جانب من الاجتهاد والتقليد عن الامامية
الشيخ حيدر ال حيدر
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
الشيخ حيدر ال حيدر

يدعي البعض انه لا بد من اتكون عند المتصدي لاستنابط الأحكام الشرعية ملكة يعرف بها الحكم الواقعي , وهي ملكة الهية لا تحصل بتحصيل العلوم الكسبية والطرق العادية مهما استغرق البحث فيها سعة وعمقا .
وفي مقام الرد عليها وعلى شبهات أخرى باختصار اقول متوكلا على الله:
1- الملكة الالهية هنا تحتمل احد معنيين
ا- التوفيق ومدّ يد العون من الله تعالى لعبده الباذل جهده والتارك للكثير من الملذات والاستراحات من اجل امتثال الوجوب الكفائي المتعلق بتحصيل ولو الظن المعتبر بالحكم الشرعي . بتسهيل بعض المتطلبات كاتمام الصحة وتسهيل تحصيل المصادر وزيادة قوة الحفظ ونحو ذلك من توفير ما يساعد على الدراسة وكسب العلوم . وهذا المعنى مطلوب ويصعب جدا ان لم يكن ممتنعا عادة بلوغ رتبة الاجتهاد من دون هذه التسهيلات والتوفيقات الالهية.
ب – ان يكون المراد بالملكة الالهية هي امكانية تحصيل العلوم بغير الطرق العقلائية المتعارفة كالمكاشفات العرفانية , وهذا مما يجعل عملية الاستنباط اقرب الى استيحاء الحكم الشرعي مباشرة او استيحاء ملاكه , وهذا مما يجعل عملية الاستنباط غير خاضعة للرقابة العلمية والموازين المعرفية المتعارفة عند العقلاء مما يفسح المجال رحبا امام المدعين وناقصي التعلم للافتاء من دون رقيب ولا حسيب . مضافا الى انه لم تثبت حجية المكاشفات العرفانية ويكفي لنقضها التعارض الحاصل بين مكاشفتين على الاقل .
ثم ان الملكة التي يسعى طالب الفقه لتحصيلها هي ملكة استنباط الحكم الشرعي من مداركه المقررة شرعا وليس من بين تلك المدارك المكاشفات المدعات التي لا دليل على وجودها وواقعيتها فضلا عن حجيتها . فالجهد الذي يبذله طالب الفقه لتحصيل تلك الملكات ينحصر في العلوم الكسبية وكثرة التمرن والممارسة والتزود بالخبرات العملية لتطبيق نتائج تلك التحقيقات والتدقيقات .
وبعبارة اخرى ان مساعي الطالب نحو الاجتهاد تنحصر في امرين
أ-استكشاف النظريات الصحيحة وتقرير قواعد عامة ورسم المنهجية العامة لعملية الاستنباط وهذا هو عمله في علم اصول الفقه .
ب- تحصيل القدرة على تطبيق تلك النظريات في مختلف الابواب الفقهية , وتحصيل الخبرة العملية اللازمة لذلك من دون الوقوع في مخالفة بعض النظريات الاصولية عند تطبيق بعض آخر , وهذا هو عمله في علم الفقه .
و لكثرة الممارسة هنا دور مهم ولذلك اتفقوا على اختصاص لقب الفقيه بمن مارس عملية الاستنباط فعلا في جميع ابواب الفقه .
هذا على مستوى القدرة العلمية وهي وحدها غير كافية ليكون الفقيه مرجع تقليد , فمن شروط المرجع العدالة والتقوى وطهارة المولد والذكورة ونحو ذلك من الصفات التي باجتماعها يكون سالما من العاهات النفسية والعقد التي من شانها التأثير على موضوعيته .
2- ان التقليد المعمول به عند الشيعة ايدهم الله ركيزة مقومة لبقاء فكر هذه الطائفة المتمثل بها الاسلام الحقيقي. والسعي لتوهينه وفض اجتماع المؤمنين عليه سعي لتوهين التشيع وكسر شوكته .
أما التقليد المذموم فهو التقليد في اصول العقائد لأنها يجب تحصيل العلم بها والايمان والاذعان . وأيضا من المذموم التقليد بدافع التعصب والاصرار على تقليد شخص بعد قيام الدليل العقلائي على مخالفته للواقاع .
وعلى من يدعي التشيع من المحاربين لنظام التقليد طرح البديل الأفضل المناسب لظروف غيبة ولي الامر . والبديل القادر على ابقاء التشيع هذه المدة الطويلة من زمن الامام الباقر عليه السلام .( حيث بدأت حركة الاجتهاد في طول النص وبعدت المسافات بين المؤمنين بحيث صاروا مضطرين للرجوع الى الأقرب الأقدر على تفسير نص الكتاب الكريم والنصوص الواصلة من المعصومين )
3- لزوم تقليد الاعلم هو المشهور بين فقهائنا والمخالف فيه نادر , ولكن سواء ثبت ذلك اللزوم نظريا او لم يثبت فلا سبيل امام المقلد عند الاختلاف بين الفقهاء في الفتوى غير اتباع الاعلم بعد ان كان كل منهم لا يفيد كلامه الا الظن بمطابقة الواقع , لأن الأعلم هو صاحب الحظ الاوفر من نسبة احتمال اصابته الواقع , وتقوى المكلف وحرصه على الابتعاد عن مخالفة مولاه عز وجل يحتم عليه متابعة صاحب الاحتمالية الاكبر . وبذلك يكون معذورا امام الله تعالى عند المخالفة لأنه بذل ما في وسعه .
وبهذا يظهر ان تقليد احد المجتهدين لا يعني اسقاط آراء الآخرين , لانه يحافظ على احتمال صحة فتواهم ومطابقتها للواقع .
4- دعوى لزوم اتباع القول دون القائل , وان اتباع القائل من التقليد المذموم شرعا وعقلا وعرفا , وان اتباع القول هو معنى التقليد الصحيح . دعوى فارغة من المحتوى وليست الا لعب وتمويه وتضييع للبسطاء من الناس . حيث لا يمكن لشخص عادي غير مختص ان يميز بين الأقوال ويعرف ايها المصيب للواقع لأنه لا يعرف ما هو الحكم الواقعي .
نعم لو علم المكلف بالحكم الواقعي عبر الطرق المعتبرة عند العقلاء وذات القيمة المعرفية المقبولة واطمأن لعلمه حرم عليه التقليد حينئذ , لأن التقليد ليس الا طريقا لتحصيل الظن باتباع الحكم الواقعي الذي شرعه الله تعالى واقعا في حق المكلف . فان أمكن العلم لم يبق عذر للعامل بالظن .ولذلك اجمعوا على عدم التقليد في الضروريات من الاحكام الشرعية كوجوب الصلاة والحج والصوم ونجاسة الدم والبول وعدد ركعات الصلاة واوقاتها ونحو ذلك مما هو ثابت لا معروف متيَقّن به .
5- ليس التقليد تحجيرا للعقل واتباعا مذموما للظن كما يدعي بعض المغرضين يتبعهم بعض الجاهلين بحقيقة التقليد . وانما هو الطريق الامثل للحفاظ على روح التدين وتطبيق عملي للعبودية لله تعالى باتباع امره ونهيه ولو الاحتماليين . وهذا لا ينافي الامر باستعمال العقل للتمييز بين الاقوال واتباع احسنها فما اخترته انا بعقلي من الاقوال هو القول بالعمل بالظن المأمور باتباعه من الله تعالى (المعروف بالظن المعتبر شرعا) عند العجز عن تحصيل القطع بالحكم الشرعي المنزل على رسول الله صلى الله عليه وآله ( أي الحكم الواقعي) .
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat