صفحة الكاتب : سماحة الشيخ حلمي السنان القطيفي

من إسلام الحديث إلى إسلام القرآن بين الحيدري وطرابيشي ح4
سماحة الشيخ حلمي السنان القطيفي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
تعرضنا سابقاً لمنهجية جورج طرابيشي في كتابه من إسلام القرآن إلى إسلام الحديث وفي هذه الحلقة سوف نتعرض لمنهجية السيد الحيدري من خلال ما عرضه من أطروحات عبر عدة أمور :
 
الأول : المنهجية التي تبناها السيد الحيدري في مشروعه التصحيحي المزعوم ، وهل أن ما بنى عليه من أسس يصلح لما سيقوم به في مشروعه هذا أم لا ؟
 
الثاني : البحث في أن ما طرحه هل هو طرح متفرد جديد في بابه أم أن منهجية الحوزة العلمية بل المؤسسة الدينية هو هذا مذ وجدت ؟
 
الثالث : بعدها سنشير إلى النتيجة التي أراد الوصول إليها وهي أن كلا الموروثين الروائيين السني والشيعي هل يمكن الاعتماد عليهما دون الرجوع للقرآن أم لا ؟
 
ولأجل بيان خارطة الطريق في بحوث السيد فإنا ننقل ما ذكره هو في الحلقة الثالثة من مطارحات في العقيدة حيث بين خارطة الطريق في منهجية مشروعه هذا ألا وهو تصحيح الموروث الروائي الشيعي.
 
لقد بدأ الحيدري مشروعه بعدة أطروحات :
 
الأولى : القرآن الكريم في حديث الرسول صلى الله عليه وآله وهي في ضمن خمس حلقات .
 
الثانية : مشروعية تعدد القراءات في مدرسة أهل البيت وهي في ضمن حلقتين وقد بيَّن فيها أن له حق الاجتهاد كما كان للمفيد والطوسي وغيرهم من المتقدمين فهو يطرح قراءة أخرى غير قراءتهم .
 
الثالثة : من إسلام الحديث إلى إسلام القرآن وهي في ضمن اثنتي عشر حلقة .
 
الرابعة : كيف عرَّف أمير المؤمنين نفسه وهي في ضمن ثلاث حلقات وبين فيها مفهوم الانسان الكامل .
 
هذا ما وصلنا من خلال موقعه الرسمي .
 
وقد استمعت للبعض منها وقرأت البعض الآخر مكتوباً من موقعه الرسمي أيضاً وليس من موقع آخر حتى لا يكون هناك مجال للتشكيك في أمانة الكاتب أو نقله ، هذا بالإضافة للاستماع لها حين عرضها مباشرة في القناة الفضائية .
 
وقد كفانا السيد الحيدري مؤونة فهم منهجيته على ما يظهر من عرضه لها ، فقد عرض في الحلقتين الأوليين من أطروحته الثالثة وهي من إسلام الحديث إلى إسلام القرآن ملخص ما مضى في الأطروحتين السابقتين عليها وملخص الحلقتين السابقتين على الحلقة الثالثة أيضاً وهو كالآتي :
 
ذكر في موضوع (القرآن في حديث الرسول ) أهمية القرآن عبر الروايات الكثيرة عنه صلوات الله عليه وآله وضرورة التمسك بالقرآن من رواياته أيضاً ، كما أشار ضمناً لما ورد في نهج البلاغة في توصيف القرآن واعتمد عليه كثيراً ، وتعرض إلى أن القرآن واحد عند المسلمين قاطبة ولذا يرى محورية القرآن كما سيأتي منه ذلك ، كما تعرض إلى أن القرآن كان مجموعاً في زمانه صلوات الله عليه وآله لا بعد وفاته ، وإلا لو لم يكن كذلك فكيف يصح منه إرجاع المسلمين إليه ؟
 
هذا مع عرضه لروايات متعددة ومتنوعة حول الاهتمام بالكتاب وقراءته ، كما عرض لبعض الخلافات حول جمع القرآن وتدوينه وغيرها من الخلافات التي كانت تظهر على السطح بين الفينة والأخرى في القرنين الأولين .
 
وأما خلاصة ما طرحه في الحلقتين الأوليين فهو : عرض للنظريات المطروحة في القرآن وهذا كرره في أكثر من أطروحة ، وركز على أهميته ، ولذا نذكرها هنا :
 
الأولى : نظرية الاكتفاء بالقرآن (القرآن وكفى ) والمقصود منها عند المعتقدين بها هو إقصاء السنة المحكية ، وقال إنها تختلف عن نظرية حسبنا كتاب الله التي طرحها الخليفة الثاني ، فإن هذه لإقصاء السنة الواقعية لا المحكية فقط .
 
الثانية : نظرية محورية السنة وفيها مذهبان :
 
1 ـ نظر الأخباريين من توقف تفسير القرآن بل فهمه ـ الذي هو أعم من التفسير ـ على السنة فالسنة هي المحور وما لم يرد فيه من السنة شيء فلا يمكن فهمه أو التعويل عليه من آيات الكتاب . وهي نظرية خاطئة ومردودة .
 
2 ـ نظر أمثال السيد الخوئي وآخرين من قصر الاهتمام بالقرآن على مورد علاج التعارض بالعرض على الكتاب .
 
الثالثة : نظرية محورية كلا الاثنين الكتاب والسنة كل منهما مستقل عن الآخر فكلاهما محور وأساس ، وهذا لا يوافق عليه السيد الحيدري أيضاً لأنه يراه ناظراً للسنة المحكية فقط ، نعم لو ثبت عنده من السنة الواقعية شيء فهو أساس مستقل عنده كالكتاب .
 
الرابعة : نظرية محورية القرآن ومداريَّة السنة ؛ وهي التي يتبناها السيد الحيدري تبعاً للعلامة الطباطبائي في تفسيره كما ذكر هذا في أطروحة أخرى ، وخلاصتها : أن القرآن هو المحور والأساس في العقيدة والفقه والكلام والعرفان وكل المعارف الدينية وأن أي حديث يرد علينا لابد من الاستضاءة بالقرآن بعرضه عليه حتى يقرر بعدها أنه يقبل أو يرد ويضرب به عرض الجدار ، فالقرآن هو المحور والسنة هي المدار .
 
هذا خلاصة ما ذكره في الحلقتين الأوليين من أطروحته (من إسلام الحديث إلى إسلام القرآن ) .
 
ثم بين السيد الحيدري خارطة الطريق وخطة البحث في مشروعه التصحيحي على مراحل : 
 
المرحلة الأولى : بين فيها أن الانتقال في فهم الاسلام من القرآن للحديث قد وقع بفعل الوضاعين والمدلسين بعد غياب 130 سنة عن التدوين فوصلتنا الأحاديث الإسرائيليات والنصرانيات (على حد تعبير الحيدري) فصار الموروث الروائي للشيعة فيه كثير من تلك الروايات ، فيحتاج إلى تنقية أولاً قبل العمل به والأخذ منه ، ولذا فإسلام الحديث لم يعد صحيحاً وأما إسلام القرآن فهو الاسلام النقي الذي ينبغي الرجوع للأخذ به ومنه لأن مصدره آيات الكتاب العزيز ، ويقول إن إسلام الحديث المرفوض عنده هو السنة المحكية لا الواقعية ولذا فليس من مانع عنده عن الأخذ بالسنة القطعية .
 
المرحلة الثانية : بيان ما هو تأثير هذه المرحلة على العصور اللاحقة بعدها ، قال في القسم الأول من أطروحته : فمن المعروف أنه في حوار الحضارات ما من ثقافة وحضارة تتداخل مع حضارة أخرى إلا وتؤثر فيها لكنها تتأثر بها ، وحينها يظهر لنا التأثر في الموروث الروائي بالإسرائيليات .
 
المرحلة الثالثة : هل أن الموروث الروائي السني استطاع اختراق الموروث الروائي الشيعي أم لا ؟ قال : كل شيء قابل للاختراق ، فقط القرآن والنبي والمعصوم لا يُختَرَقُون ، وفي هذه المرحلة أشار إلى روايتين أو ثلاث في امتناع بعض الرواة الشيعة من مجالسة العامة خوف أخذهم الروايات منهم لما رأوا أن الكثير من الشيعة قد خلطوا روايات من السنة بروايات الشيعة.
 
المرحلة الرابعة : هل أثَّر الموروث الروائي الشيعي المتقدم في الموروث الروائي الشيعي المتأخر أم لا ؟ وفي هذه المرحلة أجاب عن إشكال مقدر عليه وهو : لمَ تطرح هذا في القناة الفضائية ؟ فأجاب : كل شيء الآن في القنوات ولا داعي لحصر البحث في الحوزة ولأن الكلام في تشكيل العقل الامامي وعلى حد تعبيره ( العقل المكَّون ) .
 
المرحلة الخامسة : عرض للنتيجة من تلك المراحل والتي هي : هل يمكن اعتماد مثل هذا الموروث الروائي السني والشيعي أم لا ؟ ومن باب المثال قال : المنطق القرآني يدعو للحوار والمنطق الروائي يدعو للإرهاب .
 
ومن هنا استخلص رأيه ونظره في الالتزام بمحورية القرآن ومرجعيته وأصالته ومداريَّة السنة بعرضها على الكتاب ، فلا يمكن العمل بالرواية والحديث إلا بعد عرضه على الكتاب ، وكل حديث مخالف للكتاب يضرب به عرض الجدار لأنه ليس مما قبلته محورية القرآن .
 
وضمناً في آخر التوضيح لخارطة الطريق قال في الدقيقة 42 : ليس للمرجعية أصل قرآني فما هو الموروث الذي شكَّل المرجعية ؟ المؤسسة المرجعية جزء من الموروث الروائي . وهذا أمر غريب منه إذ إنه لم تكن في الحديث من مناسبة للتعرض للمرجعية .
 
هذا مجمل ما قام الحيدري بتشييده من مشروعه التصحيحي الذي دعا إليه ولا أظن فيه إضافة على هذا التلخيص ، وأما ملاحظاتنا على هذا المشروع من حيث المنهجية والطرح والمادة مقارنة مع مشروع جورج طرابيشي فقد قدمنا منهجية طرابيي في كتابه وسوف يكون المنطلق مع الحيدري هنا من خلال هذه المحاور الثلاثة ودعوى التجديد فيها :
 
فأما المحور الأول : وهو المنهجية ؛ فمن المعلوم الواضح لكل مثقف ولكل متخصص في أي صنف من العلوم أن منهجية البحث لابد وأن تصاغ بطريقة واضحة لأجل أن توصل للنتيجة المطلوبة ، وهنا عندنا صنفان من الملاحظات على منهجية السيد الحيدري :
 
الصنف الأول : ما يرتبط بدعوى التجديد في أصل المنهجية
 
الصنف الثاني : ما يرتبط بالمنهجية ذاتها .
 
فنقول : أما الصنف الأول من الملاحظات : فليس له منه حظ أو نصيب سواء في الكليات والكبريات منها أم في الجزئيات ، وذلك لأنه بالنسبة للتجديد في الكبريات منها فهو نفسه قد اعترف مكرراً في أكثر من مقام ومحاضرة من محاضراته وأطروحاته هذه بأن هذه المنهجية قد كانت ممن سبقه من العلماء الأعلام من المتقدمين والمتأخرين والمعاصرين ، وأن ديدن الحوزة الشيعية المعروفة بفتح باب الاجتهاد هو هذا المسلك والمنهج في فتح باب النقد الذاتي للموروث سواء من حيث السند أم من حيث الدلالة أم المضمون ، فلا يثبت بما أتى به أي تجديد في هذا الطرح المنهجي .
 
وأما من حيث صغريات المنهجية فتعال لِنرَ إن كان فيها تجديد أم لا ! وبالطبع فإن التجديد الممدوح والذي يكون مقبولاً هو ما كان مبنياً على الأسس السابقة وأما ما كان مبتنياً على هدم الأسس المسبقة تماماً فليس تجديداً ، بل خروج عن المنهجية التي يقول إنها كمنهجية المتقدمين أصلاً ، وفي المقام هو جعل المحور الأساس القرآن كمادة للمنهجية كما أنه جعل الغرض الأساس له عرض الموروث الروائي على القرآن ، وقد توصل في نهاية المطاف بتلك المنهجية إلى عدم صلاحية الموروث الروائي الشيعي للاعتبار و خلاصة ذلك :عدم صلاحية الموروث الروائي الشيعي للمحورية لتحديد صوابية غيره ، بل عدم الصلاحية للأخذ به كما هو عليه قبل العرض ، وهذا بخلاف القرآن ومع تحقق الاختراق من الموروث الروائي السني للموروث الروائي الشيعي وتأثر الموروث الروائي الشيعي المتأخر بالمتقدم منه لزم ضرورة عرض الموروث الروائي الشيعي على القرآن لتمييز الصحيح من السقيم .
 
أقول : هذا عين ما يقوم به علماؤنا منذ أكثر من ألف سنة حيث إن ديدنهم (( ما خالف كتاب ربنا فلم نقله)) تبعاً لروايات العرض ، إلا أن الشأن في تحديد المخالف ما هو ، والذي يظهر من كلام الحيدري أنه يرى لابديَّة عرض جميع الروايات الصحيحة السند وغيرها كما صرح بهذا ـ باعتبار أن مبناه الوثوق وليس الوثاقة ـ بأي نحو كان التخالف بين الأخبار أو بينها وبين الكتاب ، وهو إنما يذهب لهذا لأنه يرى أن الاعتبار بالمضمون فقط .
 
لكن لا يخفى أن محورية ومرجعية القرآن مقبولة عند الجميع إلا أنها مسبوقة بمراحل أخرى ، وقد لا تصل النوبة للرجوع للقرآن ، فيتميز الحديث المعتبر من غير المعتبر بالعلاج بما سبق من المراحل المذكورة في الروايات العلاجية كالترجيح السندي والشهرة وغيرها ، فتعمية السيد الحيدري على المستمع وإيهامه بأن السنة لا محورية فيها مطلقاً لاحتمال الخطأ والوضع والدس فيها على إطلاقه لا يحفى ما فيه . وينتفي الداعي حينئذٍ لما يطرحه الحيدري في أطروحاته هذه ، فإنه إما هو مطروح ومشبع بحثاً عند العلماء في بحوثهم ومصنفاتهم ولم يأت بجديد فيه ، وإما أنه لا تصل النوبة له في كثير من الموارد .
 
ولنضرب مثالين على المنهجية التي سار عليها في أطروحاته :
 
المثال الأول : نقل نصوصاً مختلفة لعلها روايتين أو ثلاث تفيد أن الموروث الروائي الشيعي قد اختُرق من الموروث الروائي السني بهذه الكيفية : توجد رواية عن تميم الداري على أنها رواية من الإسرائيليات ، وقد نقلت إلى الموروث الشيعي ونسبت للإمام الباقر عليه السلام كيف ذلك ؟ أصل الرواية في تفسير الآية 27 من سورة المائدة ، وقد ذكرها أبو جعفر الطبري في تفسيره جامع البيان ثم نقلها عنه الشيخ الطوسي في تفسيره التبيان قال : قال أبو جعفر ، ثم أخذها عنه الطبرسي في مجمع البيان بقوله : وروي عن أبي جعفر الباقر عليه السلام . فالتبس على الشيخ الطبرسي فظن أن قول الشيخ الطوسي أبو جعفر قد قصد به الامام الباقر فلما نقلها قال أبو جعفر عليه السلام ، ولا شك أن نتيجة ذلك هو حتمية الرجوع للقرآن مطلقاً .
 
والغرض من نقل المثال من قبله هو إثبات كيفية اختراق الموروث الروائي الشيعي من قبل المرويات الاسرائيليات ، بتدرج منها إلى الموروث الروائي السني ومنه إلى الموروث الروائي الشيعي .
 
ولا بأس بالتعليق عليه بالتالي :
 
أولاً : أين ثبت للسيد الحيدري أن هذه الرواية من الإسرائيليات ؟ والفرض أنه لا مثبت من نفس الرواية على ذلك!، وهل مجرد وجود رجل يهودي أو من أهل الكتاب تتحدث عنه الرواية وليس جزء من سندها واتفق أن وقعت له واقعة وبعدها أبلغ النبي بذلك وأصدر حكماً شرعياً ؛ هذا وحده كافٍ بنظر السيد الحيدري في إثبات أنها رواية من الإسرائيليات ؟
 
ثانياً : أليس مقتضى المنهجية العلمية والموضوعية أن يبحث السيد الحيدري في الموروث الامامي من غير طريق تفسير الطبري والتبيان والمجمع ليرى أن هذه الرواية مروية عن الأئمة من غير هذا الطريق أم لا ؟ وإذا كانت مروية من غير هذا الطريق فهي ليست من الاسرائيليات حينئذٍ ، وفعلاً هذا ما تم بالبحث السريع السهل ، فالرواية موجودة في الكافي عن تفسير القمي بسند مرفوع ، كما أنها موجودة في مستدرك الوسائل بسند متصل تام وصحيح إلا أنه عن الامام الصادق عليه السلام وليس الباقر عليه السلام ، إذن فللرواية أصل في كتبنا من غير الطبري في تفسيره والكافي سابق على الطبري قطعاً . فهل هذه منهجية علمية وموضوعية ؟ وهل يثبت بها ما أراده من عملية الاختراق التي يدعي اكتشافها في موروثنا الشيعي ؟؟
 
المثال الثاني : تعرض في ضمن كلامه حول حديث الثقلين من الأطروحة الخامسة من (القرآن في حديث رسول الله) ، تعرض لهذه النقطة وهي : أن الثقلين هما القرآن والعترة ، إلا أن القرآن هو الثقل الأكبر والعترة الثقل الأصغر ، وقال النبي صلوات الله عليه وآله في آخر الحديث ( وإنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض) ، إذا فالقرآن لا يفارق الإنسان في كل نشئاته في الدنيا وقبلها وبعدها وفي القبر والحشر والنشر ويوم القيامة ولذا فالقرآن هو الشافع المشفَّع يوم القيامة وأطال في هذه النقطة كثيراً .
 
وقال : والسبب في ذلك هو أن القرآن لا اختلاف فيه وهو الموجود عند المسلمين قاطبة والمتفق عليه بينهم لا يختلف فيه إثنان فلذا صار ملازماً للإنسان في كل نشئاته ولا يفارقه ، بينما العترة ليست كذلك في كل نشئات الإنسان لأنها مورد اختلاف عند الأمَّة فأهل السنة يرون أن الثقل الثاني هو سنَّة النبي وليس العترة ، ثم العترة قد اختلف فيها فالبعض اتبعها والبعض خالفها ، والبعض قال العترة زوجاته أيضاً ، فلذا ليست هي كالقرآن .
 
ومن هنا وصل لنتيجة غريبة أيضاً حيث قال : من هنا قلنا بمحورية القرآن ومرجعيته أولاً وأصالته وضرورة عرض الموروث الروائي على القرآن ، وذلك لأن الحديث ليست له محورية وليس ملازماُ للإنسان في كل نشئاته .
 
وقال في القسم الرابع من القرآن في حديث رسول الله :
 
(أنا المهمّ عندي في القرآن الكريم أن المرجعية سوف تكون واحدة، يعني نحن عندما نذهب إلى الحديث نجد أن المرجعية متعدّدة يعني مرجعية كلّ فرقة وكلّ مذهب وكلّ جماعة لهم مرجعية في الحديث والرواية تختلف، كلّ له قواعده وكتبه الحديثية ومرجعياته الخاصّة به إلى آخره ولكن عندما نأتي إلى القرآن بعد لا يوجد اختلاف في المرجعية، الجميع متّفق أن القرآن هو المرجع في جميع المعارف الدينيّة وهذه هي النقطة المركزية). والغرض بنظره من نقل المثال إثبات أن تلك المنهجية المتقدمة قد أفادت صحة المدعى من مرجعية القرآن ومحوريته وضرورة عرض الموروث الروائي على القرآن ، وهذا ما يتفق عليه جميع المسلمين سنَّة وشيعة .
 
ويمكن التعليق عليه بما يلي :
 
أولاً : قد جعل النبي صلوات الله عليه وآله الثقلين في حكم واحد ، وحكم الأمثال فيما يجوز وما لايجوز واحد ، فلمَ اعتبر الحكم مقصوراً على أحدهما دون الآخر ؟ وسيرورة القرآن في كل نشئات الانسان ليس مبرراً لذلك ، لأنه يمكن أن يقال فلتكن سيرورة العترة مع الإنسان في كل نشئاته أيضاً بحكم أنها عدل القرآن حكماً وواقعاً .
 
ثانياً : من أين فهم من الحديث هذا الفهم وهو : أن المقصود هو ملازمة القرآن للانسان في كل نشئاته ؟ أهو من قوله : إني مخلف فيكم الثقلين ؟ أم من قوله : لن يفترقا ؟ أم من قوله : كتاب ربكم الثقل الأكبر ؟ لم يتضح لنا شيء من ذلك . إذ أن كل هذه العبارات تدل على تلازم الكتاب والعترة والأمر النبوي بالتمسك بهما لا أنه إخبار عن أمر خارجي وهو ملازمة الكتاب أو العترة للإنسان في كل نشئاته كما توهم ذلك السيد الحيدري ، وإن كان هذا مطلوباً واقعاً ، لكنه لو لم يقع خارجاً لم يضر بصدق الحديث أو تمامية دلالته . إذ أن كل ما يدل عليه الحديث هو أن القرآن والعترة قد خلَّفهما الرسول بين أيدي الناس بمعنى أنه جعلهما بين أيديهم ، وأنهما ـ بنص النبي ـ توأم مقترن دائماً ولا يفترقان عن بعضهما البعض إلى يوم القيامة ، فالحديث يتكلم عن عدم افتراق القرآن عن العترة وعدم افتراق العترة عن القرآن ، لا عدم افتراق القرآن عن الإنسان فتأمل ! 
 
ثالثاً : ما الذي جعل السيد الحيدري يمنع حجية العترة ومحورية الحديث في عرض محورية القرآن والتي ثبتت بقول النبي صلوات الله عليه وآله من استمرار ارتباطها بالقرآن بنص حديث الثقلين ؟ أهو ما أشار إليه من أن القرآن يدعو للوحدة ، والعترة ليست كذلك ؟ فنسأله : أين وجدت كلاماً للعترة يدعو للفرقة أو يمنع من الدعوة للوحدة والتآلف بين المسلمين ؟ أم هو ما أشار إليه من أن القرآن لا يختلف فيه أحد بخلاف العترة بدعوى أن الاختلاف حولها يوجب اختلاف المسلمين ؟ فجوابه : إن هذا رد صريح لكلام رسول الله صلى الله عليه وآله وعدم امتثال لأمره بالالتفاف حول العترة كالالتفاف حول القرآن . ولازم تلك المخالفة هو تحقق الاختلاف والفتنة بسبب ترك العترة ، لا أن الأخذ بالعترة مما يُختلف فيها فلذا نتركها منعاً للاختلاف كما فهمه السيد الحيدري ! فيكون خلاف ما أراده النبي صلوات الله عليه وآله من إظهار حديث الثقلين للأمة . والقول بأن الممنوع من كلام العترة هو السنة المحكية وأما السنة الواقعية فلا يمنع منها تبعيض في حجية العترة المأمورين بالأخذ بكلامهم في الحديث ، خاصة وأنه هو نفسه قد أحصي عليه موارد يأخذ فيها بالسنة المحكية ويستند لأحاديث ليس مقطوعاً بصدورها ، أي أنها سنة محكية ليس إلا .
 
مع أن أساس صياغة الحديث بلسان النبي صلوات الله عليه إنما كانت لعلم النبي بعدم امتناعهم عن قبول القرآن فأراد ضم الحديث للقرآن في الحكم ، فإسقاط العترة عن الملازمة لكل نشئات الانسان بلا موجب واضح أو برهان قطعي . وإسقاطها عن الحجية والمحورية أيضاً كذلك ، وما ذكره من السبب ليس منطقياً ولم يُقم برهاناً عليه بل هو أمر استحسنه فرتب الأثر عليه 
 
رابعاً : مع الالتزام بمرجعية القرآن كما يريد الحيدري وأن مرجعيته متفق عليها بين المسلمين ؛ إلا أن الشأن كله في تأثير هذه المرجعية إيجابياً عليهم ، وهذا ما لم يتحقق ولن يتحقق بما هم عليه من اختلاف التوجهات فيما بينهم إلى فرق ومذاهب ، وبعبارة أخرى : إن السبب الذي دعا الحيدري للمنع من اعتبار مرجعية الحديث هو نفس السبب الذي لا يزال موجوداً في مرجعية القرآن ، فما الذي أثبته حصر المرجعية في القرآن ؟ وما الذي نفاه نفي مرجعية الحديث ؟ إذ الفرض أن مرجعية القرآن عند سائر الفرق والمذاهب تعتمد على ما يفهم من القرآن إما بالظاهر منه وإما بالمعتمد في تفسيره على الروايات ، فالأول لا أثر له لأنهم قد اختلفوا في ظواهر الآيات كثيراً ، والثاني لا يعتمده السيد الحيدري لأنه يوجب رجوع إشكاله الكلي على الموروث الروائي .
 
إذن فقد اتضح لك أخي القارىء ضعف المنهجية التي اتكأ عليها وتهافتها بنفس كلامه وليس من خارج كلامه ، كما أن دعوى التجديد في المنهجية لم يكن له منه حظ ولا نصيب ، والأمثلة التي طرحها يطول الكلام فيها إذ أن جلها إن لم يكن كلها لم يكن موفقاً في التمثيل بها على مدعاه وهذا يدل على عدم إحكام المنهجية ولا القدرة على تطبيقها على الموارد ، من قبيل نفيه رؤية الامام الحجة في زمان الغيبة الكبرى إلى درجة الاستحالة ثم التفت لخطئه فقال بالامكان الوقوعي بعدما أُرسل له رد بذلك ، ومسألة الالتزام بالرواية الثابتة بالنقل المستفيض إن لم يكن متواتراً ومن الفريقين ألا وهي : حب علي حسنة لا تضر معها سيئة ، وغيرها من المسائل ، ففي كل هذه الموارد لم يوفق السيد الحيدري في تطبيق منهجيته .وإلى هنا نصل إلى نهاية هذه الحلقة .وسوف نتعرض في الحلقة القادمة وهي الأخيرة لجهات الإشكال على السيد الحيدري في أطروحاته بشكل كلي إن شاء الله وإن كان فيما قدمناه هنا الكفاية والحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد وآله الطاهرين .

قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


سماحة الشيخ حلمي السنان القطيفي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2013/08/25



كتابة تعليق لموضوع : من إسلام الحديث إلى إسلام القرآن بين الحيدري وطرابيشي ح4
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net