مسيرة الزيارة الاربعينيّة والاستعداد للآخرة
رياض السيد عبد الأمير الفاضلي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

من أكثر الأمور التي تواجه الإنسان في الدنيا وتقلقه هي قضية المصير الذي ينتظره، وهل هو نعيم دائم أو في هوان وعذاب دائم، لم يشغل الصالحين شاغل كهذا الشاغل حيث يمثل الرادع المهم عن الخطايا ولا يمكن مطاوعة الغفلة عنه كما في قول أمير المؤمنين (عليه السّلام) الوارد في نهج البلاغة أنّه قال: " فَإِنَّكُمْ لَوْ قَدْ عَايَنْتُمْ مَا قَدْ عَايَنَ مَنْ مَاتَ مِنْكُمْ لَجَزِعْتُمْ وَوَهِلْتُمْ وَسَمِعْتُمْ وَأَطَعْتُمْ وَلَكِنْ مَحْجُوبٌ عَنْكُمْ مَا قَدْ عَايَنُوا وَقَرِيبٌ مَا يُطْرَحُ الْحِجَابُ وَلَقَدْ بُصِّرْتُمْ إِنْ أَبْصَرْتُمْ وَأُسْمِعْتُمْ إِنْ سَمِعْتُمْ وَهُدِيتُمْ إِنِ اهْتَدَيْتُمْ وَبِحَقٍّ أَقُولُ لَكُمْ لَقَدْ جَاهَرَتْكُمُ الْعِبَرُ وَزُجِرْتُمْ بِمَا فِيهِ مُزْدَجَرٌ وَمَا يُبَلِّغُ عَنِ اللَّهِ بَعْدَ رُسُلِ السَّمَاءِ إِلَّا الْبَشَرُ ".
        هو مانع كبير عن الوقوع فيما حرّم الله تعالى وانتهاك الحدود التي منع الله تعالى من انتهاكها وتعديها في آيات عديدة منها قوله الله تعالى: (تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَٰلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) [النساء: ى.13] فلا محيص عن الخوف ولزوم العمل عن علم مع رجاء رحمة الله تعالى والشعور بالتقصير في كلّ شيء تجاه الله سبحانه وتعالى.
       ومن هو في طريق كربلاء الامام الحسين (عليه السّلام) يرى من يعمل لله سبحانه وتعالى بلا تكليف من أحد، ويرى من يذكر الله سبحانه وتعالى، ويسمع من يذكر الموت، ويرى من يذكّر بالآخرة، وهو في طريقه لرحمة الله الواسعة، يسترجع أمره ويفكر في أنّ الآخرة لا مفرّ منها فلا بدّ من العمل الصالح والرحمة الواسعة التي تدركه، وهو في طريق التوبة والإنابة لله سبحانه وتعالى، طريق المسيرة الأربعينيّة هو طريق الرجوع إلى التوبة الصادقة التي ينجو بها الإنسان من طريق الخطأ والخطل الذي كان عليه وإن لم يكن فهو النور يزداد توهجاً.
      فمن كان زائراً حقيقيّاً لا يغيب عن باله  دعاء الإمام الصادق (عليه السلام) لزوّار قبر أبي عبد الله الحسين (عليه السلام) :

مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى وَغَيْرُهُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ وَمُحَمَّدِ بْنِ الْحُسَيْنِ جَمِيعاً عَنْ مُوسَى بْنِ عُمَرَ عَنْ غَسَّانَ الْبَصْرِيِّ عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ وَهْبٍ وَعَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِنَا عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عُقْبَةَ عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ وَهْبٍ قَالَ: اسْتَأْذَنْتُ عَلَى أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (عليه السلام) فَقِيلَ لِي ادْخُلْ فَدَخَلْتُ فَوَجَدْتُهُ فِي مُصَلَّاهُ فِي بَيْتِهِ فَجَلَسْتُ حَتَّى قَضَى صَلَاتَهُ فَسَمِعْتُهُ وَ هُوَ يُنَاجِي رَبَّهُ وَ يَقُولُ- يَا مَنْ خَصَّنَا بِالْكَرَامَةِ وَ خَصَّنَا بِالْوَصِيَّةِ وَ وَعَدَنَا الشَّفَاعَةَ وَ أَعْطَانَا عِلْمَ مَا مَضَى وَ مَا بَقِيَ وَ جَعَلَ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْنَا اغْفِرْ لِي وَ لِإِخْوَانِي وَ لِزُوَّارِ قَبْرِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الْحُسَيْنِ ع الَّذِينَ أَنْفَقُوا أَمْوَالَهُمْ وَ أَشْخَصُوا أَبْدَانَهُمْ رَغْبَةً فِي بِرِّنَا وَ رَجَاءً لِمَا عِنْدَكَ فِي صِلَتِنَا وَ سُرُوراً أَدْخَلُوهُ عَلَى نَبِيِّكَ صَلَوَاتُكَ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ إِجَابَةً مِنْهُمْ لِأَمْرِنَا وَ غَيْظاً أَدْخَلُوهُ عَلَى عَدُوِّنَا أَرَادُوا بِذَلِكَ رِضَاكَ فَكَافِهِمْ عَنَّا بِالرِّضْوَانِ وَ اكْلَأْهُمْ بِاللَّيْلِ وَ النَّهَارِ وَ اخْلُفْ عَلَى أَهَالِيهِمْ وَ أَوْلَادِهِمُ الَّذِينَ خُلِّفُوا بِأَحْسَنِ الْخَلَفِ وَ اصْحَبْهُمْ وَ اكْفِهِمْ شَرَّ كُلِّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ وَ كُلِّ ضَعِيفٍ مِنْ خَلْقِكَ أَوْ شَدِيدٍ وَ شَرَّ شَيَاطِينِ الْإِنْسِ وَ الْجِنِّ وَ أَعْطِهِمْ أَفْضَلَ مَا أَمَّلُوا مِنْكَ فِي غُرْبَتِهِمْ عَنْ أَوْطَانِهِمْ وَ مَا آثَرُونَا بِهِ عَلَى أَبْنَائِهِمْ وَ أَهَالِيهِمْ وَ قَرَابَاتِهِمْ اللَّهُمَّ إِنَّ أَعْدَاءَنَا عَابُوا عَلَيْهِمْ خُرُوجَهُمْ فَلَمْ يَنْهَهُمْ ذَلِكَ عَنِ الشُّخُوصِ إِلَيْنَا وَ خِلَافاً مِنْهُمْ عَلَى مَنْ خَالَفَنَا فَارْحَمْ تِلْكَ الْوُجُوهَ الَّتِي قَدْ غَيَّرَتْهَا الشَّمْسُ وَ ارْحَمْ تِلْكَ الْخُدُودَ الَّتِي تَقَلَّبَتْ عَلَى حُفْرَةِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (عليه السلام) وَ ارْحَمْ تِلْكَ الْأَعْيُنَ الَّتِي جَرَتْ دُمُوعُهَا رَحْمَةً لَنَا وَ ارْحَمْ تِلْكَ الْقُلُوبَ الَّتِي جَزِعَتْ وَ احْتَرَقَتْ لَنَا وَ ارْحَمِ الصَّرْخَةَ الَّتِي كَانَتْ لَنَا اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْتَوْدِعُكَ تِلْكَ الْأَنْفُسَ وَ تِلْكَ الْأَبْدَانَ حَتَّى نُوَافِيَهُمْ عَلَى الْحَوْضِ يَوْمَ الْعَطَشِ فَمَا زَالَ وَ هُوَ سَاجِدٌ يَدْعُو بِهَذَا الدُّعَاءِ فَلَمَّا انْصَرَفَ قُلْتُ جُعِلْتُ فِدَاكَ لَوْ أَنَّ هَذَا الَّذِي سَمِعْتُ مِنْكَ كَانَ لِمَنْ لَا يَعْرِفُ اللَّهَ لَظَنَنْتُ أَنَّ النَّارَ لَا تَطْعَمُ مِنْهُ شَيْئاً وَ اللَّهِ لَقَدْ تَمَنَّيْتُ أَنْ كُنْتُ زُرْتُهُ وَ لَمْ أَحُجَّ فَقَالَ لِي مَا أَقْرَبَكَ مِنْهُ فَمَا الَّذِي يَمْنَعُكَ مِنْ إِتْيَانِهِ ثُمَّ قَالَ يَا مُعَاوِيَةُ لِمَ تَدَعُ ذَلِكَ قُلْتُ جُعِلْتُ فِدَاكَ لَمْ أَدْرِ أَنَّ الْأَمْرَ يَبْلُغُ هَذَا كُلَّهُ قَالَ يَا مُعَاوِيَةُ مَنْ يَدْعُو لِزُوَّارِهِ فِي السَّمَاءِ أَكْثَرُ مِمَّنْ يَدْعُو لَهُمْ فِي الْأَرْضِ" الكافي - الشيخ الكليني - ج٤، ص ٥٨٢-٥٨٣ - بَابُ فَضْلِ زِيَارَةِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الْحُسَيْنِ (عليه السلام)، ح١١ .

الموضوع السابق الإسلام خطة الف وخطة باء وخطة جيم

قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat