حينما نتحدث عن الصبر، تتجلى إلى أذهاننا تلك السيدة العظيمة التي مابرحت حتى بلغت، هيَ عقيلة الوحي الإلهي، زينب بنت علي (عليهما السلام). لقد جسدت السيدة زينب (عليها السلام) نموذجًا للأمة في صبرها، وعزيمتها، وإيمانها الذي لا يتزعزع، وهي تستحق أن تُخلد كلماتها وأفعالها على مر الزمن.
هل وُلِدَ الصبر ليتعلم من زينب؟!
أم وُلِدت زينب لتتعلم من الصبر؟!
امرأة حملت مسؤولية أمة،
فكانت امرأة في أمة،
وأمة في امرأة.
جسدت إسمىٰ معاني الصمود والثبات في الصبر.
صبرها لم يكن مجرد تحملها للآلام والمحن، بل كان إرادة قوية وعزٍ وإباء.
في كربلاء مَلحمة لا تُنسىٰ
زينب في كربلاء تركت لنا دروسًا يتسنىٰ تطبيقها.
كانت على موعد مع بلاءٍ عظيم، مصائب مؤلمة:
حيث شهادة أبنائها،
ذبح أخوتها،
ترويع الأطفال والنساء،
حرق الخيام.
على رغم الحزن الذي كان يجتاح أحشائها،
لكنها لم تعطي له فرصة.
فكان لها إيمانٌ قوي وعزيمةٌ لا تلين.
وتحدثت بكلِ شموخ: "ما رأيتُ إلا جميلًا" ¹.
فكلامها نابع عن إيمان وعقيدة قلبية لا نظير لها.
لأنها تعلم ﴿وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا﴾ ².
صمودها في المسير
رؤوسٌ معلقة على الرماح،
وإمام زمانها مكبَّدٌ بالسلاسل واللوعات.
طفلةٌ قد غشيَ بصرها،
وأمرأة فقدت صميم قلبها،
يتامىٰ وأسرى.
وها هي العقيلة ترعى كُل هؤلاء بكلِ حبِّ وصدق،
وتدعمهم بالكلمات الحانية وتخفف عنهم بكلماتها الرقيقة
دون النظر إلى جراحاتِ فؤادها وآلام مصابها.
تحدَّت كُل المصائب والآلام والمحن بصبرها وحكمتها ونبراسها.
قول الحق عند أهل الباطل
أطياف النور دخلوا الشام.
استقبلوهم بالرقصِ والغِناء،
بالشتيمةِ والسب، برمي الماء الحار.
حيث طشتٌا يُضيء بالنور والبهاء،
بهِ رأسُ أخيها.
وصوت رقية يرتد بالبكاء:
"أين أبي"؟
وضعوا الرمح بين أسنان السبط،
وزينب!؟
كانت تنظر إلى كلِ هذه المشاهد التي تتقطع لها أنياب القلب،
برضا بقضاء الله وقدره،
دون جزعٍ أو ضجر.
فصدعت بصوتٍ عالٍ، يحمل الصرامة والشموخ،
وقالت: "فوالله لا تمحو ذكرنا، ولا تميت وحينا، ولاتدرك أمدنا." ³
هذا الصوت وهذه الكلمات صرخة في وجه الظالمين،
وخوفٌ يرتد على المبغضين.
فكيف لا، وهي بنت ولي المحدقين،
وأمها سيدة العالمين.
صبر السيدة زينب لم يكن عاديًا؛
كانت تدرك تمامًا معنى ما يحدث حولها،
فصبرها كان مستندًا إلى يقين راسخ بأن الحق سينتصر في النهاية، مهما طال الباطل.
لقد تعلمنا منها أن الصبر ليس فقط قدرة على تحمل الألم، بل هو جهاد نفس وعمل من أجل الحفاظ على المبادئ، وعزيمة لا تضعف أمام محن الحياة.
فكيف للإنسان أن يجزع ولديه هكذا قدوة وأسوة؟!
المصادر
–————
¹ـ بحار الأنوار - العلامة المجلسي - ج ٤٥ - الصفحة ١١٦
²- سورة الطور/آية ٤٨
³ـ بحار الأنوار - العلامة المجلسي - ج ٤٥ - الصفحة ١٣٥
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat