هواء في شبك ( الحضارة والبربرية )
عبد الله السكوتي
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
كتب ادواردو غاليانو في كتاب افواه الزمن : انه بينما الالهة نيام ، او انهم يتظاهرون بانهم نيام ، الناس يمشون ، انه يوم سوق شعبي في هذه القرية الضائعة في محيط مدينة توتونيكابان ، وهناك حركة واسعة ، من قرى اخرى تأتي النساء ، محملات بالحزم عبر دروب خضراء ، انهن يلتقين في السوق ، اليوم هنا ، وغدا هناك ، في هذه القرية او في قرية اخرى ، ويتبادلن الحديث ببطء ، ليطلعن على آخر الاخبار ، بينما هن يبعن ، قليلا قليلا ، هذا الشيء او ذاك .
سيدة عجوز تفرش منديلها على الارض ، وتعرض عليه ما لديها : اوراق الكوبال للتبخير ، اصبغة التيلة والكوتشيتيّا ، وبعض الفلفل الحار جدا ، واعشاب ملونة ، وعلبة عسل بري ، ودمية من خرق ، واخرى من صلصال ملون ، احزمة ، اربطة ، شرائط ، عقود من بذور ، امشاط من العظم ، مرايا صغيرة ..... ؛ سائح حديث الوصول الى غواتيمالا ، اراد ان يشتري منها كل شيء ، وبما انها لاتفهم كلامه ، يقول لها بيده : كل شيء ، فتهز هي رأسها رافضة ، يلح عليها : اخبريني كم تريدين ، وانا ساخبرك بما استطيع دفعه ، ويكرر : اريد شراء كل شيء ، صوته يزداد قوة في كل مرة يصرخ ، اما هي فتمثال جالس صامت ، السائح الضجر ، يذهب ويفكر : هذه البلاد لن تتوصل ابدا الى ان تصير شيئا ، وتنظر هي اليه يبتعد ، وتفكر : اشيائي لا تريد الذهاب معك ، لم تكن بغداد بحاجة الى ان ينبه عليها احد ، او يختارها عاصمة للثقافة العربية لعام 2013 فهي عاصمة الثقافة منذ ان بناها المنصور ، حيث كانت قبلة العلماء والمفكرين والشعراء ، كانت انشودة بفم الشعر لم تفارقه حتى الان ، حاضرة العرب استقبلت حركة الترجمة واحتضنت اللغة والعلم معا ، حتى صارت على كل لسان فطغى اسمها على اسم العراق ، فسماها البعض ام العراق ، وكانت الف ليلة وليلة رسالتها الباقية التي ارسلتها الى دول العالم فغذت الاسطورة هناك باساطير ذات جاذبية خاصة ونكهة لاذعة ، من يجرؤ ان ينافس بغداد في هذا المضمار ، دخلت بغداد التاريخ وباقي مدن العرب تنام تحت وطأة الليل الطويل ، وكان من يبغي العلم لابد له من بغداد ، هجر الشعراء بلدانهم والعلماء واللغويون ، وجاؤوا بغداد ، يبحثون عن ابي نؤاسها وبحتريها ، جاؤوا بيت الحكمة ، فذهلوا ولم يستطيعوا العودة فصاروا بغداديين ، اتعبت الشعراء بنهرين عذبين ، فنامت على ضفافهما آلاف الحمائم تبغي الماء والطين ، بغداد الساحرة التي سحرت حتى محتليها ، وجعلتهم يكتبون عنها بحبور هي عاصمة الثقافة العربية بلا منازع ، وعلى مر السنين ، وليس لهذا العام فحسب ، لم تكن الابراج او البنايات الفاخرة ، قد اكسبت مدنا عديدة الحضارة ، ولم تكن حواضر في ازمان سحيقة ، لكن بغداد التي لم تبع اشياءها ، سلطانة الالقاب ، لانها كالمرأة فيما كتب ادواردو غاليانو ، لم تتملكها العجمة ، فهي فصيحة حد الاعجاب ، ولم تغير من طباعها ، لم تكن عثمانية ولا صفوية ولا مغولية ولابريطانية ولا اميركية ، دائما تطرد الاخرين وتحتفظ باشيائها ، لي صديق مفتون بها يكتب عنها باستمرار ، يتمنى ان يلقب عاشق بغداد او شاعر بغداد ، فقلت له : سبقك الكثيرون ياصديقي ، فقد غلبك النواسي من قبل ومسلم بن الوليد ، احدهما عشق الخمرة والآخر كان صريعا للغواني ، اما نقطتها الدالة ، فشهرزاد ، ومليكها شهريار ، لتبقى كهرمانة محتفظة بجرارها تمنع اللصوص وتلقي الزيت عليهم ، فهي لاتبيع اشياءها .
قناتنا على التلغرام :
https://t.me/kitabat
عبد الله السكوتي

قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat