كتاب دراسات نقدية في إعلام الغرب ايمانوئيل كانط الجزء الثالث فلسفة الأخلاق الحداثة
وجاء في موضوع نشأة الأخلاق في رحاب العقل العملي
غوتفريد لايبنتز وهو الفيسلسوف الألماني، ولد عام 1646م، وتوفي في نوفمبر عام 1716م، عن عمر يناهز 70سنه.
وهو فيلسوف في علم الرياضيات، والمنطق، وأصبح واحدا من المخترعين في مجال الآلة الحاسبة الميكانيكية، بينما كان يعمل على إضافة عملية الضرب التلقائي والقسمة إلى آلة باسكال الحاسبة، وقال أنه كان أول من وصف آلة الدولاب الحاسبة على الهواء في عام 1685م، واخترع عجلة لايبنتز، التي تستخدم في العلم الحسابي، وهي أول آلة حاسبة ميكانيكية ذات الإنتاج الضخم، وأنه المكرر أيضا لنظام الرقم الثنائي، الذي هو أساس لجميع الحواسيب الرقمية تقريبا، والتي تقدم بها لتصميم أساس أجهزة الكمبيوتر الرقمية.
وفي الفلسفة لاحظ لايبنتز العالم الذي نعيش فيه هو أفضل عالم ممكن؛ لأنه من صنع خالق كامل الصفات، فالله خلق عالمًا واقعيًّا على أسس من القوانين الفيزيائية والميكانيكية كقوة الجاذبية والفعل وردة الفعل وغيرهما من القوانين، ولم يخلق عالمًا خياليًّا.
وهذه القوانين نافذة على العالم الذي خلقه الله، وليس لها أي تأثير على الخالق (الله).
فلو أن هذه القوانين توقفت عن العمل، فإن العالم الذي نعيش فيه يصبح خياليًّا! فمثلًا لو أن أحد الأشخاص ألقى بصخرة من على جسر وتسبب في حادث مأساوي، فإن هذا العمل شر بلا شك، ولكن ألم يستطع الله الكامل الصفات وتحديدًا الكامل الإحسان والخير والكامل القدرة تعليق قانون الجاذبية، وإيقاف الصخرة ومنع حدوث المأساة؟
بلى، ولكن تعليق قانون الجاذبية سيعني خلق عالم آخر لا تعمل الجاذبية فيه دائمًا، أي عالم مختلف، لأن الله خلق هذا العالم الواقعي كشبكة من الأجزاء المترابطة والمتداخلة مع بعضها البعض. فلو عطّل جزء أو أجزاء من هذه الشبكة المتكاملة والمتداخلة لإزالة الشر والمعاناة، لوجب خلق عالم خيالي غير هذا العالم الذي نعيش فيه!
لهذا يرى لايبنز أن عالمنا هو أحسن عالم ممكن لأن خالقه هو الله الكامل الصفات!
أما طريقة لايبنز الثانية في تفسيره لوجود الشرور مع وجود الله الكامل الصفات، أي في تبريره للعدالة الإلهية، فقد أكد أنه توقع أن يعترض ويتساءل الكثيرون: كيف يكون عالمنا الحالي هو الأفضل مع وجود الكثير من الشرور التي لا معنى لها؟ وأجاب بأن الناس يظنون أن العالم خُلق من أجل سعادتهم، وهذا غير صحيح.
فآراء الناس وقدرات تفكيرهم محدودة، لذلك لن يتمكنوا من معرفة القيمة والهدف النهائي لأي حدث، لأن كل تفكيرهم محصور في مصلحتهم، وفي الحفاظ على أنفسهم فقط.
ويعتقد البشر أن العالم يكون الأفضل إذا كانت كل الأجزاء فيه بلا استثناء تعمل كما يشتهون، أي بلا معاناة وشرور! ويختم لايبنز شرحه بتبيان أننا فسرنا الكثير من الأحداث على أنها سلبية، واتضح لنا فيما بعد من وجهة نظر أشمل أنها إيجابية!
طرح غوتفريد لايبنتز صياغة جديدة للبرهان الوجودي، وإن كانت في روحها ترجع للفكرة الأساسية التي ذكرها أنسلم وطورها ديكارت. جاء في "الموسوعة الفلسفية الإنجليزية المختصرة":
"أما صياغة ليبنتز للدليل الوجودي (الأنطولوجي) ففيها تتجلّى أصالته بطريقتين: إنه يردفها بدليل جديد يستمده من وجود الحقائق الضرورية، ويكمله ببرهان على أن تصور فكرة الله تصور ممكن.. وقد فرّق ليبنتز في البداية بين الصفات التي هي كمالات وبين الصفات بالمعنى المألوف؛ والصفة تكون كمالاً إذا امتلكها صاحبها في صيغة أفعل التفضيل، وإذا لم ينطو امتلاكها على استبعاد الصفات الأخرى؛ والصفات المكانية والزمانية ليست كمالات ما دام وضعها في صيغة أفعل التفضيل يكون بمثابة متناقضات ذاتية مثل: أكبر حجم، وآخر حادث.. الخ.
وليست الصفات التي تدرك إدراكاً حسياً كمالات هي الأخرى ما دامت نسبتها إلى موضوع ما يحمل في طياته إنكار الصفات الأخرى، فإذا قلنا عن شيء أنه أحمر، كان معنى ذلك أنه ليس أخضر أو أزرق.. الخ. أما "خير" و"حكيم" و"قابل لأن يعرف"، فإنها جميعَها صفاتٌ إذا وضعت في صيغة "أفعَل" التفضيل لم تنطو على تناقض ذاتي، ومن ثم يمكن نسبتها إلى كائن كامل لا بد أنه يملك جميع الكمالات في درجة الكمال؛ وعلى هذا فإن مفهوم الكائن الكامل، مفهوم ممكن.
ولما كان الوجود الفعلي نفسه كمالاً (على حدّ افتراض ليبنتز) فإن الكائن الكامل ليس مفهوماً ممكناً فحسب، ولكنه موجود بالفعل أيضاً
توفي غوتفريد لايبنتز دبليو في 14 نوفمبر عام 1716 بسبب تدهور حالته الصحية، وامتلأت أيامه الأخيرة بالخلافات، وحضر الجنازة فقط سكرتيرته، ولم توضع علامة علي قبره لأكثر من خمسين عاما.
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat