جواهر نبويّة: الحلقة الثانية
رياض السيد عبد الأمير الفاضلي
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
رياض السيد عبد الأمير الفاضلي

من وصايا النبي الأكرم (صلّى الله عليه وآله) للإمام عليّ بن أبي طالب (عليه السّلام):
" يا علي: ينبغي أن يكون في المؤمن ثمان خصال: وقار عند الهزاهز، وصبر عند البلاء وشكر عند الرخاء، وقنوع بما رزقه الله (عزّ وجلّ)، ولا يظلم الأعداء، ولا يتحامل على الأصدقاء، بدنه منه في تعب، والناس منه في راحة" مكارم الأخلاق.
مرّ في الحلقة الأولى الحديث الأول عن الوقار عند نزول الهزاهز في فناءه وتقتحم ظلاله وكذلك عن الصبر عند البلاء والشكر عند الرخاء والقناعة بما رزقه الله تعالى، في هذه الحلقة الكلام حول الخصلة الخامسة وهي قوله (صلّى الله عليه وآله)".. ولا يظلم الأعداء.." وهذه الخصلة من الخصال التي تحتاج إلى دقّة عالية في الدربة على سعة الصدر وبُعد الأفق والإنصاف، وإنّ صاحب هذه الخصلة هو بين عدوه الذي يبطش به وبين وظيفته في الدفاع عن نفسه ضد عدوه ومع كلّ ذلك لا يظلم عدوه وينصفه وهذه المزية من مزايا المؤمن وصفاته الرائعة كما نجد ذلك في سيرة أمير المؤمنين (عليه السلام) المروي في نهج البلاغة: "..لا تقاتلوا الخوارج بعدي، فلس من طلب الحق فأخطأه، كمن طلب الباطل فأدركه.." وقال السيّد الرضى (رحمه الله): يعنى معاوية وأصحابه.
كلمة تستحقّ التأمّل والوقوف أمام هذه الطود الخلقي التربوي العلوي السامي، يالها من كلمة تدعو من يطالعها فتجعله يستمع من عينية قبل أذنيه ومن يستمع لها تناديه أن يسمع بعقله وسيرته وهي تقول: لننظر كيف ميّز أمير المؤمنين (عليه السّلام) بين عدوه وهو الخوارج و بين عدوه الطليق الآخر وهو معاوية وكلاهما عدو لدود، ولكنه لم يظلمهما (عليه السّلام)، وهذه الخصلة هي التي يتسم بها القمم الشامخة.
والخصلة السادسة التي ذكرت في الحديث الشريف هي وله (صلّى الله عليه وآله): ".. ولا يتحامل على الأصدقاء.. " والتحامل هو الجور وعدم العدل والانصاف مع الأصدقاء، فهذا هو المؤمن عدوه في مأمن منه وصديقه كذلك وكأنّه الغيث بعدالته، فخيره مأمور وشرّه مأمون، فهو ملاذ يطمع في خلقه حتى عدوه، ويثق به صديقه وهو يعلم أنّه لا يتحامل عليه.
والخصلة السابعة في الحديث المبارك وهي قوله (صلّى الله عليه وآله): ".. بدنه منه في تعب.." المؤمن ذلك الشخص الذي آمن بربّه وأخذ بالعبادات طلباً لرضى الله سبحانه وتعالى، فهو بين عباداته وطاعاته يتعب بدنه في خدمة الله تعالى، لا يلقي كلّه على الناس، يعمل بخدمة نفسه وعياله والمؤمنين والدين.
والخصلة الثامنة في الحديث المبارك وهي قوله (صلّى الله عليه وآله)".. والناس منه في راحة.." وهذه الكلمة كسائر كلمات سيد الرسل عظيم الأخلاق خاتم الأنبياء (عليه وعلى آله وجميع الأنبياء أفضل الصلاة والسّلام) ، التي مرّت في الحلقة الأولى والثانية من هذا الحديث الشريف، كلمة من جوامع الكلم، والناس منه في راحة، كلمة رائعة بل هي تاج الكلمات ولا يملّ الإنسان منها، كلمة لو سار عليه أحد لما سقط يوماً، كلمة تجمع لنا جميع النواهي التكليفيّة الإلزاميّة والتنزيهيّة في هذه الكلمة، فهو لا يؤذي ولا يضرب ولا يعتدي بقول ولا بفعل ولا بهمز ولا بلمز، يتبع الحقّ ويدافع تحت لواءه وفي سبيل حفظه، فتكون الناس منه في راحة.
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat