السياسة بين المبدئية والانتهازية
بوقفة رؤوف
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
ان الذي يحترف السياسة ويخوض غمارها , يكون ذلك لأجل تحقيق هدف , هذا الهدف لا يختلف اثنان في سموه وأهميته ونبله , سواء كان تحقيق الاستقلال (كما هو موضوع دراستنا) أو لأجل بناء الدولة أو لتعزيز مكتسبات وانجازات ثورية كانت او ديمقراطية او وطنية أو حضارية من مبادئ متفق عليها كتحقيق العدالة الاجتماعية أو حماية مكتسبات الأمة أو التنمية الاقتصادية ...
لكن ليس كل سياسي يرفع شعار طموح وهادف يكسب به تعاطف الجماهير موسعا به قاعدته النضالية هو سياسي ذو مبدأ , فالمبدأ ليس شعار يرفع ولا بيان يتلى , بل هو نضال مستميت , وهذا ما يميز السياسي المبدئي عن السياسي الانتهازي الذي يرفع المبدأ كشعار يتكسب منه ويبتز ويساوم لأجل تحقيق طموحات أنوية ( نسبة للأنا ) , فتجده يتموقع في خندق المعارضة ليرعد ويبرق دون أن يمطر باكيا على حال الديمقراطية والحقوق الضائعة مهددا بالإضرابات والاعتصام والعصيان المدني , فان فاوضه النظام , قبل بالمنصب العالي أو بالرصيد المالي لأجل تحسين صورة النظام لينخرط في حملة الدفاع عنه ويصبح الناطق غير الرسمي للسلطة ليكون معارضة مدجنة ( نسبة للدواجن) أليفة , موجهة وفق خارطة طريق معدة سابقا من طرف النظام لأجل اضفاء الطابع الديمقراطي الشكلي على المشهد السياسي
هذا هو السياسي الانتهازي, لا السياسي المبدئي المؤمن بقضيته المدافع عنها بالنفس والنفيس لسان حاله يقول :" لَوْ وَضَعُوا الشَّمْسَ فِي يَمِينِي ، وَالْقَمَرَ فِي شِمَالِي ، عَلَى أَنْ أَتْرُكَ هَذَا الأَمْرَ مَا تَرَكْتُهُ ، حَتَّى يُظْهِرَهُ اللَّهُ ، أَوْ أَهْلِكَ فِيهِ ،
بينما السياسي الانتهازي هو الذي يركب المعارضة ليقدم نفسه خادما وفيا للنظام خائنا لمبادئه , فلا يرضى عليه النظام يبقيه في مصاف الخدم دون ترقية , ليتخلص منه في حالة توفر خدم آخر وهم متوفرون والحمد لله في قاعة الانتظار وفي القوائم الاحتياطية للنظام
أما السياسي المبدئي فهو يفرض نفسه كبديل للنظام لا خادما له أو معاونا أو حتى شريكا لأنه موقن بأن النظام لا يؤمن بالشراكة وأن وجود أحدهم يترتب عنه الغاء الثاني أو تحيده أو تهميشه أو تعطيله
من الخطأ الاعتقاد أن النظام يصنع السياسي الانتهازي ليواجه به السياسي المبدئي ,أو ليشتت المناضلين ويفرقهم عنه كوسيلة حصانة أو حماية ذاتية له
ان الانتهازية جزء من الطبيعة البشرية , يقتصر دور النظام على الاغواء فقط والتزيين والمراودة على النفس لأنه هناك دوما قابلية نفسية للخيانة وللإثراء غير المشروع وللمناصب العليا ولبيع الضمير في سوق النخاسة السياسة .
ان بيان أول نوفمبر كان نص قطعي الدلالة في قمة الوضوح , أين أحدث القطيعة مع السياسة الانتهازية ليعلن مبادئ ثورية في التغيير , فالمستدمر الفرنسي هو المشكلة ولا يمكن أن يكون جزء من الحل وكذلك محترفي السياسة الانتهازيون هم جزء من استمرارية المشكلة الاستعمارية لا جزء من الحل الذي يخدم الشعب الجزائري المسلم, وان قدمت السياسة الانتهازية حل للمشكلة الاستعمارية فهو حل يخدم الطرح الاستعماري لا يخدم الأمة الجزائرية.
ان بيان أول نوفمبر وضع أسس السياسة المبدئية وفضح الانتهازية والعمالة السياسية , فكان بحق آية تطهير للسياسة الجزائرية من رجس العمالة والانتهازية وما أحوجنا في الوقت الراهن لترجمته في حياتنا السياسية كمرجعية سلوكية لا قولية أو ورقية فقط , لأجل أن نصدق مع أنفسنا قبل أن نصدق مع الشعب وإذا تحقق وصدقنا مع أنفسنا فسوف نصدق ونتصالح مع الشعب .
قناتنا على التلغرام :
https://t.me/kitabat
بوقفة رؤوف

قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat