صفحة الكاتب : محمد الرصافي المقداد

ما وراء بيان مؤتمر القمّة العربي الإسلامي؟
محمد الرصافي المقداد

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

انعقد بالرياض مؤتمر القمّة العربي الإسلامي يوم الاثنين الماضي (11/11/2024) وتمخّض عن بيان قرأه وزير الخارجية السعودي، لتُطوى صفحة لقاءات زعماء هذه الدول، كما طويت صفحات جميع المؤتمرات السابقة، كما يقول المثل تمخّض الجبل فولد فأرا.

بمشاركة ممثلين من أكثر من خمسين بلدا عربيا واسلاميا(1) من ضمنهم رؤساء وملوك وأمراء التأم المؤتمر بعد مرور سنة كاملة على المؤتمر الذي سبقه، وفي نفس العاصمة السعودية الرياض، بدعوى متابعة نتائج القمّة السابقة، قمم ومؤتمرات أثبتت عقمها، وعجزها في الخروج بحلّ ناجع، أو فرض منطق ذي قوّة، من شأنه أن يأتي بنتيجة لصالح قضيّة الشعب الفلسطيني المظلوم، وكما لم يتحقّق شيء من بنود وتوصيات المؤتمر السابق، فإنّه لن يتحقّق شيء من بيان هذا المؤتمر بالتأكيد، طالما أنّ هناك من قادة وزعماء العرب والمسلمين من يصطفّ بوفاء وتفان، إلى جانب أعداء الأمّة العربية والإسلامية داعمين ومحرّضين ضدّ فلسطين أرضا وشعبا وحقوقا.

لم يعد للعجب فيما يأتيه بهلوانيو هؤلاء الزعماء من تلوّن ورشاقة وسماحة مظهر، وأساليب خطابة، كلّ بحسب من يكتب لهم من مفوّهي بلدانهم من الكتّاب، يقرؤونها تباعا حسب أعراف مؤتمرات القِمم الطارئة والعادية، والتي لم نرى لها قمّة تستحقّ أن تكون بذلك العنوان (ينحدر عنها السيل ولا يرقى اليها الطير) كما حدّث سيد البلغاء وإمام الفصحاء علي بن ابي طالب، بل هي حضيض من أقلّ حضيض هذا العالم.

بل العجب كل العجب، فيمن عرفوا المستنقع ودخلوه أوّل مرّة، ثم تتابع مجيئهم إليه، ينالهم منه في كل مرّة ورطة من المشاركة، وعقمٌ في النتيجة، وتبعة تاريخية لها أثرها السّلبي على كل مشارك، في حياته السياسة أمام شعبه، فهل قنع هؤلاء الزعماء المفترض كونهم معدودين ضمن محور المقاومة، بمشاركة من تورّطوا في كلّ ما حصل لبلدانهم والمنطقة، فيلتقون على صعيد واحد من الشبهات المحيطة بالمؤتمر، دعوة وتأليفا وغاية.  

الحاضرون يعرفون بعضهم بعضا جيّدا، منهم من خلع عنه رداء الكرامة، فانخرط في طابور العمالة لأمريكا وبريطانيا، اللتين  تتقاسمان غنائم بلدانهم طوعا وخوفا، طالما أنّ هاذين البلدين المستكبرين صاحبي نعمة التأسيس والحماية لهم، وسياستهم تتمحور دائما حول تنفيذ الأوامر الصادرة إليهم، تعبيرا عن وفاء وولاء للقوّتين الغربيتين، ومنهم من ركن إلى دول الغرب المستعمر، ركون العاجز الذي لا حول لهم ولا قوّة، ومنهم من خنس بسياسته المكلّلة بالتبعية الجيو سياسية الاستعمارية الباقية بقاء نفَسِ وعقلية  وثقافة عبيد الغرب، فلم يظهر منها شيئا يفيد توجّهه، متوقّيا فيها وسعه، لعلّه ينفذ من تبعات الظهور بلون الثائر على مسار سياسة سابقة لبلاده، يخشى تغييرها جذريا، فيتحمّل نتائجها في ظل شعب هشّ ضعيف، مسلوب الإرادة، يقلب مزاجه أبسط التحوّلات، بسبب ضحالة ثقافته الدينية والسياسية، وضعف طاقة تحمّله، وعدم قدرته على التحدّي من أجل الحرية والعزة والكرامة.

في ظلّ مواجهة مصيرية، انطلقت شرارتها من غزّة في السابع من أكتوبر 2023، بعدما سقطت جميع الحلول الجزئية التي تبنّتها هذه الدول وزعماؤها، ومنها حلّ الدولتين والعاصمتين، مع كامل ادراكهم أنّه فخّ وليس حلّا، استدرج إليه من سبقهم إلى ميدان التطميع والخيانة، من أو هم منظمة التحرير الفلسطينية، أنه مسار مثمر بالدّخول فيه، تبيّن أن إسرائيل ليست سوى بداية مشروع استعماري عنصري، يحمل في طياته هدم الإسلام عقيدة وشريعة وفكرا، وحمْلِ الشعوب الإسلامية على التخلّي عن دينها بأي أسلوب يقتضي ذلك، وقد تبيّن من خلال ما حصل إلى حدّ اليوم، أن هذا المشروع الاستعماري خطير بشكل، تبيّنت نوايا أمريكا وبريطانيا وبقية دول الغرب من خلاله، حيث لاذت بالصمت أمام جرائم قوات الاحتلال الصهيوني وهي جرائم حرب ترقى إلى مستوى الإبادة الكاملة، حجرا وبشرا وحياة، لقطاع غزّة وجنوب لبنان، بما في ذلك ضاحية بيروت والبقاع، مضافا إليهم شمال اليمن، ومناطق من العراق وسوريا، حيث تتعمّد أمريكا نشر قواتها هناك حماية لفلول داعش التكفيرية مشروعها الفاشل في المنطقة، والذي تحاول إحياءه وتحريكه لتنفيذ بقية مراحله.  

نأتي الآن إلى ما تمخّض من قمّة الرياض، فإذا هي توصيات ومقرّرات وتنديدات ومطالبات ومساندات تبيّن أنّها عديمة الجدوى، وكان حريّا بهؤلاء الزعماء أن يُنْهوا الحديث والعمل بمشروع حلّ الدولتين لأنّه ليس له واقع في ظلّ أحلام حكام إسرائيل التي أقدمت على ضمّ الجولان والقدس وتريد اليوم ضم الضفّة كاملة بعد تولي الرئيس الأمريكي (دونالد ترامب) الذي عبّر عن استيائه من صغر مساحة فلسطين المحتلة(2)، ما يؤشّر إلى ذلك التمنّي الذي يراه في نفسه الصهيونية، ولم يعلنه بصراحة من النيل إلى الفرات.

مطالبة البيان بالزام إسرائيل بوقف سياساتها العدوانية، مشددا على تجميد مشاركة إسرائيل في أنشطة الأمم المتحدة، وحشد التأييد الدولي للإعتراف بدولة فلسطين، وحضر تصدير الأسلحة لإسرائيل، وتسيع الجهود لوقف الحرب في لبنان(3)، كلام بلا معنى في عالم تغوّل فيه الأقوياء، فأوقفوا الحقوق عليهم دون غيرهم، وهي مطالبات علّمتنا التجربة، والسياق التاريخي للقضية الفلسطينية، أنّ ما اُخِذ بالقوة لا يمكن ان يُسْتَردّ بغير القوة، ومن هذه القاعدة وجب تغيير التوجّه من سلبية سياسات حكامنا وقلّة حيلة شعوبنا إلى فضاء الحرّية من التبعية الغربية وبناء دول قويّة بإمكانها أخذ حقوقها، وحلّ قضاياها العالقة، ومنها قضية فلسطين بالقوّة، وهذه إيران نموذجا  كيف كانت، قبل ثورة شعبها نظاما عميلا لأمريكا وبريطانيا، وكيف تحوّلت بعد نجاح ثورتها بقيادة حكيمة، وخلال فترة زمنية مقدّرة ب45 سنة إلى قوّة فرضت منطقها ويحسب لها أعداؤها - منهم إسرائيل وأمريكا - اليوم الف حساب.

وأقول أخيرا لهؤلاء الزعماء متسائلا: لماذا تجييش وتسليح قواتكم المسلحة باختصاصاتها وفرقها وهي التي لم تحرّك ساكنا من أجل فلسطين؟ ولأيّ غرض تُقيم على أراضيكم قوّات غربيّة وهي بالتأكيد ليست من أجل مصلحة شعوبكم وشعوب المنطقة، وهدفها الذي بدا واضحا توتير الأجواء وتنفيذ المؤامرات ضدنا من داعش فما دونها من مشاريع فتنوية، لا تزال نارها متّقدة تحت رماد انتهاز الفرصة لإشعالها من جديد، فأسفي على حكام باعوا أنفسهم للشيطان، واسفي على شعوب سحبتها الدنيا إلى حضيض السقوط والإبتذال.

المراجع

1 – توافد رؤساء وممثلي الدّول المشاركة في القمّة العربية الإسلامية

https://www.youm7.com/story/2024/11/11/6773413

2 – ترامب: مساحة إسرائيل صغيرة على الخريطة وفكرت مليّا في كيفية توسيعها

https://www.albayan.ae/world/global/2024-08-16-1.4919822

3 - البيان الختامي: «قمة الرياض» تطالب بحظر تصدير السلاح إلى إسرائيل

https://www.al-madina.com/article/911529/


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


محمد الرصافي المقداد
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2024/11/13



كتابة تعليق لموضوع : ما وراء بيان مؤتمر القمّة العربي الإسلامي؟
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net