صفحة الكاتب : فلاح السعدي

العراق وتركيا وأمريكا وإستراتيجية اليوم
فلاح السعدي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

  هذا المقال نشرته في عام 1/5/2009م واعترض عليه البعض متوهما ان تركيا تحب العراق ...واليوم انكشفت نوايا تركيا التي خدع فيها حتى بعض القادة مع الأسف ....

  تعتبر تركيا الدولة المسلمة الأولى التي يزورها الرئيس الأمريكي أوباما. وقبيل وصوله إلى تركيا دعا أوباما الأوروبيين خلال قمة الولايات المتحدة - الاتحاد الأوروبي إلى قبول أنقرة عضوا في اتحادهم. ومن المرتقب أن يوجه الرئيس الأمريكي كلمة يخاطب فيها العالم الإسلامي من على منبر البرلمان التركي.

وقال :
((على الولايات المتحدة وأوربا إقامة علاقات صداقة وحسن الجوار والتعاون مع المسلمين في محاربة الظلم وعدم التسامح والعنف. ولا بد لهذه العلاقات أن تبنى على أسس الاحترام والمصالح المتبادلة. 
لذا فعضوية تركيا في الاتحاد الأوروبي ستكون إشارة مهمة تجاه العالم الإسلامي لالتزامكم بهذه الأجندة(( .
برزت لغة الأخذ والرد في السياسة الأمريكية تجاه أنقرة وتبلورت بشكل واضح في قمة الحلف الأطلسي. فتركيا التي عارضت تعيين رئيس الوزراء الدانماركي أمينا عاما جديدا للحلف لأسباب أبرزها موقفه من الرسوم المسيئة للنبي محمد (صلى الله عليه وآله), تراجعت عن موقفها بعد ضمانات وامتيازات قدمها أوباما لها.
اختار أوباما تركيا لكي تكون بوابة أساسية إلى العالم الإسلامي. اختيار أعاده المحللون إلى تطلعات واشنطن لاستعادة ثقة حليف استراتيجي ساءت العلاقة معه في عهد بوش الابن. وكذلك أهمية الدور التركي الإقليمي الذي يوصف بالمعتدل وتجسد في الوساطة بين سوريا وإسرائيل وبين أفغانستان وباكستان. وأيضا الرسائل التي قد توصلها أنقرة إلى طهران إضافة إلى الحدود المشتركة مع العراق، لذا فوريثة الدولة العثمانية مرشحة وبقوة أن تكون منبرا للخطاب الأمريكي إلى الأمة الإسلامية في محاولة لإصلاح ما أُفسد. 
 
الإتحاد الأوربي يرفض ضم تركيا له...؟ وأمريكا تضغط عليه تواليا لقبول ضم تركيا للإتحاد الأوربي .....؟ وهل ما أفسده بوش من سياسة أمريكا في الشرق الأوسط سيتمكن من إصلاحه أوباما ....؟ وهل هناك قوة ثالثة في الشرق الأوسط غير إيران وتركيا...؟ كل هذه تساؤلات من خلال الإجابة عليها ممكن التوصل إلى توجه أمريكا نحو دعم تركيا بكل الاتجاهات ....؟ 
 
أن الرئيس الأمريكي يمارس ضغوطاً جادة وحثيثة ومتكررة بشأن الملف التركي الذي يروح بين أقدامه منذ سنة 2005ميلادية ، وهي السنة التي بدأت فيها المفاوضات التركية الأوروبية من أجل الانضمام للاتحاد الأوروبي ، والتي ظلت تتقدم ببطء، بسبب التعنت الأوروبي ، خصوصاً من جانب فرنسا وألمانيا . 
 
فما السر وراء الدعم الأمريكي القوي والمتصاعد لتركيا من أجل الانضمام للاتحاد الأوروبي ؟ ولماذا يتجاهل الأمريكان اعتراضات القادة الأوروبيين ويواصلوا ضغوطهم في هذا المضمار؟ 
 
في سنة 1947م, كتب جورج كينان رئيس قسم تخطيط السياسات في وزارة الخارجية الأمريكية مقالاً عن تصوراته الخاصة بسياسة الحرب الباردة لأمريكا ضد الاتحاد السوفيتي الذي كان يشهد وقتها نمواً مطرداً ، وتوسعاً فكرياً واستراتيجياً في العالم ، خاصة في القارة الأوروبية ، هذا المقال قدر له أن يكون الأكثر تأثيراً في السياسة الأمريكية الخارجية حتى وقتنا الحالي ، وكان لب سياسة الحرب الباردة من وجه نظر كينان هو احتواء الخصم بالأساليب السياسية ، وتنمية الموارد ، والمساعدات المتدفقة ، وتقوية القوي السياسية الداخلية الموالية لأمريكا ، وغير ذلك من أدوات السيطرة والاحتواء ، ولكن الرئيس الأمريكي وقتها ترومان المعروف بعقيدته الدموية وعقليته العسكرية قرر أن يكون الاحتواء عبر الأساليب العسكرية ، وتم إنشاء حلف شمال الأطلنطي المعروف اختصاراً بالناتو ، وانخرطت أمريكا في سباق عسكري محموم مع السوفيت ، وكاد أن يحدث الصدام العالمي عدة مرات بسبب هذا السباق ، وحبس العالم أنفاسه سنة (1961م) بسبب أزمة الصواريخ الكوبية ، وبإسم الاحتواء دعمت أمريكا الحرب الكورية ، وأنفقت عليها المليارات، ثم دفعت بجيوشها إلي فيتنام ، لعشر سنوات كاملة ، فقدت خلالها ستين ألف جندي ، ومئات المليارات ، من أجل احتواء العدو الروسي ، وظلت أمريكا على طريق الاحتواء العسكري لأعدائها حتى حرب العراق الأخيرة . 
وعلى طريق الاحتواء الأمريكي للعدو الروسي أقام الأمريكان علاقات متينة و متميزة مع عدة أطراف بعينها داخل القارة الأوروبية والأسيوية ، وكان الخيار الاستراتيجي الأمريكي منصباً على إيران وتركيا ، وانطلقت أمريكا في علاقاتها مع تركيا من تصور استراتيجي قائم على (( نظرية قلب الأرض القديمة ))، والاستفادة من الدور الجيوستراتيجي لتركيا ، التي كانت تمثل نقطة التقاء القارتين الأسيوية والأوروبية ، والحضارتين الإسلامية والغربية ، وتقع في قبالة الاتحاد السوفيتي ، الخصم الرئيسي لأمريكا ، ومن أجل ذلك راحت أمريكا تثبت من وضعها داخل تركيا ببناء القواعد العسكرية والاستخباراتية ، وتدفقت المساعدات الاقتصادية والعسكرية الضخمة على تركيا، وأخذت تركيا وضع الدولة الأولى بالرعاية وهي المكانة التي لا تحظي بها في ذلك الوقت سوي إسرائيل ، وهذا لا ينفي مرور العلاقات التركية الأمريكية بفتور خلال بعض الفترات ، مثلما حدث أيام مشكلة قبرص سنة 1974م ، لكن سرعان ما كانت العلاقات المتينة تعود لسالف عهدها ، وبلغ التعاون الأمريكي التركي أوجه سنة 1980م عندما وقعت أمريكا مع تركيا اتفاقية التعاون الدفاعي الاقتصادي المشترك، والتي أعطت تركيا وضعاً اقتصادياً وعسكرياً شديد التميز في المنطقة، وذلك في أعقاب الاجتياح الروسي لأفغانستان، وسقوط حكم الشاه في إيران على يد الثورة الإسلامية للإمام الخميني (قده) ، وبهذه الاتفاقية حصلت تركيا على مساعدات عسكرية ضخمة أهلتها للعب دور هام ومحوري في المنطقة إذ غدت حائط السد المتقدم أمام الطموحات السوفيتية التقليدية ، والإيرانية الحديثة ، وأصبحت تركيا أحد اللاعبين الأساسيين في منطقة آسيا الوسطي والقوقاز والبلقان ، في مواجهة خصوم أمريكا . 
 
وظلت العلاقات الأمريكية التركية على أفضل ما يكون حتى جاء عهد بوش الصغير الذي استطاع بحماقاته المتتالية أن يوسع قاعدة الأعداء والمعارضين لسياساته وحروبه الاستباقية ، وفي نفس الوقت توترت علاقات أمريكا مع العديد من حلفائها التقليديين ، ومنهم تركيا التي لم يبال بوش وبطانته بالإصغاء لنصائحه المتكررة واعتراضاتهم العلانية لأسلوب بوش في إدارة الأزمات الدولية ، بل راح المسئولون الأمريكان في إدارة بوش يعبثون في ملفات تثير حافظة الأتراك ، ولم يجسر أحد من زعماء أمريكا منذ عهد ترومان إلى بوش الصغير على إثارتها ، منها القضية الكردية ، ومذابح الأرمن ، وملف الحريات الدينية ، مما جعل العلاقات التركية الأمريكية تدخل طور الفتور المتبادل ، تمثل في أجلى صوره برفض تركيا السماح للطائرات الأمريكية بالهجوم علي العراق انطلاقاً من أراضيها ، بسبب معارضة تركيا للحرب علي العراق . 
وهذا يبين أن رفض تركيا لانطلاق الهجوم منها إلى العراق ليس حبا في العراق وإنما لبغضها لسياسة بوش وضغوطاته عليها ؟وهذا واضح مما ذكر أعلاه؟
 
ومع تعال أصوات المحللين والمراقبين داخل أمريكا بضرورة التركيز على الدور التركي لإحياء (( نظرية قلب الأرض القديمة ))، ومفادها أن من يحكم قبضته على هذه المنطقة قد أحكم قبضته على العالم بأسره، ووضع روسيا في خانة المدافع القانع من أعدائه بالسلامة ، ومع فقدان الدول العربية وخاصة مصر للقدرة على لعب دور فعال و مؤثر في مواجهة الأخطار المتزايدة التي تهدد أمن أمريكا ، على الرغم من الدور الذي تلعبه دول محور الاعتدال في مواجهة دول محور الممانعة ، ولذلك كان على أمريكا أن تتحرك سريعا لإصلاح ما أفسدته أيام وليالي بوش السوداء ، وإعادة الدفء والحميمة للدولة الأهم بالنسبة للسياسة الخارجية لأمريكا في هذه المرحلة . 
 
ولكن يبقي السؤال ما سر الضغوط الأمريكية الكبيرة واللحوحة من أجل ضم تركيا للاتحاد الأوروبي ؟ 
وفي هذه الفترة تحديداً ؟ وما سر الاسترضاء الأمريكي العجيب للجانب التركي ؟ وهو الأمر الذي دفع كوشنير وغيره من زعماء أوروبا للضجر من الضغوط الأمريكية والتبرم منها علانية ؟
 
هذا السؤال أجاب عليه بكلمات وجيزة المحلل سادات لاتشينر من معهد أوساك للدراسات الاستراتيجية بأنقرة بقوله : أن أوباما يرغب فعلاً في ترسيخ تركيا في أوروبا لكي لا تتجه شرقاً ، فتركيا خلال الفترة الأخيرة ، ومنذ حرب غزة ، وهي تتبني استراتيجية تقارب حثيثة نحو العالم الإسلامي ، بمواقف رئيس وزرائها أردوغان التي كانت قوية ومؤثرة على الصعيدين الرسمي والشعبي ، وأعطت زخماً كبيراً ، وشعبية جارفة للدولة التركية ، بحيث عاد الحديث عن ترتيب الدول الإسلامية العظمى ، وقيادة العالم الإسلامي ، وخرج حديث الشارع والإعلام العربي والإسلامي عن أمجاد ( الخلافة العثمانية ) وتاريخها ومواقفها العريقة ، بحيث أصبح الأمر هاجساً عند الغرب عموماً وعند أمريكا خصوصاً ، مما استدعي سرعة التدخل الأمريكي لاحتواء الموقف التركي المتوجه شرقاً بقوة ، ومن أجل ذلك صعدت أمريكا من ضغوطها على الاتحاد الأوروبي ، وتبنت وجهة النظر التركية المعارضة لتعيين راسموسن الدانماركي على رأس الناتو ، وأعطتها الضمانات الكافية من أجل استرضائها بهذا الشأن . 
 
والنتيجة أن أوباما يحاول أن يأخذ الجادة التي تصحح لأمريكا مسارها الجديد في الشرق الأوسط من خلال سياساته الجديدة المبنية على هذا التكتيك باعتبار أن دول الخليج قد سحب من تحت أرجلها البساط لموقفها السلبي في غزة .....
فلم يبق أمام أوباما غير تركيا ...؟
فعلى العراق أن يتنبه لمخططات الشيطان على هذه البسيطة ...
1/5/2009م
 

قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


فلاح السعدي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2012/08/26



كتابة تعليق لموضوع : العراق وتركيا وأمريكا وإستراتيجية اليوم
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net