آيات قرآنية في كتاب دعاء عاشوراء للسيد الحسني (ح 7)
د . فاضل حسن شريف
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
د . فاضل حسن شريف

جاء في کتاب دعاء الإمام الحسين في يوم عاشوراء بين النظرية العلمية والأثر الغيبي للسيد نبيل الحسني: عن أثر الخوف والرجاء على تقويم السلوك الإنساني: إن عدل الله تعالى يستوجب وجود البعث والحساب والثواب والعقاب حيث قال تبارك وتعالى في محكم كتابه الكريم: "أَمْ نَجْعَلُ الَّذينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ كَالْمُفْسِدينَ فِي الْأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقينَ كَالْفُجَّارِ" (ص 28)، "يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتاتاً لِيُرَوْا أَعْمالَهُمْ * فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ * وَ مَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَه" (الزلزلة 6-8). إن الله تعالى حكيم، ولا يصدر عنه سفه وعبث، وهو لم يقتصر في خلق الإنسان على تجهيزه بالقوى الضرورية لحياته النباتية والحيوانية، كقوة الجذب والدفع، والشهوة والغضب، بل جهزه بقوى أخرى تقوده إلى التكامل والتحلي بالفضائل العلمية والعملية، وترتفع به إلى مستويات عُلى، لا يقف فيها عند حد، بل كلما ترقى في هذا السبيل يتعطش لما هو أعلى، وقد بعث الله الأنبياء عليهم السلام لهداية الإنسان إلى الكمال الذي يكون مفطورا على طلبه ومجبولا على أن لا يقف على حد حتى ينتهي إلى ما قال سبحانه في القرآن الكريم: "وَ أَنَّ إِلى رَبِّكَ الْمُنْتَهى" (النجم 42). فلو كان الإنسان مخلوقا للحياة الحيوانية فقط لكان إعطاؤه العقل الذي لا يقتنع إلا بإدراك أسرار الوجود لغوا، وخلقه على الفطرة التي لا تطمئن دون أية مرتبة من الكمال حتى يصل إلى مبدأ الكمال الذي ليس له حد عبثا. فالحكمة الإلهية توجب أن لا تختم حياة الإنسان بالحياة المادية والحيوانية، بل تتواصل لتحقيق الهدف الذي خلقت قوى عقله وروحه من أجله، قال الله تبارك وتعالى: "أَ فَحَسِبْتُمْ أَنَّما خَلَقْناكُمْ عَبَثاً وَ أَنَّكُمْ إِلَيْنا لا تُرْجَعُونَ" (المؤمنون 115). إن فطرة الإنسان تحكم بأن كل صاحب حق لابد أن يعطى حقه، وكل مظلوم لابد أن يؤخذ له من ظالمه، وهذه الفطرة البشرية هي التي تدفع البشر في كل عصر على مختلف أديانهم مهما كانت أفكارهم ومعبوداتهم إلى تشكيل أجهزة قضائية، ومحاكم لتحقيق العدالة. ومن ناحية أخرى، نرى أن كثيرا من الظالمين والمجرمين يموتون دون أن يقتص منهم، ونرى مظلومين يموتون تحت سياط الظالمين ونيران اضطهادهم، لذا فإن حكمة الله تعالى وعدله وعزته ورحمته، تستوجب وجود حياة أخرى تؤخذ فيها حقوق المظلومين من الظالمين حيث جاء في القرآن الكريم: "وَ لا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّما يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فيهِ الْأَبْصارُ" (ابراهيم 42). إن حكمة الله تعالى تقتضي أن يهيء للإنسان وسيلة وصوله إلى ثمرة وجوده والغرض من خلقته، ولا يتحقق ذلك إلا بأن يأمره بما يوجب سعادته، وينهاه عما وجب شقاءه، وتنفيذ الأوامر والنواهي الإلهية المخالفة لهوى الإنسان، لا يمكن إلا بوجود عاملي الخوف والرجاء في نفسه، وهما لا يتحققان إلا بالتبشير والإنذار، والتبشير والإنذار يستلزمان وجود ثواب وعقاب ونعيم وعذاب بعد هذه الدنيا، وإلا كانا تبشيرا وإنذارا كاذبين، والله تعالى منزه عن الكذب والقبيح.
وعن الآثار النفسية يقول السيد نبيل الحسني: ارتبط السلوك بعلم النفس لما يمثله من صورة عملية لما يختلج في النفس من مكونات، (وبفضل الدراسات والبحوث السيكولوجية تراكم كم هائل من المعارف التي تتعلق بقوانين حدوث العمليات العقلية المعرفية وغير المعرفية لدى الإنسان، هذه المعارف يمكن أن تساعدنا في فهم وتفسير، كيف يقوم الإنسان بمعالجة المعلومات الحسية المتنوعة؟، لكنها لا تكفي لتفسير السلوكات الإنسانية المعقدة. إن المشكلة ليست في قلة كمية المعارف السيكولوجية المتوافرة لتفسير السلوك الإنساني، وإنما تكمن المشكلة في أن كثيراً من عمليات الدافعية، أو دوافع السلوك تحدث على مستوى اللاوعي، والذي لا نعرف عنه شيئا تقريبا. ولذلك لابد من الرجوع إلى القرآن الكريم والعترة النبوية الطاهرة من حيثية أن الله تعالى هو الخالق لهذه النفس وهو العالم بمكنونها ومكوناتها وانفعالاتها ودوافعها، ناهيك عن ارتباطها بالقوة العقلية والخيال والعوامل البيئية، واستجابتها للخصائص الفيزيائية والاجتماعية. ولذا فقد وضع تعالى لها قوانين وضوابط تقومها وتصلحها، من بينها الخوف والرجاء، وقد وردت آيات كثيرة في القرآن الكريم تتحدث عن هذه القوانين والضوابط السلوكية التي تنبثق عن النفس. ومنها قوله تعالى: "لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزيدَنَّكُمْ وَ لَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذابي لَشَديد" (ابراهيم 7). فالآية تخبر عن قانون الخوف والرجاء ممثلا في الشكر ومبعثه الرجاء والكفر ومبعثه انعدام الخوف من الله تعالى فيتمنى الإنسان على المنعم سبحانه ويسيء استخدام النعم فيصرفها في معصية الله تعالى وظلم الناس. (فقد جمع صدر الآية وعجزها بين رتبتي الخوف والرجاء، وقدم الرجاء على الخوف لأنه سوط النفس الناطقة المحرك لها نحو الضماح، أي: الاعتلاء والتسامي، فإن النفس البشرية بطبيعتها طامحة إلى التعالي والترقي، ومتصلة إلى التسامي. وأخّر الخوف: لأنه زمامها العاطف بها عن الجماح، أي: أن النفس تكون كالفرس الجموح التي لا تسلك طريق الاعتدال فهي بذلك بحاجة إلى الزمام الذي يعيدها إلى الطريق المستقيم والسير القويم، وهذا الزمام هو الخوف).
وعن الفرق بين نظرية المعصوم عليه السلام وغيره من الناس يقول السيد الحسني في كتابه: ترتكز النظرية عند المعصوم عليه السلام على تفسير الظاهرة أو القانون أو القاعدة طبقاً لعين الواقع، ولذا فهي علمية لاستحالة نفوذ الاحتمال أو الظن إليها، بمعنى لا يكون بيان الإمام مستنداً على الظن أو عدم الاحاطة الكاملة والشاملة والدقيقة للسنن والقوانين والظواهر الكونية، ونقصد بالكونية جميع ما يمكن أن يدركه الإنسان ويحسه بل وحتى الأشياء التي لم يتمكن من إدراكها ومعرفتها فجميع ذلك علمه عند الإمام المعصوم عليه السلام. وذلك أن علم المعصوم هو علم حضوري أو لدنّي قال تعالى: في معرض حديثه عن الخضر عليه السلام: "وَ عَلَّمْناهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْما" (الكهف 65). وقال عز وجل عن سيد الأئمة وخازن النبوة أبي القاسم محمدصلى الله عليه وآله وسلم: "وَ كُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْناهُ في إِمامٍ مُبين" (يس 12). وفي بيانه عزّ شأنه لعلم نوح عليه السلام حينما أمره ببناء السفينة وحمل المخلوقات فيها قال له: "احْمِلْ فيها مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَ أَهْلَكَ إِلاَّ مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ وَ مَنْ آمَنَ وَ ما آمَنَ مَعَهُ إِلاَّ قَليل" (هود 40). وهذا الجمع يستلزم المعرفة التامة والاحاطة الشاملة بجميع ما خلق الله تعالى، كي يتمكن نوح عليه السلام من حمل هذه المخلوقات بل يستلزم ذلك معرفته وعلمه بأصناف هذه المخلوقات وأجناسها أي الذكر من الأنشى حتى يتمكن من إعادة دورة الحياة على الأرض، فكم من حيوان ونبات وحشرة خلقها الله تعالى على الأرض، وحملها معه نوح عليه السلام في السفينة. ولذا لا يمكن أن يكون فعل نوح عليه السلام بغير علم لدنّي علمه الله تعالى إياه: "وَ عَلَّمْناهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْما" (الكهف 65)، بل كما أسلفنا: "وَ كُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْناهُ في إِمامٍ مُبين" (يس 12). وعليه: تكون نظرية المعصوم عليه السلام هي عين الواقع ونظرية غيره من الخلق تبنى على مجموعة من الظنون تتفاوت في نسبها وقوتها ومرجحاتها فقد يصل هذا العالم أو ذاك من خلال الدراسة والبحث إلى معرفة الحكم بنسبة محدودة تقترب أو تبتعد عن الحكم الواقعي والمطابق لعين الحق، وقد يبتعد كل البعد عن عين الواقع فتكون نظريته واهية سرعان ما يظهر فشلها حينما يأتي عالم آخر يقدم أدلته التي تكتسب أهميتها من خلال قربها من الواقع، ومن ثم إحراز نسبة من الحقيقة التي سنها الله تعالى، من هنا ذهب البعض إلى: (أن النظرية بسبب اتساعها يبقى صدقها احتماليا مهما بلغ النجاح فيها).
وعن ما هو (الهم) و(الغم)؟ وبم يختلفان يقول السيد نبيل الحسني: قال اللغويون: (الهم) هو الحزن، و(الغم) هو الكرب. في حين يعطي القرآن الكريم معنى دلاليا آخر يشير إلى وجود فرق مهم بينهما مع اتحادهما في الأثر النازل على القلب. فالحزن والكرب أو الهم والغم شعوران وجدانيان يلقيان بثقليهما على القلب فيصاب بالكدورة والانقباض، ناهيك عن تعثر البال وتزلزل الخاطر. والآيات الكريمة كثيرة في هذا الصدد فعلى سبيل الاستشهاد لبيان المعنى، قال تعالى: "وَ قَتَلْتَ نَفْساً فَنَجَّيْناكَ مِنَ الْغَم" (طه 40). وهو إشارة إلى نبي الله موسى الكليم عليه السلام. "فَاسْتَجَبْنا لَهُ وَ نَجَّيْناهُ مِنَ الْغَمِّ وَ كَذلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنين" (الأنبياء 88). وهو نبي الله يونس عليه السلام صاحب الحوت. والآيتان الكريمتان تدلان على وقوع أمر معين لكلا من نبي الله موسى ويونس علیهما السلام، فتسبب هذا الأمر الواقع عليهما بالغم. بمعنى آخر: إن الغم لا يكون إلا عند نزول أمر معين ووقوع فعل يسوء صاحبه فيصاب بالغم، فنبي الله موسى عليه السلام حينما قتل نفسا أصيب بالغم، ويونس عليه السلام حينما ترك قومه وذهب مغاضبا التقمه الحوت فكان في ظلمات ثلاث فأصابه الغم بسبب هذا الأمر الواقع. أما الهم فهو عكس الغم من حيث الوقوع والأثر النفسي، أي: أن الهم لا يكون إلا بتوقع وقوع أمرٍ سيء أو أن الإنسان ينبئ بحدوث أمرٍ سيء، كمن أخبره الطبيب بأن هناك وباءٌ سوف يحل بالمدينة أو أنه حينما يبلغ العشرين ستسوء حالته الصحية، أو كمن أراد السفر فيقال له: أن الطريق معرض للصوص وغيرها. إذن: الغم هو ما يصيب القلب من انقباض وكدورة نتيجة أمرٍ واقع، والهم هو ما يصيب القلب من الحزن، والذهن من القلق.
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat