صفحة الكاتب : د . فاضل حسن شريف

آيات قرآنية في كتاب دعاء عاشوراء للسيد الحسني (ح 6)
د . فاضل حسن شريف

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

 جاء في کتاب دعاء الإمام الحسين في يوم عاشوراء بين النظرية العلمية والأثر الغيبي للسيد نبيل الحسني:عن تقديم ذكر النعم قبل عرض الحاجة: من المباحث التي اكتنزها الدعاء الأول لسيد الشهداء عليه الصلاة والسلام في يوم عاشوراء هو آداب الخطاب مع الله تعالى، والتي تبنى على قاعدة: (تقديم ذكر نعم المولى والافتقار إليه قبل عرض الحاجة). وهذه القاعدة الأخلاقية في مجال الخطاب مع الله تعالى كثيرا ما ركزت عليها مدرسة العترة الطاهرة عليهم السلام ولاسيما مدرسة عاشوراء بوصفها جمعت أصعب عوامل البقاء والموت، وأدق مواطن التعرض للحاجة، وطلب العون، والنصرة. وهذه الأجواء الخاصة والحيوية أفرزت الكثير، الكثير من الدروس الأخلاقية والتربوية في مختلف المجالات الحياتية والروابط الإنسانية. وحيث إنّ الإمام الحسين عليه السلام وأهل بيته كانوا نموذجا عملياً لتعاليم السماء، فإن طلب الحاجة وعرض المسألة على الله تعالى يحف به عدد من الآداب التي أظهرتها كلمات الإمام الحسين عليه السلام في يوم عاشوراء، لاسيما وأن هذا التأدب المحمدي النبوي في عرض المسألة وطلب الحاجة من الباري عزّ شأنه، هو عينه خلق النبي المصطفى. حينما دعا بهذه الكلمات في خروجه إلى الطائف وتلقيه الحجارة. أما مظاهر هذه الآداب، فمنها: أولاّ: إنّ الإمام الحسين عليه السلام يبتدئ دعاءه بلفظ (اللهم) ولم يقل يا رب؟. والفرق بينهما هو رتبة التوحيد، فالرب يمكن أن يكون من مصاديق الوالد والمربي والملك كما في قوله تعالى: "وَ قالَ لِلَّذي ظَنَّ أَنَّهُ ناجٍ مِنْهُمَا اذْكُرْني‌ عِنْدَ رَبِّك‌" (يوسف 42). في حين كان مصداق لفظ (اللهم) هو الخلوص في إظهار العبودية لله عز وجل، وأنه المالك لهذه النفس والمتصرف بها، وأنها العائدة إليه، وأنها أي هذه اللفظة مظهر جلي للإقرار بالإلوهية لله تعالى. ولذلك يبدأ عليه الصلاة والسلام بالإقرار بالعبودية والفردانية لله عزوجل والافتقار إليه وأنه لا حول ولا قوة له إلا به جلت قدرته، وأنه متوكل عليه وموضع عدته وعونه وثقته. ثانياً: أنّ تقديم الافتقار إلى الله تعالى على الحاجة في هذا الدعاء يشتمل على ثلاثة مظاهر من مظاهر الافتقار إلى الله تعالى وهي: قبل الدخول في عرض الحاجة، ومع الدخول في طلب الحاجة، وبعد ذكرها. فقال عليه السلام في القسم الأول: (اللهم)، (أنت ثقتي)، (في كل كرب)، (ورجائي في كل شدة)، (وأنت لي)، (في كل كرب)، (ثقة وعدة)، فهنا يقدم عليه السلام الإقرار بالربوبية، والافتقار إلى الله تعالى، قبل عرض حاجته.

ويستطرد السيد نبيل الحسني عن تقديم ذكر النعم قبل عرض الحاجة: القسم الثاني: وهو تقديم الافتقار إلى الله تعالى مع عرض الحاجة في سياق واحد، فقال عليه السلام: (كم من هم يضعف فيه الفؤاد وتقل فيه الحيل، ويخذل فيه الصديق، ويشمت فيه العدو)، (أنزلته بك وشكوته إليك)، (رغبة مني إليك عمن سواك)، فيكون السياق في عرض الحاجة والافتقار إلى الله تعالى في نسق واحد. القسم الثالث: توسط الحاجة بين عرض الافتقارين إلى الله تعالى، فقالعليه السلام في مقدمة دعائه: (أللهم أنت ثقتي، ورجائي في كل شدة، وأنت لي في كل أمر نزل بي ثقة وعدة). ثم يذكر حاجته ثم يختم بقوله: (فكشفته وفرجته) أي لأنك القادر على ذلك، ولأنك سبحانك (ولي كل نعمة)، (وصاحب كل حسنة)، (ومنتهى كل رغبة). كانت جميع حاجتي مقضية، وادعيتي مستجابة، ورغباتي محققه، وأماني منجزة. فيكون الدعاء الأول هو البوابة التي يفتحها الإمام الحسين عليه السلام للانتقال منها إلى حرم القداسة ومحل نزول الفيض الإلهي، والعروج إلى: "مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَليكٍ مُقْتَدِر" (القمر 60). في جوار جده وأبيه وأمه وأخيه صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين.

وعن توازن الخوف والرجاء في قلب المؤمن يقول السيد الحسني في كتابه: حينما تكون الحكمة هي ضالة المؤمن ومبتغاه، فقد وضع لها القرآن الكريم والعترة النبوية شروطا لتحصيلها. قال تعالى: "وَ مَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثيرا" (البقرة 269). وقال عزّ من قائل: "وَ ما يُلَقَّاها إِلاَّ ذُو حَظٍّ عَظيمٍ" (فصلت 35). وقال سيد الخلائق: (رأس الحكمة مخافة الله). وحيث إن الحكمة هي عنوان يدل على الأنبياء والصالحين من عباد الله تعالى فقد حدها النبي الأعظم. بحد الخوف من الله تعالى فهو سنامها الذي منه ترتوي فلا دوام لها إلا به، كذلك جعل الرجاء تابعاً وملازما للخوف يحل معه حيث ما حل. ومن هنا ينبغي على المؤمن أمور منها: 1ــ يجب عليه أن يخاف الله ربه المطلع على أمره في سره وعلانيته خوفاً شديداً يبعثه على طاعته، ويردعه عن جميع معاصيه، ويمنعه عن اتباع الشهوات التي تبعده عن مرضاته، وتوجب له استحقاق غضبه ومقته. 2ــ ويجب عليه أن يرجو رحمة الله وعفوه وإن سبقت منه المعاصي وعنده الذنوب كثرت، ففي الخبر عن أبي عبد الله عليه السلام: (اُرج الله رجاءً لا يجرئك على معصيته، وخف الله خوفاً لا يؤيسك من رحمته). وعن أبي جعفر عليه السلام: (ليس من عبد مؤمن إلا وفي قلبه نوران: نور خيفة ونور رجاء، ولو وزن هذا لم يزد على هذا، ولو وزن هذا لم يزد على هذا). 3ــ كما ويجب عليه أن يكون عاملا لما يخاف ولما يرجو، وقد قيل لأبي عبد الله عليه السلام: (قوم يعملون بالمعاصي ويقولون: نرجو، فلا يزالون كذلك حتى يأتيهم الموت). فقال عليه السلام: (هؤلاء قوم يترجحون في الأماني، كذبوا ليسوا براجين، من رجا شيئا طلبه، ومن خاف من شيء هرب منه). (فإذا خاف العبد ربه ورجاه وتوازن الخوف والرجاء في قلبه، وعمل لهما كما ذكرته الأحاديث واستقام في عمله ولم ينحرف أنتج ذلك له نتيجة معلومة محتومة، وهي تقوى الله، فالتقوى هي حصيلة اجتماع الخوف والرجاء الشديدين المتوازنين في قلب المؤمن، والعمل الدائب لخوفه ورجائه، والحفاظ عليهما حتى تكون ملكة ثابتة في نفسه، وقد أشارت إلى ذلك الآية الكريمة: "وَ الَّذينَ اهْتَدَوْا زادَهُمْ هُدىً وَ آتاهُمْ تَقْواهُمْ" (محمد 17). ومن متممات هذه المنزلة، ومقربات الوصول إلى هذه الغاية أن يشتد الخوف في قلب المؤمن، فيبكي خشية من الله لما اقترف من الذنوب، أو يبكي ندما على ما قابل به ربه الكريم العظيم من العصيان، أو خجلا مما تفضل عليه من النعم والأيادي، فعن الإمام أبي محمد الحسن العسكري عليه السلام عن آبائه عليهم السلام عن الصادق عليه السلام: (إن الرجل ليكون بينه وبين الجنة أكثر مما بين الثرى إلى العرش لكثرة ذنوبه، فما هو إلا أن يبكي من خشية الله عز‌و‌جل ندما عليها حتى يصير ما بينه وبينها أقرب من جفنه إلى مقلته). وإذا توازن الخوف والرجاء في قلب المؤمن، وأثمر اجتماعهما له ملكة التقوى كما ذكرنا في ما سبق، قبل الله منه عمله، وإن كان يسيرا، كما قال سبحانه: "إِنَّما يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقينَ" (المائدة 27). وبوأه المقام الرفيع من رضاه في الدنيا والآخرة، وآتاه العزة والكرامة، كما يقول تعالى: "إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقاكُم‌" (الحجرات 13). وعن أمير المؤمنين عليه السلام: (لا يقل عمل مع تقوى، وكيف يقل ما يتقبل). وعن الصادق عليه السلام: (من أخرجه الله من ذل المعاصي إلى عز التقوى أغناه الله بلا مال، وأعزه بلا عشيرة، وآنسه بلا أنيس، ومن خاف الله أخاف الله منه كل شيء، ومن لم يخف الله أخافه الله من كل شيء). وكلما ازدادت ملكة التقوى في نفس المؤمن ثباتا ورسوخا ازداد عطاؤها وعظم نتاجها.

وعن أثر الخوف والرجاء على تقويم السلوك الإنساني يقول السيد نبيل الحسني: قال العلامة الطباطبائي قدس‌سره: (إن البعث من القبور هو السبب العمدة الداعي إلى الإيمان بالكتاب واتباعه فيما يدعو إليه. وأما الاعتقاد بيوم الحساب هو الذي يستتبع الخوف والرجاء، خوف العقاب، ورجاء الثواب، الداعين إلى عبادة الله تعالى). ويظهر هنا من كلام العلامة Kأن للخوف والرجاء ذراعين يعمل بهما المؤمن على تقويم سلوكه وهما الثواب والعقاب، اللذان لا يتحققان في القلب إلا من خلال الاعتقاد بيوم الميعاد والحساب ولذلك عد (المعاد) أصلاً من أصول الدين التي يجب على المسلم الاعتقاد به لما يشكله من خطر كبير على سير الإنسان وسلوكه وبه يقوّم المجتمع وتصلح النظم والمعاملات. وقد أفرد علماء الطائفة أعزها الله في أبحاثهم حيزاً واسعاً لبيان هذا الأصل لما يحمله من آثار إصلاحية كبيرة. أما ارتباط الخوف والرجاء بالاعتقاد بيوم المعاد فيظهر من خلال إدراك كل عاقل: (أن العالم والجاهل، والمتخلق بالأخلاق الفاضلة والمتخلق بالأخلاق الرذيلة، والمحسن والمسيء في الأقوال والأعمال، ليسا سواء، والتسوية بين الفريقين فضلا عن ترجيح المرجوح على الراجح القبيح عقلا، ظلم وسفاهة. ومن جهة أخرى، فإنا نرى أن المحسنين والمسيئين لا ينالون جزاءهم في الحياة الدنيا كما ينبغي، فمقتضى العدل والحكمة وجود البعث والحساب، والثواب والعقاب كما جاء في القرآن الكريم: "وَ لِتُجْزى‌ كُلُّ نَفْسٍ بِما كَسَبَت‌" (الجاثية 22). على ما يقتضيه ارتباط العمل بالجزاء، فإنهم لا ينالون جزاء أعمالهم كما ينبغي في هذه الدنيا، فإذا كانت لا توجد دار أخرى يتحقق فيها الحساب والجزاء والعقاب المتناسب مع عقائد الناس وأعمالهم، لكان ذلك ظلما.


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


د . فاضل حسن شريف
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2024/07/20



كتابة تعليق لموضوع : آيات قرآنية في كتاب دعاء عاشوراء للسيد الحسني (ح 6)
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net