السياسة فن استيعاب الآخر
باقر العراقي
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
باقر العراقي

كان هناك رجلا حكيما يسكن بلدة ، يحكمها ملك صاحب سلطان متجبر ، ورأي متسلط على وزراءه ومسئولي البلدة في مملكته ، والبلدة تمر بفترات حروب ومشاكل مع الرعية والبلدات المجاورة ، وكان الملك يعود للرجل الحكيم ويتبنى اراءه وقت الازمات ووقوع المشاكل ، ويترك رأي الحكيم جانبا وينفرد برأيه وقت الرخاء .
في احد ايام السلم والهدنة وقع الملك من فرسهِ وبُتِرت يده ، ولما جيءَ به الى الحكيم عالجه وقال له (الحمد لله على صنيعه بك)، فاستشاط الملك غضبا وثارت ثائرته ، وبعد اشهر شفي الملك ، وذهب في رحلة صيد وتاه عن حاشيته ، فوقع بيد قبيلة تعبد صنما ، تقدم له الضحايا من البشر ، فلما بطحوه ارضا امام الصنم وهو يولول ويندب حظه ، وجدوه ابتر اليد ، فتركوه واخلوا سبيله ، وقالوا له لا تستحق ان تكون ضحية لإلهنا ، ولما عاد الملك ، ذهب الى الرجل الحكيم واخبره بقصته ، فأجابه ( الحمد لله على صنيعه بك ) .
في الانظمة المستبدة يوجه الديكتاتور مدافعة صوب العدو المحتمل ، ويتكأ على حائط صنعه بيده ، ويسقط هذا النظام متى ما سقط الحائط الذي يحتمي به ،وتنتهي الامور على هذه الشاكلة في اكثر الاحيان . اما الانظمة الديمقراطيه فالحاكم او الرئيس التنفيذي يعتمد على الشركاء في النظام الديمقراطي سواء كانوا هؤلاء معارضين او حلفاء له ، يبدي لهم اللين ، ويأخذ بمشورتهم وقت الرخاء ووقت الشدة ، وحسب ما تفرضه عليه قوانين الدولة ودستورها ، مع معرفته بأن مثيري المشاكل سيأتون عليه زرافات من اول يوم يتسلم فيه السلطة .
ما يحصل اليوم من ثورات غضب هنا وهناك على الحكومة مرة ، والعملية السياسية برمتها مرة اخرى ، يقوم بها الشركاء والحلفاء معا ،من خلال التصريحات والمظاهرات التي يغلي بها الشارع ،وقد خرجت من طابعها السلمي ، ووصلت الى قطع الطرق ومهاجمة قوات الجيش واستمرت تلك الحالة حتى بعد تنفيذ الكثير من المطالب المشروعة وغير المشروعة ، حتى ان بعضها مخالفة قانونية صريحة حسب اراء بعض المستشارين القانونيين .
كل تلك البراكين السياسية انفجرت نتيجة سقوط شرارة من الحكومة ، في لحظة غابت فيها الحكمة ، وتوارى عنها الاتزان ، فاعتقال عشرة حراس لوزير المالية ،يؤدي الى اطلاق صراح المئات من السجناء ، وجملة من التنازلات التي كان من المفروض ان تكون مكسبا للحكومة لا وبالا عليها ، فالتنازلات التي تعطى اثناء الازمات ،والتي تأتي بعد رد فعل الشركاء السياسيين على الحكومة ،تُحسب فشلا كبيرا عليها ، وتعطي انطباعا على ضعفها وعدم تمسكها بالثوابت القانونية على الاقل ، مقابل البقاء في السلطة ، وكل ذلك يدلنا بان السياسة هي فن استيعاب الاخر ،وفق الطرق القانونية والدستورية وليس فن الازمات المفتعلة والتنازلات المذلة .
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat