يا من تجاهلتم استغاثة غزّة الدور قادم عليكم
محمد الرصافي المقداد
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
محمد الرصافي المقداد

مر عام على طوفان الأقصى، ولم تحقق إسرائيل هدفها المنشود في السيطرة على قطاع غزة وتشريد أهله والعبث به تدميرا وقتلا للحياة فيه، بُغْيَة إنهاء حالة المقاومة المتمركزة هناك، لم تدّخر فيه جهدا، مارست فيه أقصى درجات العنف العسكري بحق المدنيين الفلسطينيين، جوّا وبرّا وبحرا، أسفر عدوانها على ما يزيد 43 ألف شهيد دون احتساب من فقدوا ومن بقوا تحت الأنقاض لم تتمكن طواقم الإسعاف والانقاذ من انتشالهم، أغلبهم من النساء والاطفال والشيوخ والمرضى، على مرأى ومسمع من دول وشعوب العالم ومنظماتهم الدوليّة، قد سجّلهم التاريخ جميعا، شهود مظلمة لم يحصل مثلها من قبلّ، بلا قيمة شهادة لهم تُذكرُ، فمن يرى اليوم بالدليل في الحكومات والشعوب العربية بصيص أمل صحوة، واستفاقة ضمير تنفع فلسطين فهو واهمٌ، شعوب تخلّت تماما عن واجباتها وابتعدت عن قيم دينها، بحيث أصبحت قطعان بشر تبحث عن العيش كالسوائم، لا يهمّها شيء من مبادئها.
لم يبقى لفلسطين إذا سوى جهة واحدة هي إيران، التي أعلنت منذ انتصار ثو رتها وقيام نظامها تبنّي القضية الفلسطينية، وباشرت باتخاذ إجراءات وتدابير بشأنها، لم يجرؤ على القيام بها أحد من قبلها، فقطعت إيران الثورة الإسلامية علاقات دبلوماسية، كان الشاه العميل المقبور أقامها بعد قيام كيان إسرائيل 1948، وطرْد بعثتها الدبلوماسية في نفس سنة انتصار الثورة 1979، وتسليم مقرها إلى منظمة التحرير الفلسطينية، وهو إجراء ثوري لم يجرؤ عليه أحد بعد إيران، لا تركيا ولا مصر ولا الأردن ولا المغرب ولا الامارات ولا البحرين ولا عُمان، سلسلة دول عربية انساقت وراء أحلام التطبيع الكاذبة بتحريض أمريكي خليجي .
خيانة لم تزعج ايران ولا خلطت أوراق مشروعها، معتبرة ذلك محاولة غربية لإنهاء كافة أشكال معاداة إسرائيل، وسحب البساط من تحت أرجل إيران، حتى لا يكون لها مشروعية بعد استكمال مخطط التطبيع الشامل مع من بقي من الدول المتردّدة، وبدت منظمة التحرير الفلسطينية في المشهد الخياني في أتعس مظهر لم تكتفي بالتطبيع لتنال سلطة منزوعة السلاح، بل زادت على ذلك لتصبح عميلة لإسرائيل تمدّها بالمعلومات عن المقاومين او تقوم باعتقالهم في غالب الأحيان وتزج بهم في سجونها.
إزاء هذه الأوضاع الخطيرة، باشرت إيران بالتعاون مع حركات المقاومة في الجوار الفلسطيني وداخل فلسطين، العمل تطوير أساليب المقاومة كمّا وكيفا، وقام خبراؤها العسكريون بمهامّ ليست بالسهلة في ساحة لم تخلو يوما من عيون العملاء، الذين تجندوا من أجل خدمة إسرائيل، ولم يكن أثقل عليهم من مشروع تحرير كامل فلسطين، بعيدا عن المفاوضات التي أثبتت عقمها على مدى عقدين من الزمن، وأنّها وسيلة الغرب المتوخّاة، للتفريط في حقّ المقاومة لاستعادة الحقوق المغتصبة.
نجاح إيران في دعم وتطوير وسائل حركات المقاومة، جعل منها اليوم، قوّة تمتلك وسائل فعالة ومؤثرة في مواجهة العدوّ الإسرائيلي، ولم يكن طوفان الأقصى سوى مؤشر واضح، دلّ على قيمة الإعداد المادّي والمعنوي الذي بلغته هذه الحركات، وتناغمها اليوم في الدعم والإسناد والتعاون، كصفّ واحد ومصير واحد، أغاظ الأعداء وسبب لهم إحراجا وضيقا وخلّف لهم خسائر مُعتبرة، زيادة على إرباك حساباتهم، وتزعزع معنوياتهم، ونزولها إلى أدنى مستوى لها منذ طوفان الأقصى والوعد الصادق الأول والثاني - في انتظار أن يتحقّق الثالث لو أقدمت إسرائيل على حماقة قد تاتي على آخر أمل في بقائها- فما كان يمثل أمنا واستقرارا، بالنسبة للصهيوني المستوطن داخل فلسطين المحتلة، لم يعد كذلك اليوم بعدما سلبته المقاومة الباسلة والشجاعة والمقتدرة منه، واصبح عيشه مضطربا بين الملاجئ، تحت تهديد المسيّرات والصواريخ، هذا وضعه الحالي اليوم، وغدا لا شكّ انه سيكون أسوأ.
خطّة إسرائيل ومعها أمريكا في المنطقة مكشوفة، اعتمدت على الإستفراد بمحيط فلسطين، وقضمه بلدا بلدا بعد الإنتهاء من غزّة، ولن يفلت بلد من مخطط، هدفه السيطرة والهيمنة على منابع الطاقة ومصادرها المخزونة في باطن الأرض والطبيعية خارجها، وسياسات الغرب المتصهين عموما، قائمة على مبدأ استعمار جديد، تشرف عليه إسرائيل في المنطقة، ومن كان يرى من هذه الدول والشعوب أنها في مأمن من القضم والسّلب والابتزاز، فهو واهم وسيأتي دورها ولو بعد حين، ولن تجد بدورها عندما يضيق عليها الخناق، من يقف معها في محنتها، وستذوق طعم الإنكسار والندم حين لا ينفعها ندم، وفوق ذلك كلّه غضب وسخط من الله، وهل تفلح دول وشعوب مغضوب عليها؟
وأعود للقول مجددا ومرارا وتكرارا، أنه لولا وجود إيران وجهودها وتضحياتها الكبيرة، لذهبت فلسطين في خبر كان، وقد فطن قادتها ببعد نظرهم، إلى أن إسرائيل ليست سوى أداة خبيثة وعصابة إجرام أمريكية بريطانية غربية، دورها متمثل في السيطرة المنطقة وإذلال أهلها، لذلك لم تتردد إيران في تبنّي القضية الفلسطينية برمّتها، وباشرت في الإعداد لمرحلة، تصبح فيه جبهة مقاومة المشروع الصهيوني الغربي في فلسطين، قوّة بإمكانها أن تواجهه عسكريا بقوة واقتدار، وبالمستوى الذي وصلته المقاومة في غزّة حاليّا، أمكن لها أن تصنع حالة جديدة من المواجهة، متحوّلة في تموقعها من الدفاع إلى الهجوم، وهذا بحدّ ذاته مؤشر على تطور كبير، طرأ على معادلة المواجهة مع العدوّ.
- مؤلمة كشفت ضعف المنظومة الأمنية والعسكرية لإسرائيل، في مواجهة أي هجوم محتمل، وكان طوفان الأقصى مؤشرا على ذلك الضعف الفادح، والذي سيكون بداية انهيار هذا الكيان، وما لم يحسب له قادته أن إيران نجحت في رعاية حركات المقاومة، بحيث ظهر ذلك في اسنادهم لأهل غزّة في مواجهة عدّوهم، فإذا بالمقاومة في لبنان وفي اليمن وفي العراق وسوريا، قد انخرطت في مواجهات قصف مناطق عسكرية داخل فلسطين المحتلة، بالطائرات المسيّرة والصواريخ البالستية، وقطع الطريق البحري على السفن التجارية، الذاهبة إلى الموانئ الفلسطينية من مضيق باب المندب، بواسطة القوات اليمنية الشجاعة المباركة، التي أبت إلا أن تتضامن مع أشقائها في غزّة، لرفع الظلم والمعاناة عنهم.
وفيما تواصل أمريكا ومن ورائها دول الغرب، تزويد إسرائيل بالأسلحة والذخائر والآليات - تأكيدا وتثبيتا لدورهم الإجرامي - يواصل العرب دولا وشعوبا التزام الصمت إزاء ما يحدث من جرائم حرب، والتنصّل من مسؤولياتهم تجاه اشقائهم في فلسطين ولبنان، كأنّما أصبحوا على قناعة تامّة، بأنهم في منأى عن أطماع إسرائيل الواضحة، في التوسّع في بلاد العرب والمسلمين، والدّور قادم على من أشاحوا بوجوههم عما يجري في فلسطين ولبنان، كأنّما الأمر لا يعنيهم، طالما أنّهم يحسبون أنّهم في مأمن نتائجه، فهل وصل بهم الغباء حكومات وشعوبا إلى هذا الحد؟ ومشروع إسرائيل الكبرى مخطّطُ له منذ قيام الكيان الغاصب، ودوره في المنطقة السيطرة عليها تماما، اذا اعتبرنا أن الحكومات خائنة فلماذا بقيت الشعب صامتة بلا حراك كأنّما نزلت عليها صاعقة؟
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat