية الواردة عن طريق المعصومين عليهم السلام ، وذلك بمعالجة بعض الفجوات في سندها معالجة علمية ، بالنظر إليها نظرة شمولية غير مكتفية بالسند فقط ، بل إلى الجوانب الأخرى منها وإليك هذا النموذج على سبيل المثال :
س 992 : نقل السيد اليزدي ( رحمة الله ) في عروته الوثقى عن جمع من العلماء استحباب المداومة على دعاء ( سبحان من دانت له السماوات والأرض بالعبودية . . . الخ ) في قنوت الصلاة فما رأيكم ؟
الخوئي : لا بأس به رجاء ، والله العالم . صراط النجاة 3\317
خامسا : هناك فقيه آخر من تلامذة سيد الطائفة ووجهها قدس سره وهو الفقيه المحقق والأصولي المدقق والرجالي النيقد الشيخ التبريزي رفع الله درجاته في عليين في جواب له في صراط النجاة ، قد استدل على مظلومية سيدة نساء العالمين الزهراء عليها السلام ، بنفس هذه الرواية الموجودة في الدلائل واصفا لها بأنها معتبرة مع الالتفات إلى مقاربة مباني الشيخ الرجالية لأستاذه الخوئي مقاربة شديدة ، فهو مصنف ضمن خط الوثوق المخبري أيضا ، وهاك قوله :
وأما ما جرى عليها من الظلم فهو متواتر إجمالا ، فإن خفاء قبرها ( ع ) إلى يومنا هذا ، ودفنها ليلا بوصية منها شاهدان على ما جرى عليها بعد أبيها ، مضافا لما نقل عن علي ( ع ) من الكلمات ( في الكافي ج 1 - ح 3 - باب مولد الزهراء ( ع ) من كتاب الحجة ) حال دفنها قال : ( ( وستنبئك ابنتك بتظافر أمتك على هضمها . فأحفها السؤال واستخبرها الحال ، فكل من غليل معتلج بصدرها لم تجد إلى بثه سبيلا ، وستقوله ويحكم الله وهو خير الحاكمين ) ) وقال ( ع ) : ( ( فبعين الله تدفن ابنتك سرا ، وتهضم حقها ، وتمنع إرثها جهرا ، ولم يتباعد العهد ، ولم يخلق منك الذكر ، وإلى الله يا رسول الله المشتكى ) ) . ( و ح 2 ‹ صفحة 441 › من نفس الباب ) بسند معتبر عن الكاظم ( ع ) قال : إن فاطمة ( ع ) صديقة شهيدة ، وهو ظاهر في مظلوميتها وشهادتها ، ويؤيده أيضا ما في البحار ( ج 43 باب 7 رقم 11 ) عن دلائل الإمامة للطبري بسند معتبر عن الصادق ( ع ) : ( ( . . . وكان سبب وفاتها أن قنفذا مولى الرجل لكزها بنعل السيف بأمره فأسقطت محسنا ) ) .صراط النجاة 3\440-441
- فائدة ثمينة :
إن بيان الشيخ التبريزي قدس سره من خلال جوابه ، يؤصل لنا قاعدة متينة من شأنها أن تمحق و تمزق أي شبهة قد يطرحها أي أحد من الباحثين فاقدي الرصانة و الأناة في الضبط ، ويستعرضها على مسلك السيد الخوئي الاجتهادي العلمي وقناعاته العملية في موضوع مظلومية الصديقة الشهيدة عليها السلام ، ومحتوى هذه القاعدة ومؤداها أن ضعف الخبر السندي المتضمن لحيثية الظلامة للبتول عيها السلام ومصاديقها ووجوهها ، لا يضر البتة ولا يترتب عليه أي محاولة منع للقبول والأخذ بمضمون هذه الرواية أو تلك ، ما دامت هذه الظلامة متواترة إجمالا بنظره الشريف ، بالنظر إلى دخالة اعتبارات وتداعيات أخر في الضمن ، كتظافر ورود المعنى في روايات وأخبار أخرى ، أو لقوة سبك ألفاظ النص المنقول في هذا الكتاب أو ذاك ، أو لاجتماع العامة و الخاصة على تداول مدلول هذا الحديث الفلاني أو القضية الكذائية ، وعليه فحتى نسبة رفض هذه الرواية والامتناع عن تأييد ما في متنها لسيد الطائفة ومرجعها الإمام الخوئي رزقنا الباري شفاعته وتوسطه يوم الحساب ، أو لأحد طلابه ورواد مدرسته ممن اقتفى أثره رجاليا ، واختط خطه من جنوح لاتجاه الوثوق المخبري هو غير دقيق لما مر آنفا فتدبر .
قناتنا على التلغرام :
https://t.me/kitabat
حسين علي جليح القطيفي

قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat