صفحة الكاتب : نجاح محمد الكاتب

الأخوة الانسانية 1
نجاح محمد الكاتب

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
هل يدعو الاسلام الى القطيعة مع الآخر و اجتنابه والتمايز عنه في مواطن السكن وأنماط العيش وسلوكيات الحياة ليعيش المسلمون في مجتمع منعزل عن الآخرين؟
أم أنه يدعو الى التعايش مع الآخر والانفتاح عليه ونسج خيوط العلاقة معه بما يحفظ للمسلم هويته ويحول دون انجرافه مع الآخر فكرا\"وسلوكا\"؟
قد نجد في واقعنا من ينظر لفقه القطيعة والتباعد عن الآخر وضرورة تقسيم البلاد الى دارين ( دار الكفر ودار السلام ) ويرى هولاء أن ابتعاد المسلم عن غيره و تواجده في مجتمع المسلمين الخاص بهم كفيل بحفظ هويته الدينية التي تميزه عن الآخر,من حيث العمق والمضمون وما يحمله من اعتقادات أو يقوم به من ممارسات ,وان من حيث الشكل والظاهر ومايختص به من طريقة لبسه وتزينه أو نحو ذلك,فهو ان هذا النمط من التفكير سليم من الناحية الشرعية وواقعي من الناحية العملية؟
لا افراط و لا تفريط :
قد يكون من نافلة القول : ان الدعوة الى الابتعاد التام عن الآخر أو ابعاده عن دائرة المجتمع الاسلامي لا تملك حجة شرعية ,فالاسلام لايوافق على التطهير الديني كما لا يوافق على التطهير العرقي ,ويعتبر أن التطهير ,عرقيا\" أو دينيا\" هو نوع من العصبية المذمومة والمحرمة.
ولئن كان البعض قد يعتبر قول النبي (ص) : (( أخرجوا اليهود من الحجاز ,وأهل نجران من جزيرة العرب)) , دليلا\" على اقرار الاسلام سياسة التطهير الديني , فاننا نعلق على ذلك:
اولا\": ان هذا الحديث لم يثبت عند بعض الفقهاء. يقول السيد الخوئي (قده):المشهور بين الفقهاءأن على المسلمين أن يخرجوا الكفار من الحجاز ولايسكنوهم فيه,ولكن اتمامه بالدليل مشكل)) منهاج الصالحين 1-400.
لكن يمكن دفع التشكيك السندي بالحديث بعد تظافره وروايته من طرق الفريقين.
ثانيا\": ان من الوارد أن يكون ذلك تدبيرا\" مؤقتا\" ارتآه رسول الله و أوصى المسلمين بتنفيذه حرصا\" على سلامة الدولة الاسلامية الفتية من اي عدوان داخلي يعمل على تقويضها ,يقوم به اليهود الذين عرفوا بالكيد للاسلام والمسلمين , على أن هذا الحكم لو ثبت ,فهو حكم خاص بهذه البقعة الاسلامية التي تعتبر قاعدة الدولة والحركة الاسلامية و مركز التوحيد وقبلة المسلمين و مكان حجهم وعمرتهم.
وفي مقابل ذلك,فان الدعوة الى مسايرة الآخر والتماشي معه بما يؤدي الى ضياع ملامح ومعالم الشخصية الاسلامية,والتنازل عن بعض الشعائر , والتغاضي عن بعض المنكرات , وتجاوز حدود الله ,هي دعوة مرفوضة , نعتقد أنها تنطلق من عقدة نقص وانهزام نفسي أمام حضارة الآخر وتفوقه المادي والتكنولوجي.
في ظل التداخل والتنوع الديني في غالب بلدان العالم المعاصر ,مما لايمكن تغييره أو تبديله بحكم موازين القوى الفعلية ولأسباب تاريخية أو غيرها , قد تكون الدعوة الى عزل المسلمين و منع اختلاطهم بالأخرين غير عملية و لاذات جدوى , لأن مخاطر الاختلاط والتلاقي ان لم تطل المسلم في الشارع والمدرسة فانها ستطاله من خلال وسائل الاتصال الحديثة , من ((الانترنت )) الى ((الستلايت)) و ما الى ذلك , على ان هذا النمط من التفكير يستبطن في طياته قلة الثقة بالمسلمين او بالمبادئ و القيم الاسلامية , بافتراض أنها تهتز في نفس المسلم أمام أدنى احتكاك مع  الآخرين . وعليه , فيكون الأجدى , بدل أن نحوط الفرد المسلم بجدران خارجية تحول دون تواصله مع الآخر , أن نعمل على تحصينه من الداخل وتعزيز ثقته بدينه , ليستطسع مواجهة التحديات الفكرية والاخلاقية الضاغطة بكل صلابة الايمان و روحية التقوى.
ان الاسلام لا يريد للمسلم أن يعيش حبيس بيته منعزلا\" عن الآخرين ,ولا يطلب منه أن يبني بينه وبين الآخر جدرانا\" مادية كانت أو نفسية,وانما يدعو الى الانفتاح على الآخر و التعايش معه , أو قل الى العيش معه , لأن كلمة التعايش قد تحمل في مضمونها معنى تكلف العيش , ولكنه يريده تعايشا\" يحفظ هوية المسلم من التلاشي والضياع . قد لايحتاج الباحث الى عناء كثير ليكتشف وفرة الشواهد التاريخية والنصوص الدينية  والاحكام الفقهية التي تدعو وتحث على صنع مناخ التعايش و التلاقي مع الآخرين سيما من أتباع الديانات السماوية , فالاسلام لم يلغ أهل الكتاب , بل اعترف بهم و بحقوقهم المتنوعة , بالأخص الدينية منها ,كحرية المعتقد وممارسة الشعائر والعبادات , وقد أسس القرآن الكريم أسس هذا التعايش , معتبرا\" أن الذي يحكم العلاقة معهم هو قانون القسط والعدل وأخلاقية البروالاحسان
(( لاينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا اليهم ان الله يحب المقسطين-الممتحنة 8 )).
وقال أميرالمؤمنين (ع) في عهده لمالك الاشتر : (( وأشعر قلبك الرحمة للرعية واللطف بهم ولاتكزنن عليهم سبعا\" ضاريا\" تغتنم أكلهم , فانهم صنفان : اما أخ لك في الدين أو نظير في الخلق- نهج البلاغة 3/84 )).
كما ان مجتمع النبي (ص) في المدينة كان مجتمعا\" متنوعا\" من الناحية المدنية , وقد اعتبر النبي(ص) في كتابه الذي يشكل أهم وثيقة دستورية وقانونية صدرت عنه لتنظيم العلاقة بين المسلمين واليهود في المدينة أن اليهود والمؤمنين امة واحدة , جاء في الكتاب : (( وان يهود بني عوف امة مع المؤمنين , لليهود دينهم وللمسلمين دينهم و مواليهم وأنفسهم الا من ظلم وأثم فإنه لا يونغ - أي لا يهلك - الا نفسه وأهل بيته - البداية و النهاية ,ج 3 - 275)), وكان مقدرا\" لهذا القانون أن يحكم العلاقة مع اليهود على الدوام لولا غدر اليهود ونقضهم للعهود والمواثيق.
ونشير هنا الى أن نظام الاسلام في العلاقة مع الآخر ليس منحصرا\" بنظام الذمة المعبأ بخلفية سوداوية يحملها الآخرون عن الاسلام بفعل التطبيق السيئ لهذا النظام في بعض المراحل , بل ان هناك (بنظر جمع من الفقهاء) نظاما\" آخر للعيش في ظل دولة واحدة تمنح غير المسلم , كامل حقوق المواطنة ,وهو نظام التعاهد .
وانطلاقا\" من هذا , يكون التقسيم الثنائي للبلاد الى بلاد المسلمين غير دقيق , فهناك قسم ثالث , وهو البلاد المشتركة التي قد يحكمها نظام التعاهد. 
 

قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


نجاح محمد الكاتب
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2011/02/13



كتابة تعليق لموضوع : الأخوة الانسانية 1
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net