ميلاد السيد المسيح عليه السلام (ح 8) (ما كان الله أن يتخذ من ولد سبحانه)
د . فاضل حسن شريف
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
د . فاضل حسن شريف

عن تفسير مجمع البيان للشيخ الطبرسي: قوله جلت قدرته "مَا كَانَ لِلَّهِ أَنْ يَتَّخِذَ مِنْ وَلَدٍ سُبْحَانَهُ إِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ" (مريم 35) ثم كذبهم الله تعالى فقال "مَا كَانَ لِلَّهِ أَنْ يَتَّخِذَ مِنْ وَلَدٍ" معناه ما كان ينبغي لله أن يتخذ من ولد أي ما يصلح له ولا يستقيم عن ابن الأنباري قال فنابت اللام عن الفعل وذلك أن من اتخذ ولدا فإنما يتخذه من جنسه لأن الولد مجانس للوالد والله تعالى ليس كمثله شيء فلا يكون له سبحانه ولد ولا يتخذ ولدا وقوله "من ولد" من هذه هي الذي تدل على نفي الواحد والجماعة فالمعنى أنه لا يجوز أن يتخذ ولدا واحدا ولا أكثر ثم نزه سبحانه نفسه عن ذلك فقال "سبحانه" ثم بين السبب في كون عيسى من غير أب فقال "إذا قضى أمرا فإنما يقول له كن فيكون" وقد مر تفسيره فيما مضى والمعنى أنه لا يتعذر عليه إيجاد شيء على الوجه الذي أراده. وجاء في التفسير المبين للشيخ محمد جواد مغنية: قوله جلت قدرته "مَا كَانَ لِلَّهِ أَنْ يَتَّخِذَ مِنْ وَلَدٍ سُبْحَانَهُ إِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ" (مريم 35) ولو كان للَّه أولاد لاحتكروا لأنفسهم جميع خيراته وبركاته، ومنعوها عن كل مخلوق، وأفسدوا ما أصلح الأب، وملأوا الكون شرا وضلالا تماما كما يفعل بعض أبناء القادة في هذا العصر. وتقدم نظير هذه الآية في سورة آل عمران الآية 59، وسورة الإسراء الآية 111.
عن تفسير الميزان للسيد الطباطبائي: قوله جلت قدرته "مَا كَانَ لِلَّهِ أَنْ يَتَّخِذَ مِنْ وَلَدٍ سُبْحَانَهُ إِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ" (مريم 35) نفي وإبطال لما قالت به النصارى من بنوة المسيح، وقوله: "إذا قضى أمرا فإنما يقول له كن" حجة أقيمت على ذلك، وقد عبر بلفظ القضاء للدلالة على ملاك الاستحالة. وذلك أن الولد إنما يراد للاستعانة به في الحوائج، والله سبحانه غني عن ذلك لا يتخلف مراد عن إرادته إذا قضى أمرا فإنما يقول له كن فيكون. وأيضا الولد هوأجزاء من وجود الوالد يعزلها ثم يربيها بالتدريج حتى يصير فردا مثله، والله سبحانه غني عن التوسل في فعله إلى التدريج ولا مثل له بل ما أراده كان كما أراده من غير مهلة وتدريج من غير أن يماثله، وقد تقدم نظير هذا المعنى في تفسير قوله: "وَقَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ"، الآية: البقرة: 116 في الجزء الأول من الكتاب.
جاء في الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل للشيخ ناصر مكارم الشيرازي: قوله جلت قدرته "مَا كَانَ لِلَّهِ أَنْ يَتَّخِذَ مِنْ وَلَدٍ سُبْحَانَهُ إِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ" (مريم 35) وهذا إِشارة إِلى أن اتخاذ الولد كما يظن المسيحيون في شأن الله لا يناسب قداسة مقام الألوهية والربوبية، فهو يستلزم من جهة الجسمية، ومن جانب آخر المحدودية، ومن جهة ثالثة الإِحتياج، وخلاصة القول: تنزيل الله سبحانه من مقام قدسه إِلى إِطار قوانين عالم المادة، وجعله في حدود موجود مادي ضعيف ومحدود. الله الذي له من القوّة والقدرة ما إِذا أراد فإِن آلاف العوالم كعالمنا المترامي الأطراف ستتحقق بأمر وإِشارة منه، ألا يعتبر شركاً وانحرافاً عن أصول التوحيد ومعرفة الله بأن نجعله سبحانه كإِنسان له ولد؟ وولد أيضاً الولد في مرتبة ودرجة الأب، ومن نفس طرازه. إِنّ تعبير "كن فيكون" الذي جاء في ثمانية موارد من القرآن، تجسيد حي جدّاً عن مدى سعة قدرة الله، وتسلطه وحاكميته في أمر الخلقة، ولا يمكن تصور تعبير عن الأمر أقصر وأوجز من (كن) ولا نتيجة أوسع وأجمع من (فيكون)خاصّة مع ملاحظة «فاء التفريع» التي تعطي معنى الفورية هنا، فإِنّها لا تدل هنا على التأخير الزماني بتعبير الفلاسفة، بل تدل على التأخير الرتبي، أي تبيّن ترتب المعلوم على العلة. دققوا جيداً.
وعن الخلق الاعجازي في ولادة مريم عليها السلام يقول الدكتور الصغير: وهنا الإرهاص التوقعي أن مريم عليها السلام ستلد غلاماً زكياً، بعد أن إنتبذت من أهلها مكاناً شرقياً، وأتخذت لها من دونهم ستراً وحجاباً، فأرسل الله الروح الأمين جبرئيل عليه السلام متمثلاً بشراً سوياً متكاملاً، فأستعاذت به من الله تعالىٰ إن كان تقياً، فأخبرها بأنه رسول الله ليهب لها هذا الغلام، فأنكرت ذلك لأنها لم يمسسها بشر ولم تك بغيّاً، وهنا يتجلىٰ البعد الاعجازي الجديد، في بيان هوان الأمر على الله، وفي جعله آية للعالمين"قَالَ كَذَٰلِكِ قَالَ رَبُّكِ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَلِنَجْعَلَهُ آيَةً لِّلنَّاسِ وَرَحْمَةً مِّنَّا وَكَانَ أَمْرًا مَّقْضِيًّا (21) فَحَمَلَتْهُ فَانتَبَذَتْ بِهِ مَكَانًا قَصِيًّا (22) فَأَجَاءَهَا المَخَاضُ إِلَىٰ جِذْعِ النَّخْلَةِ قَالَتْ يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَٰذَا وَكُنتُ نَسْيًا مَّنسِيًّا (23) فَنَادَاهَا مِن تَحْتِهَا أَلاَّ تَحْزَنِي قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا (24) وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا (25) فَكُلِي وَاشْرَبِي وَقَرِّي عَيْنًا فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَدًا فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَٰنِ صَوْمًا فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنسِيًّا (26)" (مريم 21-26). فالأمر هين على الله ليجعل عيسى آية للناس ورحمة، وكان ذلك أمراً إلهياً تكوينياً، فحملتهُ وإبتعدت به، فأجاءها المخاض مباشرة إلى جذع النخلة، وتحسست بفداحة ما حملت به، فتمنت الموت فناداها الملك أو عيسى ألا تحزني، وتحدث إليها، وأمرها بهز الجذع فتساقط الرطب، وأمرت بالأكل والشرب وقرة العين، وأن تقول لمن تراه من الناس أني نذرت لله صوم الصمت، وإنتهىٰ هذا الفصل، وقد ولد عيسى دون أب، وكان حقيقة واقعة لا تجحد، وتختتم القصة بمثولها أمام قومها، ليتجلى المحور الإعجازي لهم، ويخشعوا صامتين، وهكذا كان، قال تعالى "فَأَتَتْ بِهِ قَوْمَهَا تَحْمِلُهُ قَالُوا يَا مَرْيَمُ لَقَدْ جِئْتِ شَيْئًا فَرِيًّا (27) يَا أُخْتَ هَارُونَ مَا كَانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا (28) فَأَشَارَتْ إِلَيْهِ قَالُوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَن كَانَ فِي المَهْدِ صَبِيًّا (29) قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا (30) وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا (31) وَبَرًّا بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّارًا شَقِيًّا (32) وَالسَّلامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدتُّ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا (33)" (مريم 27-33). ويستخلص من هذا أن مريم حينما جاءت به قومها، جوبهت مباشرة بالاستنكار الشديد، وهذا ديدن الناس في إستعجال الأمر وقالة السوء، وقلق الوضين، فأشارت إليه بحرارة وعزم وإصرار، فأستغربوا إشارتها وعجبوا لها، وصرخوا بفظاعة تكليم الطفل في مهده، وهنا تبدو الآية الالهية الناطقة، لتحسم الأمر في حركة إرادية غير متوقعة وليست بالحسبان، قال إني عبد الله، أتاني الكتاب، وجعلني نبياً إلى آخر ما قال، فأسقط بأيديهم، وأخذتهم الدهشة، وانحلّ كل إغلاق وإبهام، فآمن من آمن عن دليل، وأشرك من قال أنه ابن الله.
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat