أصحاب الصوت العالي والمسؤولية
رائد عبد الحسين السوداني
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
رائد عبد الحسين السوداني

من ضمن ما يعانيه العراق في تاريخه السياسي الحديث ،أو بعبارة أدق منذ ما يسمى تأسيس الحكم الوطني في العراق عام 1921 على يد البريطانيين ،بروز ظاهرة تسنم المناصب لأفراد لا يمتلكون مؤهلات سياسية تتيح لهم وتمكنهم من قيادة العمل السياسي في العراق ،كنواب يختارهم الملك أو الوصي باتفاق مع رئيس الوزراء وبمعرفة وموافقة الإنكليز بطبيعة الحال ،ليستعينوا بهم في تمرير ما يريدون تمريره من قوانين ،واتفاقيات ودائما كان من يتم اختيارهم من أصحاب رؤوس الأموال وفي ذلك الوقت يمثل هذه الطبقة (الإقطاعيون) وهؤلاء يقف خلفهم فضلا عن الحكومة بكل مفاصلها ،الفلاحون وأبناء عشائرهم ،وهناك نوع وصفهم محسن أبو طبيخ في كتابه المهم (المباديء والرجال بوادر الانهيار السياسي في العراق) في صفحة 25بأنها "الطبقة الانتهازية ،هي ذات الصوت المرتفع ،لأنها تخف إلى ما ترى ،وتعج بما تسمع من أجل غاياتها ،من دون تريث وتبصر ،وهذه الطبقة هي المشغلة المدارك ،والمسخرة لمن ولدتهم الظروف التعسة بصفة مصلحين ومخلصين إلى أمتهم ،وتستروا باسم الإصلاح ،فعاثوا في البلاد مفسدين " ويصفهم أيضا وبنفس الصفحة بأنهم "كانوا يتسترون بحجاب كثيف من الإخلاص والصدق ،سعيا وراء غاياتهم ،وهل من غاية يسعون وراءها غير إرضاء رغباتهم ،والقيام بخدمات مآربهم الشخصية" .أما في العهد الجمهوري من الحقبة البريطانية والذي بدأ في 1958جاء الدور للأحزاب في إيصال من يريدون إيصاله إلى أعلى مراتب التحكم دون الرجوع إلى مؤهلاته الشخصية ،بل لمجرد يمتلك قاعدة من المؤيدين أصحاب الصوت العالي الذين يغطون ويسترون عيوب مرشحهم ،ويحسنون من صورته ،فإنه يكون من المحظيين والواصلين إلى السلطة مهما كانت النتائج عكسية على المجتمع بسبب أن هذا المحظي سيلبي طموحات الجماعة التي تبنته .ومن الصور الأخرى والتي برزت إبان الحكم البعثي الأول ،والثاني أيضا ظاهرة صعود هؤلاء الذين أطلق عليهم محسن أبو طبيخ الغوغاء ،وكذلك من كان يسمون بالشقاوات إلى سدة الحكم ،وأيضا كل من يمت بصلة إلى الحاكم وأعوانه فإنه يكون من المحظيين ،فينتظر دوره ليكون أحد حكام هذا الزمن ،ولا يهم إن كان راعيا للأغنام ،أو طريدا هاربا من القانون ،الأمر الذي أدى بالعراق أن يدخل في أتون الحروب الداخلية والخارجية ،وأول هذه الحروب كانت الحرب المنسية التي أعلنها الحرس القومي بقياداته الصبيانية ضد كفاءات الشعب العراقي في 8/2/1963بحجة الانتماء للحزب الشيوعي ،ولما عاد هؤلاء الصبيان إلى الحكم في 1968 لم يتغير شيء سوى التمرس والتدريب على القتل الخفي الذي طال معظم أبناء الشعب العراقي فضلا عن الأزمات والحروب التي أدخل العراق فيها وظلت تداعياتها فاعلة ،ومنها الاحتلال الأمريكي للعراق عام 2003.وبعد الاحتلال الأمريكي وعلى الرغم من صعوبة الموقف وأزمويته ،وكثرة الضحايا والشهداء ،وغرق البلد ببحر من الدماء لا زال سيلانها جاريا وبكل قوة ،كان هناك أملا في أن يتصدى من هو أجدر على العطاء ،وكان لابد أن يتم اختيار الصالح للبدء ببناء جديد لبلد خرب تخريبا ممنهجا وعبر سنين ،لكن ما وجدناه لم يختلف عن سابقاته إن لم يكن ضرره أكبر ،فبعد عودة أحزاب المعارضة محملة بإرث النضال والجهاد ضد حكم البعث ،دفعت هذه الأحزاب بعناصر ضمن القوائم المغلقة لم يُعرف عنها منظرة ،كانت أم فاعلة ثقافيا أو علميا لكننا نجابه بأنها شخصيات جهادية وللمفارقة أنها تحمل مع جهادها وجهاديتها ألقابا علمية مرموقة .ولم يختلف الأمر ولا يختلف عن هذا الوصف في من كانوا في الداخل فهم أيضا دفعوا بمن يريدونهم أن يتبوأوا أعلى المناصب بحجة أنهم يمثلونهم ومنهم وفيهم دون الالتفات إلى أن المنصب ليس منصبا فقط بل هو خطط ،وتخطيط ستراتيجي ،ورسم سياسات آنية ومستقبلية ،وفيه الأمن ،والأمن الغذائي،والاجتماعي ،وكيفية إدارة الملفات ،والعلاقات العامة،وبالتالي فهم اللعبة السياسية ،وكيفية امتصاص الأزمات وطرح الحلول المناسبة لها ،وكيفية التعامل مع فريقه المقرب ،وأيضا مع الفرقاء الآخرين المتربصين لحركاته وسكناته ،فهم أيضا لهم أنصار يوجهون لهم التأنيب في ضياع الفرصة منهم للظهور على الساحة ،ولذلك سيركز العمل والجهد على إحصاء المثالب الناتجة من خلال العمل اليومي وادخارها لليوم الذي ينتظرونه للإنقضاض على خصمهم الذي انتزع الفرصة منهم وفوتها عليهم وعلى أنصارهم .ولذلك ومن خلال هذه الصورة نجد أن لابد للفوضى أن تكون سيدة الموقف وليس العكس .
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat