من اسلام الحديث الى اسلام القرآن بين الحيدري وطرابيشي (الحلقة الأولى)
سماحة الشيخ حلمي السنان القطيفي
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
سماحة الشيخ حلمي السنان القطيفي

بسمه تعالى
لم يكن متوقعاً ممن يدعي أنه تربى في حوزة النجف الاشرف وارتضع من أثداءها العلم والمعرفة ـ وهي منه براء براءة الذئب من دم يوسف ـ أن يصدر منه مثل هذا التجني على التراث الروائي الشيعي ؛ من رميه بالانتساب للاسرائليات منشأً تارة ، وبالوضع تارة اخرى ، وبالتسخيف والتجهيل ثالثة . إلا انه وكما قال المثل إذا عرف السبب بطل العجب ؛ فقد وقع بيد هذا المدعي ـ أعني الحيدري ـ كتاب أعجبه طرحه ومطرحه ، وتغلغل في فكره مشروعه الضخم في قراءة النص الديني كما يدعي ، وهو للمؤلف والكاتب المسيحي جورج طرابيشي ؛ فقد كتب هذا المؤلف كتاباً أسماه ( من اسلام الحديث الى اسلام القرآن ) ، وكان غرضه من تأليف الكتاب بيان أن الاسلام المطلوب من النبي صلوات الله عليه وآله هو إسلام القرآن لا اسلام السنة التي جاء بها نفسه ؛ وقام في الكتاب بالاستناد لآيات من الكتاب متعددة تعينه في تصحيح دعواه تلك ؛ إلا أن الملفت للنظر في الكتاب هو استناده في توجيه الايات وتثبيت مدعاه بكامله الى كتاب جامع البيان في تأويل القرآن والذي هو تفسير الطبري .
ولا تجد صعوبة في الالتفات الى منشأ الافكار الالتقاطية التي عند الحيدري من كتاب طرابيشي هذا حينما تقرأه ؛ فهذا يقرر أن النبي صلوات الله عليه وآله نبي بلا معجزة ( هامش ص 10 مرجعا لكتابه المعجزة او سبات العقل في الاسلام ) ، وقد أخذ هذا المعنى نصاً ومعتقدا الملحد أحمد القبانجي في كتابه اعجاز القرآن .
كما يقرر في الكتاب (ص11) عدم الولاية التشريعية للنبي البتة ، قال : \"ولنشرع مع الايات القرآنية التي تؤكد ما ذهبنا اليه من أن الرسول مكفوف اليد من الناحية التشريعية فضلا عن انه معطل عن الارادة الذاتية\" .
وهذا ما تبناه الحيدري من منع ثبوت الولاية التشريعية للنبي صلوات الله عليه وآله متمسكاً بآيات الكتاب ، مقتنصاً المبحث من جورج طرابيشي ؛ لترسيخ فكرته في عقلية المستمع بإلغاء اسلام الحديث والوقوف عند اسلام القرآن .
وليس من عتب على هذا المؤلف ؛ لان قراءته للقرآن لم تكن لاجل إبراز جوانب اعجازه ، وانما كانت لأجل مشروع مسيحي كبير ، وهو ملخصاً في فكرتين :
الاولى : إبعاد الفكر النبوي الرسالي عن فكر القرآن ، وجعلهما متغايرين وأحدهما مخالفاً للآخر ؛ وعلى طبق طريقة التفكير عند السنة استناداً لتفسير الطبري لابد من تقديم اسلام القرآن على اسلام الحديث ، فتسقط حجية السنة تماماً ، وترجع قصراً للفكرة اليهودية التي جاء بها المتهوك الاول من أصدقاءه اليهود للنبي متبجحاً بها ألا وهي ( حسبنا كتاب الله ) كما ورد هذا في مصادرهم الحديثية .
الثانية : التشكيك في مصداقية ثنائية الكتاب والسنة بنسبة أكثر السنة من الموروث الروائي للاسرائليات ، فيقوم المسلمون بطرحها والتخلي عنها كراهة وتنفراً مما هو اسرائيلي . وهي من مجترات التفكير السني الدخيل على الاسلام الحق ؛ وذلك لأن الثنائي التوأم عندنا هوالثقلان الكتاب والعترة ؛ وقد كان النبي صلوات الله عليه وآله عالماً بأنه سيجيئ أناس بعده يحاولون التفكيك بينهما بصور متلونه وبعبارات متفننة ؛ وسيسعون جاهدين في ذلك ؛ فلذا نص على التوأمية بينهما وجودا وأثرا وحجية وبقاء فقال صادحاً بها : وإنهما لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض .
هذا هو اسلام العترة الهادية لا ما تشدق به الحيدري وظن الناس أنه كما قال من ابتكاراته وإبداعاته ولم يكن وراء الأكمة ثمة شيئ بل كان مجرد حاكٍ ومقلد ومجتر لأفكار هادمة للاسلام والدين الصافي العذب ؛ فحق لجورج طرابيشي وأمثاله أن يشكروا للحيدري صنيعه ؛ فقد أمسك بالمعول الذي صنعوه وقام بعملٍ دؤوب في هدم ما اراده الله عز وجل من بناء باقٍ الى يوم القيامة . ولكن العتب على مثل الحيدري المدعي لما ذكرنا من انه ابن الحوزة والمدافع عنها وهي بريئة منه براءة الذئب من دم يوسف عليه السلام. والى حلقة أخرى من متابعات \"من اسلام الحديث الى اسلام القرآن\".
والحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد وآله الهادين

قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat