هواء في شبك ( حكاية ديكتاتورية)
عبد الله السكوتي
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
عبد الله السكوتي

هذه حكاية من زمن ممتلىء بالكراهية ، والقسوة وصعوبة الحياة ، نمت في مدينة جنوبية ، حتى كبر قلبان كانا غضين لطيفين ، قلب حسين ابن سيد حصموت وقلب شمعه ابنة احميدي السالم التي رأت حسين في احدى المرات ، ولم تفعل ما تفعله النساء في الزمن الصعب حيث يجلسن حياء ولايتحركن فتظهر مفاتنهن ، لكن شمعه وقفت وتقدمت من حسين وقبلت يده ، فبهت الشاب وعاد يردد :
( بو انخيله اعلا المتن وتلالي هم العليّه جن جبل وتلالي
نكطة نده ابورقة شهف وتلالي وابطيبها ايعيش السعد والاخضر )
عندها علم سيد حصموت بما يلاقي ابنه فذهب خاطبا لبيت احميدي السالم ، ولكن احميدي احتج بانهم لايزوجون الغرباء فعاد السيد منكسرا حزينا وهو يسمع ابنه يردد :
(بو انخيله اعلا المتن بطواله وشبه الكحيله الرابيه بطواله
كف الحجي مالك غرض بطواله الليل طرّف والفجر بان انظر )
ثم اسلم الروح حبا والما ، ليحظى السيد حصموت بالم اكثر ، حيث ارتفع عويله وهو يقول :
(بو انخيله اعلا المتن من ديره او وجع البضلعك ليجبيلك ديره
يل ما حفظتي احسين غمج ديره عميت اشطوطج والشجر ماخضر )
ثم غادرها ولم يساكن اهلها في جوار ، هذه الحكاية تعكس وجهة نظر البغض والكره والانانية التي كانت سائدة ، نتيجة الحيف والظلم والاستلاب ، ماعزز تفكك المجتمع وانفصام عراه ؛ من المؤكد ان العقليات تختلف باختلاف الظروف المحيطة والظلم والاقطاع اكبر شاهد على تحجر قلوب ابناء العشيرة الواحدة ، حيث يرتقي احدهم على جراح الاخرين فينتزع كرامتهم ويحاول اذلالهم بشتى السبل .
ليست الديمقراطية لفظة حكم الاغلبية فحسب ولكنها ثقافة متطورة تعطي للمرأة انسانيتها فلا تجعلها تجلس في الارض وكانها شيء منبوذ عند مشاهدة الرجل ، بل تعطيها الحق في مجالسته في مكان واحد وفي مجلس واحد ، كما تعطي الحقوق المدنية لجميع فئات الشعب ، بلا اضطهاد او تسلط او استلاب ، هذا المنهج المتطور الذي اخذ بيد المجتمعات نحو الرقي لايمكن له ان يعيد مأساة (حسين) او (شمعه) التي ماتت هي الاخرى لفراق حبيبها ، ولايعطي الحق للجهلة بالاعتداء على حقوق الناس ومصادرتها .
المفهوم الجميل لايعطي من ابتنى بيتا في طريق المدرسة حقا في مصادرة حقوق الاطفال وسيرهم على الرصيف ، حين صادره وضمه الى بيته ، ان الديمقراطية هي ثقافة من نوع متطور وسلوك متحضر يتطلب شعبا واعيا او على الاقل يتقبل الوعي ، والديمقراطية حق للجميع ، عليه ان يطمع بممارساتها بدون الاساءة الى الاخرين فهي تضمن حق المتكلم ، لكنها تتطلب كلاما متزنا ومن غير المعقول ان نتفوه بالتفاهات ومن ثم ناتي بالديمقراطية حجة على كلامنا البذيء ، في الديمقراطية لايمكن لسائق السيارة ان يصادر حقوق الاخرين ويسلك الطرق المتعرجة ، ولايمكن لصاحب المولدة ان يغذيها بالنفط الاسود لتحترق وتخطف ارواح ثلاثة من الشباب المارين في الطريق ، والديمقراطية هي نصيرة حقوق الانسان حين نخرج في التلفزيون ونطالب بحقوقنا كاملة ، بعد ان كنا ممنوعين من الكلام ، واخيرا فالديمقراطية حدبقة العشاق بلا فراق او عنجهية ، ولنأخذ عبرة ونرى الاخر كما نرى انفسنا .
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat